الوقت - بدأ العاهل المغربي الملك محمد السادس، يوم الاثنين، زيارة رسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، يرافقه وفد يضم عددا من الوزراء وكبار المسؤولين في المملكة، وهي الأولى التي يقوم بها ملك المغرب للإمارات بعد انتخاب المجلس الأعلى للاتحاد في 14 مايو/أيار2022، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيسا لدولة الإمارات.
المغرب والإمارات.. المصالح المشتركة
اقتصرت مجالات التعاون بين المغرب والإمارات في بدايتها على قطاعات محدودة، ولا سيما في الاقتصاد، إذ انحصرت في مجالي السياحة والعقار، غير أنها اتسعت مع مرور الوقت لتشمل مجالات أوسع، مع تركيز الجهود على جذب المستثمرين الإماراتيين، وتوجيه اهتمامهم نحو قطاعات أخرى كالطاقات المتجددة، والاقتصاد الأزرق.
وقد أكد العاهل المغربي والرئيس الإماراتي أن من أهم أسباب الزيارة، هو بحث سبل تطوير علاقات التعاون والعمل المشترك في مختلف المجالات، ولا سيما الاقتصادية والاستثمارية والتنموية والثقافية والفرص الطموحة المتوافرة لتنويعها وتوسيعها إلى آفاق أرحب بما يحقق تطلعات البلدين وشعبيهما الشقيقين إلى التنمية والازدهار.
وتربط بين المغرب والإمارات علاقات أمنية واستخباراتية رائدة في المنطقة، استفادت من التعاون الاقتصادي والدبلوماسي القوي، إذ إن الإمارات تعد أول مستثمر عربي بالمغرب، وأول مستثمر بالسوق المالية للدار البيضاء.
أما العلاقات السياسية المغربية الإمارتية فقد تميزت على الدوام بالتشاور المستمر وتطابق وجهات النظر بين قائدي البلدين والدعم المتبادل بالمحافل الإقليمية والدولية، إذ يؤكد المغرب مرارا مواقفه المؤيدة للإمارات، وهي بالمقابل تعبر باستمرار عن دعمها الثابت للمغرب ولوحدته الترابية، وهو ما أكدته عقب تصويت أعضاء مجلس الأمن الأممي على القرار 2703، الذي يمدد ولاية بعثة المينورسو لمدة عام، فضلاً عن أن أبوظبي قامت سنة 2020 بافتتاح قنصلية لها بمدينة العيون كأول دولة عربية تقدم على مثل هذه الخطوة، التي تحمل الكثير من دلالات الدعم وتعزيز العلاقات بين البلدين.
وعسكرياً أعلنت الإمارات دعمها للتحرك العسكري الذي بدأته المملكة المغربية في معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، إذ أكدت الخارجية الإماراتية على "دعم قرار الملك محمد السادس بوضع حد للتوغل غير القانوني بالمنطقة العازلة للكركرات، بهدف تأمين الانسياب الطبيعي للبضائع والأشخاص".
أما العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب والإمارات فقد سجلت تطورا لافتا منذ سنوات طويلة، وبفضل رؤية مشتركة للتنمية الاقتصادية والتعاون الاستراتيجي ، مكنت هذه العلاقات من إرساء شراكة مثمرة وشبكة من التبادل والاستثمارات مفيدة للبلدين، إذ بلغت المبادلات التجارية الثنائية، مستويات متميزة مع نمو مستمر للواردات والصادرات معا.
وتصدر المملكة المغربية إلى الإمارات مجموعة متنوعة من المنتجات، مثل المنتجات الفلاحية ومنتجات النسيج والفوسفات، وتستورد في المقابل العديد من المنتجات الإماراتية، ولا سيما البترولية والكيميائية والتجهيزات الإلكترونية، وتعد هذه الديناميكية ثمرة جهود يبذلها البلدان لإزالة الحواجز الجمركية بهدف تسهيل التجارة الثنائية.
وتبدي الإمارات باستمرار اهتماما خاصا بفرص الاستثمار في المغرب، فقد ارتفع حجم الاستثمارات الاماراتية المباشرة فيه، وخاصة في قطاعات العقار والمالية والبنيات التحتية، فوفقا للإحصائيات تمتلك الإمارات ثاني أكبر حصة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب، بأكثر من 137.43 مليار درهم سنة 2021.
وفي الجهة المقابلة وجدت أغلب المقاولات المغربية في الإمارات أرضية مواتية للاستثمار، ولتوسيع أنشطتها بمنطقة الخليج وكذلك للاستفادة من جاذبية السوق ودينامية بيئة الأعمال، إذ ارتفع حجم الاستثمارات المغربية المباشرة فيها بشكل ملحوظ سنة 2021.
وتعد الشراكة المغربية الإماراتية قوية في مجالات عدة وخاصة الطاقة النظيفة، إذ دعمت الإمارات جهود المغرب في هذا المجال، وقد رسّخت المملكة المغربية لنفسها مكانةً رائدةً في استخدام الطاقة المتجددة، والتي أصبحت توفر ما يقرب من 40 بالمئة من احتياجات المملكة من الكهرباء وساهم صندوق أبوظبي للتنمية في تمويل 82 مشروعاً في المغرب بقيمة بلغت حوالي 2.45 مليار دولار أمريكي.
وكذلك شمل التعاون المغربي الإماراتي الجانب الإنساني، إذ أرسلت الإمارات فريقا للبحث والإنقاذ للمشاركة في عمليات إغاثة ضحايا زلزال الحوز الذي هز في 8 سبتمبر/أيلول الماضي عددا من مناطق المملكة.
ملف العدوان الإسرائيلي على الطاولة
يرى الرئيس الإماراتي أن الإمارات والمغرب يمثلان عنصر استقرار وتنمية في المنطقة ويعملان على تعزيز العمل العربي المشترك لتحقيق تطلعات الشعوب العربية إلى التنمية والازدهار، إذ تعمل الرباط وأبو ظبي بشكل دائم على تنسيق مواقفهما بخصوص القضايا الإقليمية والدولية، واعتماد سياسة خارجية معتدلة ومتوازنة.
وقد بحث الملك المغربي مع الرئيس الإماراتي في هذه الزيارة عددا من القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية ومستجدات الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتبادلا وجهات النظر بشأنها، وفي مقدمتها التطورات في الأراضي الفلسطينية، مؤكدين ضرورة التحرك الدولي من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة وحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية الكافية إليهم ضمن آليات آمنة ودائمة.
وقد دعا الجانبان إلى أهمية إيجاد أفق واضح للسلام الدائم والشامل في فلسطين، والذي يقوم على أساس "حل الدولتين" لكونه السبيل لتحقيق الاستقرار، وخلق بيئة مناسبة لتعزيز التعاون لمصلحة تنمية جميع شعوب المنطقة وازدهارها.
ومن الأهداف.. شراكة مبتكرة وراسخة
وقع رئيس الإمارات والملك المغربي إعلاناً نحو شراكة مبتكرة وراسخة بهدف تطوير مختلف مجالات التعاون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والانتقال بها إلى آفاق نوعية أرحب تلبي تطلعات البلدين وشعبيهما إلى التنمية والنماء، إذ قال الرئيس الإماراتي "هناك قاعدة مهمة من المصالح المشتركة بين دولة الإمارات والمغرب، نحرص على توسيعها في جميع المجالات"، مشيراً إلى أن الاتفاقيات التي يوقعها البلدان خلال الزيارة ستكون منطلقاً لتطور كبير ونوعي في التعاون الاقتصادي والاستثماري بينهما خلال الفترة المقبلة، بما يصب في الهدف المشترك وهو تحقيق التنمية للبلدين وشعبيهما الشقيقين.
وأثمرت الزيارة عن تبادل الجانبين عددا من مذكرات التفاهم شملت إرساء شراكة استثمارية في مشاريع القطار فائق السرعة في المملكة المغربية، وشراكة استثمارية في قطاع الماء، والطاقة، الفلاحة والصيد البحري والمطارات والموانئ والأسواق المالية وسوق الرساميل، والسياحة والعقار، ومشاريع تخزين المعلومات إضافة إلى شراكة استثمارية مرتبطة بمشروع "أنبوب الغاز المغرب ـ نيجيريا"، وشراكة إنمائية، إضافة لتبادل مذكرة تفاهم بين آدنوك والمكتب الشريف للفوسفات.
فأهداف الزيارة تصب بشكل مباشر في خدمة مصالح البلدين، أي إنها زيارة للمصالح الخاصة بالبلدين، لم يكن جوهرها منصباً نحو التوترات الحاصلة في المنطقة العربية، أو لبحث قضايا تعنى بها الشعوب العربية ككل، رغم أن الإمارات تعمل جاهدة لزيادة وزنها الإقليمي المؤثر.