الوقت- بالأمس، اتهمت سوريا أمريكا بتواطئها مع "داعش" في الهجوم على الجنود السوريين، فيما انتقدت وزارة الخارجية السورية بشدة الدعم الأمريكي للجماعات الإرهابية، أكدت أن هذا البلد يسعى إلى تنفيذ مؤامراته في سوريا من خلال دعم هذه الجماعات، كما أشارت وزارة الخارجية السورية، إلى أن جنوداً أمريكيين ومجموعات إرهابية تابعة لأمريكا، مسؤولون عن الهجوم على الحافلة التي تقل جنوداً سوريين، حيث هاجمت عناصر إرهابية من تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، قبل يومين، حافلة تابعة للجيش السوري في محافظة دير الزور الشرقية، ووقع هذا الهجوم في المنطقة الصحراوية الواقعة شمال شرق حمص والصحراء الجنوبية الشرقية لدير الزور، وتقع هذه المنطقة بالقرب من القاعدة غير الشرعية للجنود الأمريكيين في التنف، وفي أعقاب هذا الهجوم الدموي، استشهد وجُرح عدد من الجنود السوريين، وادعى ما يسمى "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، مقتل 23 جنديًا سوريًا وإصابة أكثر من 10 آخرين في هذا الهجوم.
اعتداءات أمريكا مستمرة
إنّ هذا الهجوم الإجرامي والإرهابي يتماشى مع اعتداءات أمريكا على سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها ودعمها للجماعات الإرهابي ، وخاصة تنظيم "داعش" والجماعات الانفصالية، هذا ما أفادت به وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، نقلاً عن وزارة الخارجية السورية، وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة لديها الآن 28 قاعدة احتلال ضمن الأراضي السوريّة، بما في ذلك 24 قاعدة عسكرية و 4 قواعد لوجستية، في سوريا، حيث يوجد ما يقرب من 2000 عسكري، و المحتلون الأمريكيون يبررون استمرار وجودهم في سوريا بذريعة محاربة "داعش" ودعم قوات سوريا الديمقراطية، في حين أن "داعش" والإرهاب بشكل عام هما الورقة الرئيسية للولايات المتحدة للحفاظ على وجودها في المنطقة وخاصة في سوريا.
وقد بيّنت وزارة الخارجية السورية أن أمريكا تسعى لتنفيذ مؤامراتها في سوريا من خلال دعم هذه الجماعات الإرهابية، حيث هاجمت أمريكا مواقع للجيش السوري في دير الزور حتى يتمكن إرهابيو "داعش" من السيطرة على منطقة "جبل الثردة" ( مجموعة من التلال والجبال في الغرب والجنوب الغربي من قاعدة دير الزور الجوية )، ومنذ عام 2014، عندما احتل الأمريكيون سوريا في شكل تحالف دولي يُعرف بمحاربة "داعش"، فإن الشيء الوحيد الذي لم يفعلوه هو محاربة "داعش"، ولقد دعموا كل العناصر الإرهابية في هذا البلد وما زالوا يدعمونها، وهو سيناريو يشير إلى خطط واشنطن الجديدة للمنطقة وربما يظهر تأثيرها في تعزيز قوة خلايا الإرهاب النائمة، فهي التي أسست ونظمت وسلحت تنظيم "داعش" الإرهابيّ وقامت بزرعه في المنطقة، وسهلت ويسرت لجميع الإرهابيين والمجرمين والمنحرفين فكريّاً وأخلاقيّاً الانضمام لهذا التنظيم، وساعدتهم بقوة في التغلغل داخل الأراضي العراقيّة والسوريّة، بهدف إثارة الفوضى وتفتيت الجيوش النظاميّة واستنزافها، وبعد فشل التنظيم الإرهابيّ رغم عملياته الإجراميّة الكثيرة وتمدده لسنوات على الأرض وسيطرته على العديد من المدن، تقوم واشنطن بتنفيذ السيناريو الذي وضعته أجهزة المخابرات لتحقق مؤامراتها في تدمير الدول التي تعتبر معادية لها وللكيان الصهيونيّ المجرم فتنهب خيراتها وتحاصر شعبها وتحاول القضاء على دورها.
ويعتبر ملف نهب ثروات سوريا من القمح والنفط أبرز نشاط للغزاة الأمريكيين في سوريا خلال السنوات الماضية، حيث يتم تهريب 80٪ من نفط هذا البلد من قبل القوات الأمريكية، ما يعني أنه من بين كل 80 ألف برميل من النفط المنتج في سوريا كل يوم، يتم تهريب 66 ألف برميل من قبل الأمريكيين، أي إن الولايات المتحدة تسرق قمح ونفط الشعب السوريّ وتدعم مشاريع التقسيم والإرهاب والتجويع، رغم الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة الصعبة التي يعيشها الشعب السوري، في وقت تفرض فيه واشنطن أشدّ العقوبات والحصار على هذا البلد والذي يذيقهم الويلات، فيما ينجو من ذلك المناطق التي يديرها عملاء البيت الأبيض أي المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة السوريّة وبالأخص مناطق ما تُسمى "الإدارة الذاتية"، حيث تؤكّد سوريا بشكل مستمر أنّ ثرواتها تُسرق أمام الجميع وتتجه نحو الأراضي العراقيّة برفقة مدرعات عسكريّة تابعة لجيش الاحتلال الأمريكيّ.
ووفقاً لمجريات الأحداث، تهدف التحركات العسكرية الأمريكية المشبوهة في البادية السورية، إلى تقوية فلول "داعش" الإرهابيّ والجماعات المتطرفة، وذلك يدل على نقاط مهمة، فهذه المنطقة الشاسعة التي تحتلها واشنطن غير مأهولة تقريبًا وأصبحت ملاذًا آمنًا للإرهابيين في السنوات الأخيرة، ويقال إن إرهابيي تنظيم "الدولة الإسلامية" استخدموا هذه المنطقة لشن هجمات مؤقتة على المدن والقرى المحيطة بهذه الصحراء، وكانت هذه المنطقة نفسها المصدر الرئيسي لنشاط تنظيم "داعش" للسيطرة على أجزاء كثيرة منها مدينة تدمر التاريخية، ما يعني أن اختيار هذه المنطقة لم يكن عشوائيّاً أبداً، ولكنه هادف للغاية.
ومؤخرا، كشفت الولايات المتحدة، التي تحاول تعويض إخفاقاتها في الحرب العالمية للإرهاب ضد سوريا، عن مشروعها الإرهابي الجديد لهذا البلد، ويتعلق هذا المشروع بالسيطرة على المناطق الحدودية بين سوريا والعراق باستخدام مجموعات إرهابية مثل "داعش" وتحرير الشام والجيش السوري الحر وجماعة الصناديد وغيرها، وذلك بالتزامن مع تمكن العراق وسوريا من مواجهة الجماعات الإرهابية وتحقيق نجاح نسبي في السنوات الأخيرة، وباعتبار أن الاستقرار في هذه الدول سيهدد استمرار الوجود غير الشرعيّ للجنود الأمريكيين، يبدو أن أمريكا تبحث عن طريقة لزرع الانفلات الأمنيّ لصالح التنظيمات الإرهابيّة تلك، ومن لها أفضل من التنظيم الذي صنعته "داعش"، وتؤكد واشنطن أنّ قوات الاحتلال الأمريكيّ لن تخرج من شمال شرق سوريا، وستواصل العمل مع ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” الانفصاليّة، حيث ما تزال فلول "داعش" في العراق وسوريا على تواصل مع الأمريكيين، فيما يمكن أن تواجه سوريا أزمة جديدة بالاستناد إلى حقيقة أن المئات من عناصر "داعش" الخطرين ربما يتمكنون بسهولة أكبر بمساعدة الأمريكيين من تنفيذ هجمات إرهابية ضمن الأراضي السورية، كما حدث مؤخراً، وخاصة أن الأمريكيين لهم نفوذ كبير على التنظيمات الإرهابية.
مشروع الولايات المتحدة الجديد
تثير زيادة تحركات "داعش" في سوريا في الوقت نفسه الذي تحاول فيه واشنطن تنفيذ مشروعها الإرهابي الجديد في هذا البلد تساؤلات حول نية الولايات المتحدة استخدام البطاقة المكررة لـ"داعش"، ورغم أنه بعد تولي الحكومة الديمقراطية برئاسة "جو بايدن" السلطة في البيت الأبيض، ادعت الولايات المتحدة الانسحاب العسكري من دول المنطقة، بما في ذلك سوريا، إلا أن مرور الوقت أثبت أن الأمريكيين ليسوا جاهزين تحت أي ظرف من الظروف ليخسروا دولة استراتيجية مثل سوريا التي أنفقوا الكثير من المال لقلب نظامها بأدوات الإرهاب.
وتشير التقارير إلى أن الأمريكيين يبررون استمرار احتلالهم في سوريا بذريعة محاربة "داعش" ودعم قوات سوريا الديمقراطي، في حين أن "داعش" والإرهاب بشكل عام هما الورقة الرئيسية للولايات المتحدة للحفاظ على وجودها في المنطقة وخاصة في سوريا، وبناءً على ذلك، توقع البعض أن الولايات المتحدة قد تتخلى مؤقتًا على الأقل عن بطاقة "داعش" في سوريا وتخطط لتعزيز أهدافها باستخدام مجموعات إرهابية أخر، ومع ذلك، فإن زيادة تحركات "داعش" في مناطق مختلفة من سوريا في الوقت نفسه الذي تحاول فيه الولايات المتحدة تنفيذ مشروعها الجديد الذي يثير الشكوك حول تكرار السيناريو الأمريكي بالتعاون مع "داعش".
وفي الوقت نفسه، أفادت مصادر إخبارية مؤخرا عن وقوع تفجيرات إرهابية دموية في ريف دمشق، ولا يمكن النظر إلى هذه العملية المميتة إلا في إطار العمليات الفردية لخلايا "داعش" النائمة؛ بل هو تحذير من بداية حملة جديدة من الحركات الإرهابية في سوريا، حيث تمت هذه العملية الإرهابية بتفجير سيارة مفخخة وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته، ويمكن تصنيف هذا الهجوم في إطار عملية أيديولوجية، لكن بنظرة أعمق لا يمكن اعتبار مثل هذه الحركات منفصلة عن خطط أمريكا التي لا تضيع أي فرصة لترسيخ احتلالها في سوريا.
وفي هذا السياق أفادت مصادر ميدانية سورية بأنه منذ مطلع الشهر الجاري تشهد منطقة البادية السورية في المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، أي المنطقة نفسها التي تنوي الولايات المتحدة السيطرة عليها بشكل أوسع، زيادة كبيرة في الهجمات الإرهابية -سواء عن طريق زرع الألغام في الطرق- وما تم من خطف الرعاة وقطعانهم، وقبل أيام خطفت عناصر مسلحة راعيًا مع قطعانه في هذه المنطقة، وبعد أيام عُثر على جثة الراعي، لهذا بدأت قوات الجيش السوري وقوات الأمن في هذا البلد عملية تنظيف منطقة البادية من شر "داعش" التكفيري، إلى جانب البادية السورية، وكثف إرهابيو "داعش" أنشطتهم في مختلف مناطق درعا التي شهدت سلامًا مؤخرًا بعد عملية التسوية الوطنية السورية.
عامل آخر يعزز الفرضيات حول دور أمريكا في زيادة تحركات "داعش" في سوريا هو أن هذه العمليات الإرهابية تحدث بالتزامن مع تصاعد التوترات بين موسكو وواشنطن في سوريا، ومن ناحية أخرى، يشعر الأمريكيون بقلق بالغ من ضعف نفوذهم في سوريا وتهديد مصالح واشنطن الاحتلالية في المناطق الغنية بالنفط في هذا البلد، وخاصة منطقة التنف، وتعتقد روسيا أن الولايات المتحدة تستخدم منطقة التنف في المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن كقاعدة لوجستية للإرهابيين ثم ترسلهم إلى البادية السورية، كما وردت معلومات عن تعامل القوات الأمريكية مع تنظيم "داعش" التكفيري، وأفادت مصادر ميدانية سورية في هذا السياق بأن الأدلة تشير إلى إمكانية إعادة تنشيط تحركات "داعش" في سوريا، واستخدام بطاقة "داعش" في السنوات الأخيرة هو سيناريو متكرر في سوريا تستثمر فيه واشنطن، كما قد تستثمر قوات سوريا الديمقراطية أيضًا في تفعيل تحركات "داعش" في شمال سوريا لمواجهة الهجمات التركية على مواقع هذه القوات، وعلينا انتظار التطورات المستقبلية التي ربما تكون أعقد من ذلك نتيجة الوجود الأمريكي.