الوقت- بالأمس، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أنه ليس في خططها الحالية سحب قواتها من قواعدها في العراق، يأتي هذا الإعلان في أعقاب إعلان بغداد الأسبوع الماضي عن بدء عملية تهدف إلى إنهاء مهمة التحالف العسكري الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في البلاد، وفي تصريح للميجر جنرال بالقوات الجوية باتريك رايدر في مؤتمر صحفي، أكد أنه في الوقت الحالي لا يوجد لديه معرفة بأي خطط للانسحاب، مشددًا على أن التركيز الرئيسي يظل على مهمة هزيمة تنظيم "داعش"، وأضاف إن وجود القوات الأمريكية في العراق يأتي بدعوة من الحكومة العراقية، فيما تتهم الولايات المتحدة بدعم وتسليح تنظيم "داعش" باعتراف مسؤولين أمريكيين، وفيما يسبب التواجد الأمريكي على الأراضي العراقية احتلالا غير مباشر لهذا البلد الذي دمره الطيران الأمريكي وجعله على هذا الحال منذ عام 2003.
حتى اللحظة، لا يوجد أي إخطار رسمي من بغداد لوزارة الدفاع حول قرار بسحب القوات الأمريكية، ولا توجد تصريحات من وزارة الخارجية الأمريكية للحصول على مزيد من المعلومات بشأن أي مناقشات دبلوماسية حول هذا الموضوع، لكن مسؤولاً عسكرياً أمريكياً كشف أن قوات الولايات المتحدة "تعرضت لـ 127 هجومًا في العراق وسوريا منذ 17 تشرين الأول الماضي"، مع وجود وجهات نظر متعددة حول دور الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، حيث يرى بعض الأفراد أن الولايات المتحدة لعبت دورًا تخريبيًا كبيرًا في العراق، وخاصة أن تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق يعود لعقود قبل الغزو الأمريكي عام 2003، وقد تضمنت هذه العلاقة دعمًا عسكريًا واقتصاديًا للنظام العراقي في فترات مختلفة، ما ساهم في استمرار الصراعات والتوترات في المنطقة.
وتتجه الانتقادات نحو دور الولايات المتحدة في دعم الحكومات العراقية الضعيفة وتأجيج الصراعات الطائفية في البلاد، بالإضافة إلى تدخلها في الشؤون الداخلية العراقية، ويُشير العراقيون إلى أن الولايات المتحدة قامت بتأسيس نظام ديمقراطي وهمي في العراق، يخلو من الكفاءة والفاعلية، بهدف تدمير هذا البلد، ويتهم النقاد الولايات المتحدة بدعم المنظمات والجماعات التي تسعى لتأجيج المجتمع العراقي وفقًا للنموذج الديمقراطي الغربي، ما يزعزع الاستقرار في العراق ويسهم في تدمير هويته الوطنية ومؤسساته.
وتُظهر كل الدلائل وجود شيء غير عادي، وخاصةً مع تزامن اشتعال الهجمات في هذه الفترة مع التصريحات الأمريكية، ولفحص الحقيقة، يُفضل تشكيل لجنة عراقية فعّالة تعمل بشكل مباشر دون أي ضغوط سياسية لإيقاف التهديد الامريكي في البلاد، ولا تختلف وجهات النظر حول دور الولايات المتحدة الأمريكية في العراق بشكل كبير، حيث تعتمد على التجارب الشخصية والتحليلات السياسية للأحداث، وبعض وجهات النظر تركز على غزو العراق في عام 2003، حيث يُعتبر هذا الغزو غير مبرر وغير قانوني، وقد ادعت الحكومة الأمريكية وجود أسلحة دمار شامل في العراق دون العثور عليها بعد الغزو، والاحتلال والتدخل العسكري أيضًا يُنظر إليهما كعامل أساسي في اندلاع الصراعات الداخلية والتوترات العرقية والطائفية والإرهاب في البلاد، وفشلها في إعادة الأمن والاستقرار.
ولا شك أن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية السلبية تُشير إلى أن سياسات الولايات المتحدة وتدخلها أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد والمجتمع العراقي، ما أدى إلى انهيار البنية التحتية وزيادة معدلات البطالة والفقر، بالإضافة إلى ذلك، يرى المعارضون للدور الأمريكي أن التدخل العسكري أسهم في تعزيز الانقسامات في البلاد وداخل المنطقة، وزيادة التطرف والتنظيمات الإرهابية، وفي الجهة الأخرى، يرى البعض الدور الهدام للولايات المتحدة في العراق من خلال تدمير البنية التحتية والثقافة، ويشير الكثيرون إلى أن العمليات العسكرية الأمريكية أسفرت عن تدمير العديد من المواقع الثقافية والتاريخية والأثرية في العراق، ما أثر بشكل سلبي على الهوية الوطنية والتراث الثقافي للعراق، ناهيك عن انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تلقت الولايات المتحدة انتقادات حادة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب وحوادث أخرى مؤلمة، وقد أدت هذه الاتهامات إلى تدهور صورة الولايات المتحدة في الساحة الدولية.
تُضاف إلى ذلك، التدخل في السياسة العراقية، حيث يرى بعض العراقيين أن الولايات المتحدة استخدمت نفوذها السياسي والعسكري للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق، وتشكيل الحكومات وفرض سياسات لخدمة مصالحها، وقد أدى ذلك إلى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد، وتصاعد التوترات العرقية والطائفية، ويؤكد بعض الأفراد أن سياسات الولايات المتحدة في العراق ساهمت في تصاعد التوترات العرقية والطائفية، حيث استُخدمت استراتيجية "الانقسام والعزلة" لتحقيق أهداف سياسية، وبتعين مراعاة أن دور الولايات المتحدة في العراق يتأثر بالظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية، ولا يمكن للبيت الأبيض تشكيل مستقبل عراق إيجابي إذا كانت مصالحها تتطلب غير ذلك.
ونتيجة لكل ما ذكر، لو كانت أمريكا ترغب بالخروج من العراق لما دخلته في الأساس، وبالتأكيد إنّ وجودها في هذا البلد المهم والمؤثر يساعدها في نشر سياساتها والدفاع عن مصالحها وتنظيماتها الإرهابية في بلادنا، وإنّ خروج الأمريكيين من العراق يتطلب وحدة الصف العراقي والوقوف بوجه السلطة النافذة لواشنطن في العراق الذي كانت كتب التاريخ تتغنى بحضاراته، قبل أن تدخل الأيادي الأمريكيّة الخبيثة في صنع القرار فيه، ليعيش في الويلات على أطلال الماضي.