الوقت - لا حدود يقف عندها العمل المقاوم، هذا ما تؤكده العمليات الفلسطينية البطولية التي ينفذها المقاومون الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاصب، وهذا المشهد وضع المحتل في مأزق وفشل دائم يتفاقم باستمرار مع كل عملية .
مجدداً شهدت المؤسسة الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية" فشلاً ذريعاً عقب عملية بطولية نفذها مقاوم فلسطيني في بلدة حوارة جنوب نابلس أدت إلى مقتل مستوطنين، وأسقطت العدو في يده، إذ لم تنفع تعزيزاته العسكرية واستنفاره الدائم في تأمين الحماية له ولمستوطنيه، ولم تنفع حوادث العدوان المتكررة على البلدة، التي تعرّضت بالفعل لمخطط الحرق الكامل قبل عدة أشهر، كما أكدت العملية من جديد حالة الضعف الموجودة لدى مؤسسة الاحتلال الأمنية والعسكرية وخاصة أن العملية الفدائية نُفذت في منطقة أمنية وحساسة وتعتبر الأكثر انتشاراً لنقاط جيش الاحتلال وهو ما يثبت تطور العمل المقاوم، ويؤكد الفشل “الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي” الذريع في الملاحقة والاعتقال و"القضاء" على المقاومة ولا سيما أن العملية تمت بعد حملة شاملة شُنت بالتنسيق بين قوات الاحتلال والسلطة الفلسطينية؛ لملاحقة المقاومين والتضييق عليهم لتحقيق هدفهم المتمثل في "القضاء على المقاومة بالضفة الغربية المحتلة".
وفي التعليق على العملية، قال المتحدث باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع، إن عملية إطلاق النار البطولية في بلدة حوارة، هي نتاج وعد المقاومة الثابت والمستمر للدفاع عن شعبنا والرد على جرائم الاحتلال وحماية المسجد الأقصى من خطر التقسيم والتهويد، متوعداً بأن تظل ضربات المقاومة متواصلة وممتدة لتطال جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وإفشال مخطط حكومته الفاشية ببناء الهيكل الموهوم على أنقاض المسجد الأقصى، لافتاً إلى أن المقاومة الفلسطينية وأبطالها الثائرين حطموا هيبة جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه.
عملية حوارة ليست الأولى من نوعها، حيث بدأت سلسلة العمليات في القرية في شباط الماضي بتنفيذ عملية إطلاق نار من مسافة صفر قتل فيها مستوطنان، ونفذ المستوطنون بعدها سلسلة اعتداءات على القرية طالت البشر والحجر والشجر وبلغت أضرارها بالملايين.
وفي آذار، أصيب أحد المستوطنين بجراح خطيرة في عملية إطلاق نار وقعت وسط حوارة، أصيب المقاوم خلالها واعتقل بعد وقت قصير، وبعد مرور ستة أيامٍ فقط، وقعت عملية إطلاق نار تجاه جنود الاحتلال في القرية، أصيب خلالها جنديان بجراح متوسطة وخطيرة، وبعد مرور شهرين فقط أصيب جندي بجراح متوسطة، فيما وقعت عملية دهس بعد ذلك بأسبوعين.
وفي الخامس من حزيران، أصيب جنديان بجراح ما بين متوسطة إلى طفيفة، فيما وقعت عملية إطلاق نار أصيب خلالها مستوطن، بينما عثر على آثار 12 طلقة نارية في مركبته.
واليوم، توّجت سلسلة العمليات بمقتل مستوطنٌ ووالده بعملية إطلاق نار وقعت على مدخل كراج للسيارات وانسحب المهاجم من المكان.
الخبير في الشأن الأمني والعسكري عبدالله العقاد رأى أن عملية حوارة صاحبها تخطيط وتكتيك وتنفيذ دقيق جداً، وأكدت أن جيش الاحتلال وأجهزته التكنولوجية والمخابراتية، أضحت عاجزة عن تتبع تحركات المقاومة والمقاومين، وبات تنفيذ العمليات الفدائية من نقطة صفر وفي قلب وعمق الكيان، وفي الأماكن التي يسيطر عليها إدارياً وعسكرياً دون كشفهم، مؤكداً على أن المقاومة تتخذ أقصى درجات الحيطة والحذر عند الإقدام على تنفيذ عمليات فدائية.
تصاعد العمليات الفلسطينية وتطورها دفع أوساطاً إسرائيلية عديدة إلى اتهام الحكومات الإسرائيلية المتتالية بالعجز عن ابتكار استراتيجية ناجعة للتخفيف من حدة المأزق تفادياً للانفجار الكبير حسب تعبيرهم، وهو ما أدى بدوره إلى تشكل حالة عدم ثقة بين حكومات الاحتلال والمستوطنين وخاصة بعد التعديلات القضائية التي أقرتها مؤخرا حكومة الاحتلال والتي أدت إلى موجة من الاحتجاجات، هذا الاتهام يضع المستقبل السياسي المأزوم أساساً لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على المحك ويؤثر بلا شكل على المشهد الداخلي للاحتلال وربما تكون أولى بوادره ما تحدثت عنه وسائل إعلام العدو عن وجود انخفاض كبير في معدل الهجرة إلى "إسرائيل"، وهذا تطور مهم ولافت، إذ بينما يلهث العدو للتطبيع وإقامة علاقات مع المحيط الإقليمي ليصار إلى تقبله كأمر طبيعي، فإنه ينفرط ويتفكك من الداخل، سياسياً وأمنياً وعسكرية في ظل تخلي الكثير من جنود الاحتياط عن الخدمة العسكرية والخوف منها.
فرضت العمليات الفدائية واقعاً مخالفاً لما يعمل عليه المحتل، إذ لم يعد كيان العدو هو من يُحاصر رغم كل وحشيته، بل بات محاصراً بالعمليات الفدائية في أي وقت وفي أي مكان، كما أن حصاره ليس فقط في فلسطين بل هو محاصر من كل من يحمل المقاومة عنواناً ثابتاً وراسخاً في منهج حياته، فهو محاصر من سورية إلى العراق ولبنان وإيران واليمن التي تنتهج المقاومة وتتخذ من القضية الفلسطينية قضية مركزية لا مجال للمساومة عليها أو التنازل بشأنها، فالعمل المقاوم مستمر طالما الكيان المحتل قائم.
لا يملك كيان الاحتلال الإسرائيلي إلا الحيطة والاستنفار والتعزيز العسكري وطرح السيناريوهات والتساؤلات وترقب التداعيات والقلق، فيما المقاومة حرة، تدرس تخطط وتنفذ، وأياً ما تكون نتيجة العمليات الفدائية أي استشهاد المنفذ أو إنهاء العملية بسلام، فإن أي عملية قادرة على تحويل المشهد دائماً.
حوارة التي يعمل العدو على محوها لتحقيق خطة الضم وفرض السيادة على كامل الضفة الغربية باتت عصيّة لا يمكن محوها، فأيقونات المقاومة لا تمحى ولا يمكن لكيان زائل محوها، أضف إلى ذلك أن حوارة بلدة فلسطينية أي أصيلة في أرضها ومكانها وهذه حقيقة إن لم يستطع المحتل إدراكه فالمقاومة جاهزة لتلقينه الدرس على مدار الساعة والأيام.
حوارة هي نموذج عن كل البلدات والقرى الفلسطينية، كما أن العمل المقاوم غير محصور في بلدة أو قرية فهو على امتداد فلسطين، وبالتالي كل وحشية المحتل لن تنقذه.