الوقت- صور نتنياهو قضية تحرير الأسرى الإسرائيليين لدى حماس على أنها أبرز أهداف حربه العدوانية المستمرة على القطاع منذ أكثر من 100 يوم ولكن تتكشف الوقائع اليوم لتثبت وجود احتمالين لا ثالث لهما في هذه القضية وهما إما أن نتنياهو يريد قتل الأسرى الإسرائيليين في غزة ويتعمد استهدافهم لحرق ورقة المقاومة “المُذلة” أو أن رئيس الوزراء الصهيوني لا يأبه لحياة ذويهم، ويريد أن يذوقوا ما ذاقه بموت أخيه يوناتان الذي قتل في محاولة لتحرير "رهائن" طائرة مخطوفة في عنتيبي بأوغندا عام 1976؟
كيان الاحتلال يعيد الكرّة
بثت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- رسالة كشفت فيها مقتل الأسيرين يوسي شرعابي وتايس فريسكي في قصف لجيش الاحتلال الإسرائيلي ونجاة الأسيرة الثالثة نوعا أرغماني، وكانت القسام قد نشرت -أمس الأحد- تسجيلا مصورا للأسرى الإسرائيليين الثلاثة وهم، نوعا أرغماني (26 عاما) وتسكن في بئر السبع، ويوسي شرعابي (53 عاما)، وتايس فيرسكي (38 عاما)، ويسكن في تل أبيب، وجهوا خلاله مناشدة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإيقاف الحرب في غزة.
وعرض التسجيل الأخير مقاطع جديدة للأسرى الثلاثة تحدثوا فيها عن ظروف صعبة يعيشونها وتعرضهم للخطر جراء استمرار الحرب في القطاع، وتضمن التسجيل في نهايته حديثا للأسيرة نوعا أرغماني التي كشف فيه عن مقتل الأسيرين شرعابي وفريسكي، وسردت تفاصيل وملابسات مقتلهما، وقالت أرغماني "كنت موجودة في مبنى تم قصفه من طائرة إف 16 تابعة لقواتنا، التي أطلقت 3 صواريخ، انفجر اثنان منها ولم ينفجر الثالث، وكنا مع عدد من جنود القسام"، مشيرة إلى أنه كان برفقتها الأسيران "شرعابي" و"فيرسكي".
وتابعت إن القصف أدى إلى "دفنهم جميعا تحت الأنقاض"، مضيفة إن "جنود القسام نجحوا في إنقاذ حياتي وحياة تايس، ولكن فيما بعد لم ننجح في إنقاذ يوسي"، ووضحت أرغماني "بعد عدة أيام (ليلتين) نقلوني ونقلوا تايس إلى مكان آخر وخلال الانتقال، أصيب تايس بنيران قواتنا ولم ينج وبقيت أنا مصابة.. رأسي مليء بالشظايا كما أني مصابة في باقي جسمي".
وختمت رسالتها بالقول "تايس فيرسي ويوسي شرعابي ماتوا بنيران قواتنا.. أوقفوا هذا الجنون وأعيدونا إلى عائلاتنا ونحن لا نزال على قيد الحياة.. أعيدونا إلى البيت"، وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها كتائب القسام مقتل أسرى إسرائيليين محتجزين لدى المقاومة الفلسطينية بنيران إسرائيلية منذ بدء الحرب على القطاع.
وفي سياق متصل، في وقت سابق و بعد مقتل ثلاثة من المحتجزين لدى حركة حماس بالخطأ كما عبر عنه جيش الاحتلال الاسرائيلي أثناء المعارك في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة كان نتنياهو قد وعد أهالي الرهائن لدى حماس، قائلاً: "مأساة لا تطاق وسنتعلم الدروس ونبذل جهدًا لإعادة جميع المختطفين"، وفيما تصر كتائب المقاومة الفلسطينية على عرض تبادل الكل مقابل الكل، لكن كيان الاحتلال الاسرائيلي أعلن رفض ذلك وقرر مواصلة القتال حتى العثور على محتجزيه الذين لم يصل حتى الآن إلى أي منهم على قيد الحياة بعد 100 يوم من الاحتجاز.
قتل الأسرى بهدف حرق الورقة المُذلة
أثبت استخدام كيان الاحتلال لبروتوكول هانيبال تخبط جيش الاحتلال خلال المعارك مع حماس، البروتوكل الذي أخذ حيزاً كبيراً في العمليات الحربية التي شنها كيان الاحتلال على غزة بشهادات إسرائيلية مدنية و عسكرية، البروتوكول الذي يعتمد في جوهره على سياسة الأرض المحروقة، وينص على فتح النار العشوائي إذا تم أسر أحد الجنود بهدف قتل الآسرين والأسير معا، حيث يعتبر المسؤولون العسكريون أن اختطاف الجنود أمر إستراتيجي وليس تكتيكيا، ويحمل ثمنا باهظا للغاية يجب على كيان الاحتلال الإسرائيلي دفعه من أجل إطلاق سراحهم.
في هذا السياق يسعى جيش الاحتلال للتخلص من ورقة الأسرى المُذلة على الرغم من تزايد ضغوطات عائلات الأسرى لتحرير ذويهم ويبدو أن معظم الرسائل التي تصل كيان الاحتلال من قبل المقاومة الفلسطينية حول قضية ووضع الأسرى الإسرائيليين والأجانب في قطاع غزة، لا تلفت انتباه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كثيرًا، فهو عازم على تنفيذ أخطر مخطط قد يقلب “دولة الاحتلال” رأسًا على عقب.
الغريب ومنذ اليوم الثاني من أحداث 7 أكتوبر وما صحابها من عملية نوعية للمقاومة الفلسطينية بالدخول لمستوطنات غلاف غزة، وقتل الجنود داخل مواقعهم وخطف وأسر ما يمكن أسره، فقد تجاهل نتنياهو تمامًا قضية الأسرى لدى المقاومة مع بعض التطمينات والتلميحات التي يطلقها لتخفيف الضغط عليه من أهالي الأسرى داخل كيان الاحتلال والدول الغربية، ولكن الأغرب من هذا الأمر أن جيش الاحتلال يركز عملياته فعليًا على المناطق التي يوجد فيها الأسرى الإسرائيليون و هو ما يمكن تفسيره فقط بمحاولة التخلص من هذه الورقة المذلة التي تلوح بها المقاومة الاسلامية.
لا تثقوا به
ساهمت المشاهد التي عرضتها حركة المقاومة الاسلامية في إشعال غضب أهالي الأسرى الإسرائيليين، الذين يُنظمون باستمرار تظاهرات احتجاجية في “تل أبيب”، تحت شعار “أعيدوا الأسرى الآن”، مطالبين بإنهاء الحرب وإبرام صفقة تبادل أسرى، ومنتقدين سلوك رئيس حكومتهم، بنيامين نتنياهو، في هذا الملف.
فيما أجمع مغردون ونشطاء على أن تطورات ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة هي دليل على الفشل الذريع الذي منيت فيه حكومة الاحتلال بتحقيق أهدافها، رغم مرور أكثر من 100 يوم على الحرب التي شنتها على قطاع غزة، والتي تمثلت في تحرير المحتجزين الإسرائيليين والقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ورأى النشطاء أن ما فعله كيان الاحتلال الإسرائيلي خلال 100 يوم، هو فقط نجاحها بتحويل معظم قطاع غزة إلى ركام، وقتل أكثر من 23 ألف فلسطيني مدني معظمهم من النساء والأطفال.
وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي يواجه معارضة متزايدة بين الإسرائيليين ومسؤولين في حكومته- إخفاء فشل حكومته وجيشه الذريع في قطاع غزة من خلال حديثه في جلسة الحكومة للموافقة على موازنة عام 2024 لاستعادة نصف الرهائن، وتعهده بمواصلة العمل على استعادة كل من تبقى في قبضة المقاومة الفلسطينية في القطاع، و جدير بالذكر أن استعادة بعض المحتجزين الإسرائيليين لم تتم بناء على عمليات عسكرية، وإنما بناء على عمليات تفاوض مع المقاومة بوساطة قطرية ومصرية.
ويبدو أن تعهدات نتنياهو لم تطمئن أهالي المحتجزين وكثيرا من الإسرائيليين الذين تظاهر 120 ألفا منهم في تل أبيب – الأحد الماضي- بالتزامن مع مرور 100 يوم على الحرب، مطالبين نتنياهو بإعادة المحتجزين لذويهم، وتعد هذه المظاهرة هي الأكبر منذ بدء الحرب على غزة، وتعكس الضغط الكبير الذي تتعرض له الحكومة الإسرائيلية بسبب ملف الأسرى.
فيما اعتبر محللون انضمام عضو مجلس الحرب ورئيس حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس إلى مظاهرة أهالي الأسرى هو الدليل على أن مسألة الأسرى أصبحت ملفا للصراع السياسي الداخلي، وهي فرضية يؤيدها قول عضو مجلس الحرب غادي آيزنكوت "علينا أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا، وأن نظهر الشجاعة، ونتجه إلى صفقة كبيرة تعيد المختطفين، الوقت ينفد وكل يوم يمر على المختطفين في غزة يعرض حياتهم للخطر".
ختام القول
بعد أكثر من 100 يوم من العدوان الإسرائيلي الأمريكي الغاشم على شعب فلسطين، فشل المعتدون وكان لهم مطلبان أساسيان إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والقضاء على حماس، ولم يحقق العدو أي مطلب فيما وقع كيان الاحتلال وحكومته أمام ثلاثة أفخاخ وهي عدم عودة الأسرى، وأزمة اقتصادية وتردي الوضع على الجبهة الشمالية مع لبنان وأهم من ذلك كله أثبت كيان الاحتلال الصهيوني أنه و جيشه أوهن من بيت العنكبوت.