الوقت- انطلقت منذ ساعات الصباح الباكر، يوم أمس الثلاثاء، احتجاجات إسرائيلية صاخبة رفضاً لخطة تقويض القضاء التي تقودها الحكومة، وغداة مصادقة الكنيست، ليلة الاثنين الماضية، على إحداها بالقراءة الأولى. وتشهد التظاهرات مواجهات عنيفة مع محاولة الشرطة الإسرائيلية تفريق المحتجين وتنفيذ اعتقالات. وصدّق الكنيست، بعد منتصف ليل الاثنين الثلاثاء، على مشروع قانون إلغاء حجة "المعقولية"، بأغلبية 64 نائباً هم أعضاء الائتلاف الحكومي مقابل 56 عارضوه. ويسلب القانون الذي يجب أن يمرّ بقراءتين أخريين لاحقاً لاعتماده، جهاز القضاء إمكانية الاعتراض على قرارات يتخذها مسؤولون حكوميون ومنتخبو جمهور، بسبب عدم معقوليتها برأي القضاة.
وبعدما شهد الكنيست مناقشات ساخنة، الليلة الماضية، وأجواء صاخبة قبل تمرير القانون بالقراءة الأولى وبعده، انطلق صباح اليوم ما يُسمى "يوم التشويشات الوطني"، والذي تتخلله تظاهرات واحتجاجات واسعة في عدة مناطق. وهاجم منظمو الاحتجاجات تصديق الكنيست الليلة الماضية، بالقراءة الأولى من بين ثلاث قراءات، على مشروع قانون "حجة المعقولية"، ما يفتح الباب على تشريع قوانين أخرى ضمن سلسلة القوانين التي تسعى الحكومة لتمريرها، ويعتبرها المحتجون غير ديمقراطية، بخلاف موقف الائتلاف الحكومي. وكتب منظمو الاحتجاجات على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي: "هذا وقت العمل، نافذة الفرص للجم الدكتاتورية محدودة. دولة إسرائيل تواجه وقتاً عصيباً. القانون المتطرف لإلغاء حجة المعقولية، هو المفتاح الذي يمكن أن يفتح باب الدكتاتورية. سيسمح بإقالة المستشارة القضائية للحكومة، تعيينات غير معقولة، ولاحقاً تدمير الديمقراطية بشكل كامل".
مواجهات واعتقالات
ونفذت الشرطة الإسرائيلية اعتقالات في مدينة حيفا وُصفت من قبل المتظاهرين بأنها عنيفة. واستخدمت الشرطة فرق الخيالة ومركبات رش المياه العادمة ووسائل أخرى لتفريق المتظاهرين. ويذكر أن جميع مداخل حيفا ومخارجها أغلقت صباح اليوم بسبب التظاهرات. كما أغلق المتظاهرون مقطعاً من شارع 1 المؤدي الى مدينة القدس المحتلة وشوارع أخرى في المنطقة، ومقطعاً من شارع "إيالون"، وهو أحد أهم الشوارع في تل أبيب. ووقعت مواجهات في بعض المناطق واستخدمت الشرطة القوة لإخلاء المتظاهرين.
ومن ضمن الشوارع التي تم إغلاقها أيضاً شارع الساحل في مقطع قرب مدنية هرتسليا، والذي يُعتبر من الطرق المركزية الرابطة بين حيفا في الشمال ومنطقة المركز، حيث نصب محتجون الخيام فيه وأحرقوا الإطارات. وليس بعيداً عن المكان، رُفعت لافتة على شارع 65 كُتب عليها "لا دخول للدكتاتورية". وفي حيفا، انطلقت مسيرة احتجاجية أمام مبنى المحكمة المركزية. ويستعدّ المعارضون لخطة لتقويض القضاء لتنفيذ تهديداتهم "بشل الدولة"، عقب تصويت الليلة الماضية، وتركيز احتجاجاتهم في نقاط ومحاور طرق مركزية. ومن المنتظر أن يستمر "يوم التشويشات" من ساعات الصباح وحتى ساعات الليل، على أن تتسع دائرة الاحتجاجات تدريجياً خلال اليوم.
مؤسسات ومنظمات تنضم للاحتجاجات
في غضون ذلك، أعلنت العديد من المؤسسات والجهات، من ضمنها اقتصادية وأكاديمية، انضمامها ليوم "التشويش"، مثل شركات التكنولوجيا الفائقة (هايتك)، وجامعات، ومكاتب محامين، وأطباء، وغيرهم. وأعلن منظمو الاحتجاجات في قطاع "الهايتك" أن عشرات الشركات أبلغت موظفيها بإمكانية المشاركة في التظاهرات، على أن يتم احتساب ذلك ضمن أيام العمل وليس الإجازة.
الشرطة لن تتساهل
من جهتها، أعلنت الشرطة الإسرائيلية، منذ يوم الاثنين الماضي، أنها لن تتساهل مع إغلاق الشوارع، ولن تعمل على احتواء المتظاهرين. وتمكّن المتظاهرون، الأسبوع الماضي، من إغلاق أحد الشوارع المركزية في المطار لعدة ساعات، فيما اعتقلت الشرطة العشرات منهم عقب مواجهات معها. ومن ضمن الاحتجاجات المُخطط لها أيضاً تنظيم تظاهرات أمام بيت الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، مساء اليوم، وأمام السفارة الأميركية في تل أبيب، وتظاهرة أخرى في شارع "كابلان"، أحد محاور الطرق المركزية في تل أبيب
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية أن اعداداً كبيرة من الصهاينة خرجوا في تظاهرات يوم الأربعاء الماضي في تل أبيب ومناطق متفرقة أخرى احتجاجا على خطة الحكومة إجراء تعديلات بالجهاز القضائي، في حين أعلن قائد شرطة تل أبيب الاستقالة من منصبه اعتراضا على طلب الحكومة استخدام العنف ضد المتظاهرين. فقد نظم مئات المحتجين مسيرات في تل أبيب وهم يحملون الأعلام الإسرائيلية ويهتفون "ديمقراطية" وأغلق بعضهم طريقا سريعا رئيسيا وأشعلوا النيران، وقد جرت مواجهات بينهم وبين خيالة الشرطة.
واستنادا لمنظمي الاحتجاجات، فإن قرار الحكومة إجراء التعديلات في النظام القضائي سيحرم الإسرائيليين من حرية الرأي والتعبير، ويحد من الحياة الديمقراطية. في حين تقول الحكومة إنها تهدف إلى "إصلاح جهاز القضاء". من جهة أخرى، قال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد إنه سيستقيل من منصبه بسبب التدخل السياسي لأعضاء بحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة الذين قال إنهم يريدون استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين المناهضين للحكومة.
وفي بيان تلفزيوني، قال إيشد إنه لا يستطيع أن يفعل ما تنتظره منه ما أسماها "الفئة الوزارية" التي قال إنها خالفت جميع القواعد وتدخلت بشكل صارخ في عملية صنع القرار المهني. وأضاف "كان بإمكاني تلبية هذه التوقعات بسهولة باستخدام القوة غير المعقولة التي كانت ستملأ غرفة الطوارئ في إيخيلوف (مستشفى تل أبيب) نهاية كل احتجاج" مؤكدا "لأول مرة خلال 3 عقود في الخدمة واجهت واقعا عبثيا لم يكن مطلوبا مني فيه حفظ الهدوء والنظام بل العكس تماما"
كما ذكرت صحيفة هآرتس أن قائد شرطة منطقة تل أبيب أعلن استقالته لأسباب سياسية، ونقلت عنه قوله إنه يدفع ثمنا شخصيا باهظا بشكل لا يحتمل لاختياره تجنب حرب أهلية. ولم يذكر إيشد وزير الأمن إيتمار بن غفير الذي طالب باتخاذ إجراءات صارمة ضد المحتجين الذين أغلقوا الطرق في احتجاجات غير مسبوقة على المساعي الحكومية المثيرة للجدل لتعديل النظام القضائي.
وقال وزير الأمن في تصريحات تلفزيونية إن قائد شرطة تل أبيب تجاوز خطا خطيرا. وكان بن غفير، وهو يميني متطرف سبق وأن أدين بدعم الإرهاب والتحريض العنصري، قد سعى لمزيد من السلطة على قوة الشرطة عندما اختير ليكون الوزير المشرف عليها، مما أثار مخاوف بشأن استقلال الشرطة.
وفي 27 مارس/آذار الماضي، أعلن نتنياهو تعليق مشاريع قوانين "إصلاح القضاء" لإتاحة المجال أمام التوصل إلى تفاهمات بشأنها مع المعارضة، ومنذ ذلك الوقت تجرى مباحثات بين المعارضة والائتلاف الحكومي برعاية الرئيس إسحاق هرتسوغ دون أن تفضي إلى أي نتيجة تذكر. وتقول المعارضة إن هذه المشاريع تهدف إلى إضعاف القضاء وخاصة المحكمة العليا، وتحوّل إسرائيل إلى دكتاتورية. وظلت منذ 26 أسبوعا، تنظم احتجاجات أسبوعية غير مسبوقة في عموم إسرائيل للمطالبة بوقف هذه المشاريع.
نتنياهو يلمح إلى نفاد صبره بعد تجدد الاحتجاجات في تل أبيب
ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليوم الأحد، إلى أن صبره ينفد بسبب الاضطرابات التي نجمت عن احتجاجات جديدة ضد خطط التعديلات القضائية. وقالت صحيفة "النهار" اللبنانية، إن نتنياهو طلب من المدعي العام حضور اجتماع الحكومة لمناقشة إجراءات الشرطة في مواجهة المظاهرات. ومن المقرر أن يجري الكنيست، غدًا الاثنين، أول تصويت على مشروع قانون طرحه الائتلاف الديني القومي، بزعامة نتنياهو، الذي يهدف إلى تقليص سلطات المحكمة العليا ويرى منتقدون أن هذا الإجراء سيفتح الباب أمام إساءة استغلال السلطة، في حين تعتبر المعارضة هذا المشروع خطوة لتقويض استقلالية القضاء، ما يجعل المحكمة العليا في نهاية المطاف خاضعة لرغبات السياسيين.
يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يواجه اتهامات بالفساد ينفيها، أن التعديلات القضائية تهدف إلى استعادة التوازن بين فروع السلطة وكبح تجاوزات المحكمة العليا لصلاحياتها. ويأتي التصويت على هذا المشروع بعد توقف المفاوضات بين الحكومة والمعارضة التي كانت تسعى لتسوية المسألة الشهر الماضي. يذكر أن الاحتجاجات في إسرائيل تجددت بعدما كانت قد خفت حدتها في وقت سابق، وينوي المحتجون التوجه إلى المطار الرئيسي في إسرائيل، غدًا الاثنين، كما هددت إحدى أكبر سلاسل المراكز التجارية في إسرائيل بإغلاق أبوابها ليوم واحد إذا صوت الكنيست لصالح مشروع القانون.
وعمّت الاحتجاجات معظم المدن الإسرائيلية، مساء السبت الماضي، رفضا لخطة إصلاح القضاء، التي تصر حكومة بنيامين نتنياهو على المضي قدما في تنفيذها، وسط تنديد المعارضة. وتظاهر الآلاف في ميدان كابلان في تل أبيب، بعد مسيرة جابت أنحاء المدينة، وأعلنت منظمة "إخوان السلاح" (مكونة من جنود وضباط احتياط) الاحتجاجية أن ناشطيها يعتزمون التظاهر الليلة قرب منزل وزير الدفاع، يوآف غالانت، في موشاف عميكام شمالي إسرائيل، وفق صحيفة "هآرتس".