الوقت- لقد مرت أشهر قليلة على العدوان والإبادة الجماعية غير المسبوقة التي ارتكبها الصهاينة في قطاع غزة، والتي أدت إلى انتقادات واسعة النطاق ضد هذا الكيان، لكن سلوك الحكومة الصينية، باعتبارها إحدى القوى الرئيسية الحالية في العالم، تجاه هذا الحادث، أثار بطريقة أو بأخرى العديد من المفاجآت، حسب ما نقلته الأوساط الأكاديمية، حيث إن حكومة بكين، التي اتخذت موقفا محايدا أو غير مبال في بعض الأحيان في معظم النزاعات الدولية، انتقدت هذه المرة الصهاينة والجرائم اللاإنسانية التي لا تعد ولا تحصى التي ارتكبوها، لكن السؤال هو ماذا حدث حتى تبنت هذه الحكومة الشرقية هذه الاستراتيجية وهذا السلوك الجديد؟
ويجري التحقيق في هذه القضية في دوائر الدراسة، حيث إن هذه الجرائم شوهت مصداقية أمريكا على المستوى العالمي وتحولت إلى أزمة واسعة النطاق لمقبوليتها، لكن الصينيين تمكنوا من استخدامها من أجل كسب المصداقية لأنفسهم في العالم، ويستفيد الرأي العام في الدول، وخاصة منطقة غرب آسيا، والحقيقة أن هذه الحرب أصبحت الآن تحدياً كبيراً للبلدين، يستغله الشرقيون أقصى استفادة من أجل زيادة شعبيتهم وقبولهم في الدول النامية، ومن خلال استغلال هذه الأحداث، يريدون الاستيلاء على الرأي العام في البلدان النامية، بما في ذلك منطقة غرب آسيا بالكامل، أو جلبه إلى جوارهم.
ما الذي يفعله الصينيون بالضبط في حرب غزة؟
لقد أصبحت الحرب في غزة وجرائم الكيان الصهيوني صراعاً نادراً لتشويه سمعة الولايات المتحدة ومنح الفضل للصين، ويقول مارك ليونارد، كبير محللي العلاقات الدولية ومؤسس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "لقد حذرت قبل ستة أشهر، بينما يسعى الغرب إلى الحفاظ على النظام الدولي من خلال تغيير بعض عناصره ودعوة عدد قليل من الجهات الفاعلة الأخرى وهو أمر لا مفر منه، لكن الاستراتيجيين الصينيين يقترحون أن تساعد حكومتهم الدول الأخرى في بناء الحكم والنموذج المرغوب فيه من خلال الحد من هيمنة الغرب".
ويصل استنتاجه من هذه المواجهة مع الأزمة الحالية إلى هذه النقطة: "لقد حاولت إدارة بايدن التوفيق بين الانتقادات العلنية لإسرائيل والضغوط الخاصة لتكون هجماتها في غزة بشكل أكثر دقة، وأن تكون أكثر انفتاحًا على اتفاق سياسي مع الفلسطينيين"، لكن بكين أقل تقييدا بكثير بالحاجة إلى مثل هذا التوازن، ولديها قدر كبير من الحرية في التصرف، من خلال الدعوة إلى حل الدولتين، ورفض إدانة حماس وبذل جهود رمزية لدعم وقف إطلاق النار، تماشياً مع المشاعر العالمية المناهضة لـ"إسرائيل"، ومن أجل رفعة مكانتها، فقد استخدمت نفسها في الدول النامية، وهي في الحقيقة تحتضن المشاغبات التي شوهت سمعة السياسيين الغربيين وأثارت حفيظتهم!
في الواقع، إن الصين تحاول كسب الرأي العام في الدول النامية، وهكذا دخلت في الإبادة الجماعية في فلسطين وتعمل ضد الكيان الصهيوني، وتعني هذه القضية حقبة جديدة في سياسة الصين الخارجية؛ ورغم أن هذه القصة يمكن أن يكون لها أبعاد أخرى، إلا أن هذه الزاوية استراتيجية ومهمة.