الوقت- إن تجريد المنافس أو العدو من إنسانيته هو أحد الأساليب القديمة للعمليات النفسية التي تمارسها الأنظمة الإجرامية، والتي تشكك في الهوية الإنسانية للجبهة المقابلة من أجل تهيئة الرأي العام الداخلي وإضفاء الشرعية على جرائمه، وفي الأيام الأولى للحرب الصهيونية الفلسطينية التي بدأت بعملية طوفان الأقصى، وقبل أن يرتكب كيان تل أبيب القاتل للأطفال جرائمه غير المسبوقة وغير القابلة للتصديق بقصف المستشفى الأهلي في غزة، قال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق: "لقد كشف داني أيالون، في مقابلة تلفزيونية، الهدف من سيناريو نتنياهو الشرير"، وعندما سأل مقدم البرنامج أيالون: "بعد انتهاء المهلة التي حددها الكيان الإسرائيلي لسكان غزة لإخلاء هذه المنطقة، إلى أين يمكن أن يذهب سكان غزة؟"، أجاب هذا المخضرم الصهيوني بالقول: " يذهبون إلى صحراء سيناء المصرية".
وبعبارة أخرى، فإن هدف كيان تل أبيب هو القيام بعمليات واسعة النطاق ضد البنية التحتية في غزة وجميع سكانها (بمن في ذلك النساء والأطفال)، وتحويل غزة إلى أرض محروقة وإجبار جميع سكانها على إخلاء هذه المنطقة تحت شعار "الدفاع عن أمن إسرائيل"، ويعتزم الصهاينة الاستفادة على نطاق واسع من الإمبراطورية الإعلامية التي يسيطرون عليها بشكل مباشر وغير مباشر، ووسائل إعلام هذه الإمبراطورية، بما في ذلك بي بي سي وسي إن إن، اللتان ليستا مستعدتان حتى لربط "الهجوم الإسرائيلي" بأخبار جريمة تدمير المستشفى، واللتان تكتبان "الانفجار في مستشفى غزة" وتقولان، حل مشكلة غزة مرة واحدة وإلى الأبد، دون الاضطرار إلى تحمل تكاليف وعواقب الهجوم البري.
ومن ناحية أخرى، فقد ادعى رئيس كيان الاحتلال إسحاق هرتسوغ بوضوح في مؤتمر صحفي يوم 13 تشرين الأول/أكتوبر أنه "لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة"، وادعى رئيس "إسرائيل" أن هناك أشخاصاً مسؤولون عن ذلك ويجب معاقبتهم وادعى هرتسوغ أنه بما أن أهل غزة لم يثوروا ضد حكومة حماس ويسقطوها، فهم مذنبون! وبعبارة أخرى، أعلن رئيس الكيان الإسرائيلي بوضوح أن كل سكان غزة "هدف" للعمليات العسكرية الوحشية.
وقبل هرتسوج، قال وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف جالانت، في خطاب مقزز وشيطاني إن الجيش الإسرائيلي يقاتل "حيوانات مجسمة في غزة"، إن تجريد الخصم أو الطرف المقابل من إنسانيته هو أحد الأساليب القديمة للعمليات النفسية التي تمارسها الأنظمة الإجرامية التي تشكك في الكرامة والهوية الإنسانية للجبهة المقابلة من أجل تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي وشرعنة جرائمه اللامحدودة التي ترتكبها قواها وعناصرها، وبصرف النظر عن هذا، فإن تصريحات غالانت، المكملة بكلمات هرتسوغ، تظهر مرة أخرى الخطة الشريرة للكيان الصهيوني "لحل مشكلة غزة، مرة واحدة وإلى الأبد: من خلال محو وجه المشكلة وإزالة ما يسمى الحكم الذاتي في قطاع غزة والقضاء على الهوية الفلسطينية".
والجزء الآخر من هذا اللغز هو أن نفس العقلية، أي "التوحش" ضد سكان غزة بهدف تبرير قتلهم من قبل عناصر الجيش الصهيوني، وعلى ما يبدو أنه بداية من قمة هرم السلطة في هذا الكيان، إلى الرتب المتوسطة والصغيرة اتفقوا على قتل أهل غزة الابرياء، وفي الأيام الماضية، نُشر عدد كبير من تصريحات الجنود الصهاينة، التي تدافع علناً وأمام الكاميرات عن قتل المدنيين الفلسطينيين، بل وتعرب عن موافقتهم.
وفي فيديو تم نشره قبل عدة أيام يعبر عن محادثة حية بين مدون فلسطيني وجنديين من الجيش الصهيوني، وعندما يذكر المدون الفلسطيني جنديين إسرائيليين أنه قبل عام 1948 كان اسم هذه المنطقة هو فلسطين، يقول الجنديان الصهيونيان: "نتمنى أن يقتل الجيش الإسرائيلي المزيد من الأطفال الفلسطينيين"، ثم يضحكان، ويظهر هذا الموضوع وجود غسيل دماغ أيديولوجي في جيش الكيان الإسرائيلي بهدف تبرير وإقناع "قتل المدنيين الفلسطينيين".
لكن القطعة الرابعة من هذا اللغز هي التقارير التي تتحدث عن وجود تيار يميني متطرف في هرم السلطة لكيان الاحتلال وأيضا في المجتمع اليهودي لهذا الكيان، الذين يحللون القضايا بطريقة مروعة تماما ويدفعون بأنفسهم تفسيرات خاصة للكتب والنصوص اليهودية القديمة، ويعتبرونها مقدمة لمعركة دينية في نهاية التاريخ، فهم ليسوا فقط على استعداد لقتل أي فلسطيني بشكل خاص وأي مسلم بشكل عام بسهولة، بل إنهم لا يخجلون من القضاء على مجموعات وطبقات من الكيان الإسرائيلي التي لا تتفق مع خططهم وربما تكون مواقفهم أكثر ليونة تجاه الفلسطينيين، وأبرز شخصية تمثل هذه المجموعة في "إسرائيل" الحالية ليس سوى بنيامين نتنياهو.
دان كوهين، مراسل قناة "مواطن إسرائيلي"، في محادثة مع شبكة تحليل الأخبار الصهيونية، اعتبر بوضوح أن الكيان الإسرائيلي على وشك الدخول في حرب أهلية واسعة النطاق، والسبب الرئيسي لها هو أن التيار اليميني المتطرف يحتل القمة والسلطة السياسية اليوم، وعندما أجرى مراسل قناة "مواطن إسرائيلي" مقابلة مع "عرض كاسيف"، ممثل الكنيست الإسرائيلي، حذر فيها هذا الممثل الإسرائيلي من أنه إذا لم يتم كبح جماح الحركة المتطرفة، فإن شوارع "إسرائيل" ستغطى بالدماء في حرب أهلية واسعة النطاق، وحسب كوهين، فإن أنصار هذا الاتجاه، عبر قنواتهم على التلغرام وصفحات التواصل الاجتماعي، يستخدمون صور ومقاطع فيديو لمدنيين غزيين يتدحرجون بدمائهم كمصدر للطرائف والنكات، ويعبرون صراحة عن عمليات القتل التي ينفذها الجيش في غزة بإنهم سعداء.
ووفقا له، فمن وجهة نظر هذا الاتجاه "الفاشي" الذي سيسيطر على جميع عناصر هذا الكيان، فإن اليهود غير الصهاينة أو أي نوع من المنتقدين للسياسات الإقصائية والقتالية تجاه الفلسطينيين داخل "إسرائيل"، فهم عدو أهم من الفلسطينيين، وتعتبرهم هذه الحركة المتطرفة "خونة"، في الواقع، عندما قام بنيامين نتنياهو، في خريف العام الماضي، بعقد تحالف مع الصهاينة "المقيدين" و"الوحشيين" في المشهد السياسي لهذا الكيان للعودة إلى السلطة، وأعطى منصبين رئيسيين في حكومته لشخصين رفيعي المستوى، شخصيات سيئة السمعة في الداخل الصهيوني (كل منهم لديه عشرات التهم المتعلقة بالجريمة والإرهاب في النظام القضائي الإسرائيلي)، وهما "أي بتسلئيل سموتريدج" و"إيتمار بنغير"، قالوا إنه من الواضح في أي اتجاه يتحرك المشروع الرئيسي لنتنياهو والليكود.
ومن الواضح أن الحكومة الأكثر تطرفاً في العقود الثلاثة الأخيرة للكيان الصهيوني لم يعد لديها الصبر والتسامح لتنفيذ ما تسمى خططها "المروعة"، ولا تأخذ في الاعتبار أي ثمن، حتى ضرب المستشفيات وقتل العشرات من الأطفال الفلسطينيين.