الوقت - بعد عدة جولات من المفاوضات غير المثمرة بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا في الأشهر الماضية، انتقلت القضية الآن إلى طاولة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حتى يتمكنوا من إيجاد مخرج من هذه الأزمة التي استمرت ثلاثة عقود.
يعقد هذا الاجتماع في الوقت الذي يعيش فيه 120 ألف أرمني في ناغورنو كاراباخ تحت الحصار منذ ثمانية أشهر، والطريق الوحيد لمساعدتهم قد أُغلق، وتحذيرات المجتمع الدولي لم تساعد في إنهاء هذا الإغلاق، وخلافًا لمزاعم مسؤولي باكو ويريفان بالاقتراب من اتفاقات السلام، لا يوجد أفق واضح للحد من التوترات.
من أجل النظر في أبعاد التوترات في كاراباخ وآفاق السلام في هذه المنطقة، تحدث "الوقت" مع الخبير في شؤون القوقاز السيد برهان حشمتي.
الوقت: أغلقت جمهورية أذربيجان معبر لاتشين منذ ديسمبر الماضي، ولا تسمح بمساعدة الأرمن الذين يعيشون في ناغورنو كاراباخ، ما هي أهداف باكو من إغلاق هذا الممر؟
السيد برهان حشمتي: من خلال إغلاق هذا المعبر، تسعى أذربيجان إلى إجبار الأرمن الذين يعيشون في ناغورنو كاراباخ على مغادرة هذه المنطقة، حتى تتمكن باكو من السيطرة الكاملة عليها، أو الموافقة على التخلي عن الأفكار الانفصالية وأن تكون جزءًا من أراضي أذربيجان، لكن قادة باكو اتخذوا طريقةً غير إنسانية لدفع هذا البرنامج بتأثير من سياسات تركيا والکيان الصهيوني.
والهدف الآخر لباكو هو الضغط على الحكومة الأرمنية للموافقة على بناء ممر "زانجيزور"، والاستيلاء على الجزء الجنوبي من أرمينيا وإعطائه للغرب والکيان الصهيوني وتركيا، ليكون لديهم طريق مخصص للوصول إلى القوقاز وحوض بحر قزوين وآسيا الوسطى والصين، وأخيراً تحقيق حلم إقامة العالم التركي.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها أذربيجان لتنفيذ خططها، لا يبدو أن هذا المشروع سيتحقق، لأن أرمينيا ليست على استعداد للتنازل عن جزء من أراضيها لأذربيجان، سواء في شكل زانجيزور أو في شكل طرق النقل، وقد أظهر الأرمن الذين يعيشون في كاراباخ في الماضي أنهم لن يستسلموا لمطالب باكو بهذه الحصارات.
إن إغلاق لاتشين ليس رغبة الشعب الأذربيجاني، بل هذه السياسة تمليها المراكز الصهيونية والتركية، وباكو هي المنفذ فقط، وهذا الحصار اللاإنساني لن يحقق أهداف أذربيجان.
الوقت: اشرحوا لنا وضع سكان لاتشين قليلاً، ما هو وضعهم الآن؟
السيد برهان حشمتي: يعيش حوالي 120 ألف أرمني في منطقة كاراباخ الجبلية التي ترتبط بأرمينيا عبر ممر لاتشين، وهم يعيشون في حالة يرثى لها، ومن ناحية أخرى، هناك حصار إعلامي في هذه المنطقة، ولأن القوى العالمية تتجه أكثر نحو أذربيجان بسبب مصالحها الأمنية والسياسية، فهي لا تسمح بالتغطية الإخبارية للتطورات في كاراباخ.
أرمينيا نفسها ضعيفة من حيث الإعلام والسياسة، وحتى اللوبي الأرمني، الذي له تأثير في العالم، لم يتمكن من نقل أخبار الوضع الرهيب في ناغورنو كاراباخ إلى العالم، والأخبار التي نادراً ما تصدر من هذه المنطقة، تتحدث عن أن حوالي 2000 امرأة حامل بحاجة إلى مساعدة طبية ودوائية عاجلة، وهي الآن مقطوعة والوضع مزعج.
وبالنظر إلى أن أرمن ناغورنو كاراباخ يواجهون حصارًا اقتصاديًا على مدى العقود الثلاثة الماضية، فقد تمكنوا من التكيف مع هذا الوضع إلى حد ما، لكن هذا لا يعني أن المجتمع الدولي، وخاصةً إيران، لا يكترثون بالوضع الحرج لسكان هذه المنطقة.
في العقود الثلاثة الماضية، عندما كانت هناك توترات بين أرمينيا وأذربيجان، حاولت إيران دائمًا إدارة قضايا القوقاز من خلال التوسط بين البلدين، وساعدت في تقليل التوترات على أساس مبدأ العدالة، في حرب ناغورنو كاراباخ الأولى، عندما احتل الأرمن كاراباخ، لولا جهود الجمهورية الإسلامية لقتل عدد كبير من الشعب الأذربيجاني، لكن إيران منعت ذلك، والآن من المتوقع أن توقف طهران المزيد من المذابح ضد الأرمن في ناغورنو كاراباخ.
لأن القوقاز جزء من المجال الحضاري لإيران، وشعب كلا البلدين ينتظر من إيران التحرك مرةً أخرى وإنهاء هذه الأزمة، ولذلك، بسياستها الحكيمة، ينبغي لإيران أن تأخذ زمام المبادرة وتدعم الأرمن في هذه المرحلة، وتقدّم حلاً لحل هذه الأزمة.
الوقت: من المفترض أن يعقد مجلس الأمن اجتماعاً طارئاً لبحث التطورات في كاراباخ، هل تعتقدون أن المجتمع الدولي يمكنه الضغط على باكو لإخراج لاتشين من الحصار؟ وهل ستتعاون أذربيجان في هذا الصدد؟
السيد برهان حشمتي: لا أعتقد أن مجلس الأمن قادر على حل هذه الأزمة، لأن لا المجلس جاد في حل التوترات، ولا سلطات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن تسمح بذلك.
في ذروة حرب كاراباخ الثانية عام 2020، رأينا أن مجلس الأمن أراد التدخل في هذه النزاعات، لكنه لم يصل حتى إلى مرحلة إصدار بيان، وبريطانيا بسبب مصالحها وعلاقاتها مع جمهورية أذربيجان، منعت إصدار بيان ضد هذا البلد، والآن أيضًا لا يبدو أن مجلس الأمن يستطيع أن يتخذ مبادرةً إنسانيةً وعادلةً في هذا الشأن.
هذه المرة أيضًا، سوف يعرقل البريطانيون الحل، لأن هذا البلد يسيطر علی موارد الطاقة الأذربيجانية ويمنع تطبيق العدالة في القوقاز، ويفضل مصالحه على المبادئ الإنسانية، ولا يتوقع أن تقدم الدول الأعضاء الأخرى في مجلس الأمن حلاً عادلاً لكاراباخ.
الوقت: تحدث الرئيس الأذربيجاني عن التعاون مع إيران في مواقفه الأخيرة بشأن ممر زانجيزور، وأكد أنه يحترم الحدود التاريخية، الأمر الذي رفع الآمال في الحد من التوتر، بعد هذا الموقف، هل تتراجع باكو عن طموحاتها في زانجيزور؟
السيد برهان حشمتي: اتخذت الحكومة الأذربيجانية العديد من هذه المواقف الخادعة والكاذبة في محادثتها مع السلطات الإيرانية، وفي السنوات الثلاث الماضية، وخاصةً عندما شعر إلهام علييف، رئيس أذربيجان والحكومة أنهم أصبحوا القوة الأولى في القوقاز، بدؤوا حرب كاراباخ الثانية وقدموا أيضًا مطالبات طموحة بشأن المناطق الأذرية في إيران.
الآن أيضًا، فيما يتعلق بزانجيزور، يقول علييف ظاهريًا إنه يحترم الحدود التاريخية، ولكن في الوقت نفسه تقدم وسائل الإعلام والمراكز الأكاديمية في أذربيجان مطالبات إقليمية ضد دول المنطقة، وخاصةً فيما يتعلق بأرمينيا فقد أدلوا بالعديد من التصريحات المتناقضة، ولذلك، فإن حكومة أذربيجان يديرها الکيان الصهيوني وتركيا، وبالتالي فإن تصريحات علييف ليست معيارًا لأعمال باكو ولا يمكن الوثوق بها.
الوقت: بعد عجز روسيا كضامن لاتفاقيات السلام عن الضغط على أذربيجان لإعادة فتح لاتشين وانعدام الثقة مع أرمينيا، ما هي العواقب التي ستترتب على موقع الروس في المنطقة؟ ألن يؤدي ضعف روسيا في لعب دور في القوقاز إلى زيادة النفوذ الغربي؟ وما هي أهداف الغرب في هذه المنطقة؟
السيد برهان حشمتي: للأسف، ليس لدى روسيا نهج بناء تجاه قضية ناغورنو كاراباخ، وقد أثبتوا في الماضي أنه كلما اقتضت مصالح موسكو ذلك، تجاهلوا الأرمن لمصلحة الأذريين، وفي بعض الحالات جعلوا الأرمن ضحيةً لإرادة أذربيجان، وهذه الهيمنة من قبل الروس كانت موجودةً دائمًا، لكن منذ بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا، كان أداء هذا البلد ضعيفًا في قضايا القوقاز، وقد أتاح ذلك فرصةً جيدةً للغرب لزيادة نفوذه في القوقاز.
يفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة شروطهما على حكومتي باكو ويريفان ويستغلان ضعف روسيا، وعُقد الاجتماع الأخير للاتحاد الأوروبي مع علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في بروكسل بناءً على ذلك، حتى تنشر أوروبا مراقبيها على الحدود الأرمينية، ووافق علييف على هذا الطلب.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام وسلطات باكو تدعي أنها وافقت على حضور خبراء أوروبيين لمدة شهرين، إلا أنها تؤكد في الواقع الوجود طويل الأمد للغربيين، ولذلك، يتحرك علييف وباشينيان بما يتماشى مع سياسات الغرب، وتمهد هذه الاتفاقيات أيضًا الطريق لمزيد من النفوذ الغربي في القوقاز، والذي لا يحل المشكلة فحسب، بل يعقّد الوضع أيضًا.
المنافسة بين روسيا والغرب تجعلهم يستغلون القوقاز مثل أوكرانيا. حاليًا لا يوجد أي احتمال بأن تتمكن أوكرانيا من الفوز وتحرير أراضيها، لكن الغربيين يواصلون الحرب لضرب روسيا، ويريدون تكرار نفس السيناريو في كاراباخ واستخدام أذربيجان وأرمينيا ضد مصالح روسيا وإيران.
الوقت: كيف تقيّمون احتمالات السلام في كاراباخ؟
السيد برهان حشمتي: بالنظر إلی المنافسات الموجودة في القوقاز، لطالما استمرت غطرسة أذربيجان وتلقي الأوامر من مراكز الفكر التركية والصهيونية، والمواقف التي اتخذتها الحكومة الأرمينية التي تفضل مصالح الغرب على حقوق الأرمن الذين يعيشون في ناغورنو كاراباخ، فلا أعتقد أن السياسيين في باكو ويريفان سيجدون حلاً عادلاً لإنهاء التوترات.
والدول القوية التي تمارس نفوذاً في هذا الملف، لا تتطلع إلى تقديم اقتراح سلام من شأنه أن يخفف التوترات، لذلك لا يوجد تقدم واضح لإنهاء الصراعات.