الوقت - رفض "البنتاغون" أنباء إرسال مشاة البحرية الأمريكية إلى مياه الخليج الفارسي، وقد أثارت الأنباء التي نشرها عدد من وسائل الإعلام الغربية في الأيام الماضية، كل أنواع التحليلات التي تنبأت بزيادة التوتر غير المباشر بين طهران وواشنطن.
وكانت "وول ستريت جورنال" و"أسوشييتد برس" هما اللتان نقلتا الأسبوع الماضي عن بعض المسؤولين الأمريكيين غير المعروفين، زعموا أن هذا البلد يدرس إجراءً لنشر قوات مسلحة على متن سفن تجارية، من أجل التعامل مع ما سمي "مضايقات واحتجاز من قبل إيران لسفن مدنية".
لكن "باتريك رايدر" المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية رفض هذه المزاعم في مؤتمر صحفي، وقال إنه ليس لديه أقوال أو تصريحات حول هذا الموضوع؛ وأظهر رفض هذا الادعاء أن وسائل الإعلام الأمريكية ما زالت لا تصدق حقيقة ما يحدث في غرب آسيا، وتحاول الاستمرار في تقديم صورة هوليودية عن أمريكا في المنطقة.
ما زال اللعب مستمرًا مع فرصة "الحرب النفسية"
على الرغم من رفض مسؤولي البنتاغون نبأ إرسال مشاة البحرية العسكرية من الولايات المتحدة إلى الخليج الفارسي، إلا أن الأمر لا يخلو من اتباع السياسة التي اتخذها الغرب بقيادة واشنطن ذريعةً للتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وفي اتجاه التقليل من أهمية هذه الأحداث وتحييدها، والآن في مواجهة الواقع، تحاول استخدام وسائل الحرب النفسية لهذا الغرض.
الأمريكيون الذين كانوا يقللون من مشاركتهم العسكرية في المنطقة، قبل عودة العلاقات بين طهران والرياض وبتأثير من استراتيجية الخروج القسري من الشرق الأوسط، الآن مع ترميم عملية استعادة العلاقات الإيرانية العربية، رأوا المجال أضيق، وبينما زعموا إرسال المزيد من المعدات العسكرية المتقدمة والقوات العسكرية، فإن هذا الادعاء لا يصور سوى نوع من الجهد السلبي.
إضافة إلى هذا الموضوع، لا يمكننا تجاهل قدرات إيران البحرية التي ظهرت في العديد من المجالات، مثل التدريبات المشتركة في المياه البعيدة، وخلق مظلة أمنية واسعة في المنطقة، واحتمال تشكيل تحالف بحري إقليمي بوجود إيران والسعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق وباكستان والهند.
وهذه سلسلة من التطورات التي يمكن أن تزيد من الثقة بالنفس لدى الدول العربية في المنطقة في مواجهة الفاعلين من خارج المنطقة، وتوفر الأرضية لتشكيل أسس التعاون البيني الإقليمي دون تدخل أمريكا وشركائها الغربيين، وهو حدث يمكن أن يكشف عن تغيير جدي وعميق في الجغرافيا السياسية للمنطقة، حيث يصل تأثير التدخل الغربي في ظله إلى أدنى مستوى من التدخل من منظور تاريخي.
ردود حازمة على التحركات السلبية
كان ظهور أدنى علامة على تطورات بناءة بين إيران والدول العربية البعيدة والقريبة في الشرق الأوسط، كافياً للأمريكيين الذين لا يريدون بالطبع الإنفاق مرةً أخرى بإرسال قوات عسكرية إلى المنطقة، للبحث عن حظهم في ساحة المعركة النفسية وافتعال الأجواء من خلال وسائل الإعلام.
قبل شهر، زعم الأمريكيون، في محاولة استعراضية، أن لديهم مواجهة مشتركة مع زوارق عسكرية إيرانية في مضيق هرمز للدفاع عن سفينة تجارية.
وفي معرض شرحه لما حدث على أرض الواقع، أعلن قائد المنطقة البحرية الأولى التابعة للحرس الثوري الإيراني، التجاوب الإيجابي لقيادة المنطقة البحرية الأولى على طلب المساعدة من سفينة تجارية أجنبية في منطقة مضيق هرمز وإزالة مخاوفها، وقال إن سفينةً تجاريةً تحمل علم جزر مارشال، طلبت المساعدة أثناء دخولها مضيق هرمز على القناة البحرية الدولية 16، ومرکز القيادة والسيطرة على مضيق هرمز اتصل على الفور بهذه السفينة، وبعد فحص الطلب والوضع في المنطقة، تمت إزالة القلق وعدم اليقين بشأن وجود سفن خفيفة مدنية بالقرب من هذه السفينة.
وتأتي مزاعم واشنطن بأنها جاءت لمساعدة هذه السفينة التجارية، بينما وفقًا لقائد المنطقة البحرية الأولى للحرس الثوري الإيراني، لم تكن هناك سفينة عبر إقليمية، والإعلان عن هذا الادعاء كذب بحت.
جاء هذا الادعاء من قبل واشنطن تماشياً مع نفس النهج الذي يسعى إلى خلق أزمة، من خلال العمليات النفسية عبر تأجيج المخاوف الأمنية لدول المنطقة.
بدأ هذا النهج بجدية أكبر من قبل واشنطن، عندما تم الإعلان قبل ذلك عن نبأ تشكيل التحالف البحري لشمال المحيط الهندي، بحضور إيران والسعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق وباكستان والهند، وقد تسبب في مزيد من القلق للولايات المتحدة.
حيث ردّ "تيم هوكينز" المتحدث باسم الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية (المتمركز في البحرين)، على التحالف البحري الإيراني مع دول المنطقة من خلال رفع دعاوى ضد إيران، وادعى أن "هذا الادعاء لا يتطابق مع تصرفات إيران".
تدعي الدولة الأولى المزعزعة للاستقرار في المنطقة أنها تريد تشكيل تحالف أمني بحري لحماية المياه التي تهددها هي، ادعاءاتٌ يمكن بالطبع أن تفسِّر دور القوات الأمريكية نفسها وليس إيران.
انتقام فاشل
هذه التصريحات المزعومة ونشر أخبار مثل إرسال المزيد من مشاة البحرية إلى مياه الخليج الفارسي لحماية السفن التي تمر عبر مضيق هرمز، ليست سوى انتقام من الوجود الاستراتيجي الإيراني في البحار البعيدة وزيادة اقتدارها في مياه الخليج الفارسي، وهو مشروع من الواضح أن أمريكا وحليفها الإقليمي، أي الکيان الصهيوني، يروجان له من خلال الحرب النفسية، ويحاولان التأثير على تعزيز العلاقات بين إيران والفاعلين العرب.
کما يرتبط سلوك واشنطن هذا أيضًا بلفت انتباه الدول العربية إلى الهيمنة الأمنية الأمريکية، التي يبدو أنها اختفت في ظل تنامي اقتدار إيران البحري.
إن نشر أخبار مثل إرسال عناصر البحرية الأمريكية إلى المنطقة من قبل وسائل الإعلام الأمريكية، يظهر أن هدف هذا البلد هو إرسال رسالة سياسية إلى الدول العربية، وهي رسالة لم تؤخذ على محمل الجد من قبل، حتى مع زيارة مبعوثين رسميين للحكومة الأمريكية إلى المنطقة.
تتحدث وسائل الإعلام الأمريكية عن أجواء متوترة ستدخلها أمريكا، لكن من خلال رفض نبأ إرسال القوات من قبل البنتاغون، يصبح من الواضح أن مثل هذه الأخبار ربما تكون جهدًا إعلاميًا ورد فعل واشنطن السلبي على التعاون المحتمل للعرب مع إيران في الخليج الفارسي.
لذلك، وكما هو متوقع، فإن التطورات المؤدية إلى تقليص مكونات النفوذ الأمريكي في المنطقة، ليست بعيدةً عن ردود الفعل الضارة لهذا البلد والکيان الصهيوني وحلفائه، ويلجأ غير الراضين عن هذه التطورات إلى الادعاء بوجود صراع إقليمي مع إيران.