الوقت-يعمل الاحتلال في الوقت الحالي على تقوية السلطة في غزة والضفة وإضعاف حركة حماس، ومحاصرتها والتضييق عليها، من خلال محاولة منح السلطة صلاحيات كبيرة، وكذلك التحكم في دخول الأموال وغيرها، وهو يأتي أيضاً في ظلّ الرغبة الأمريكية في إحياء دور السلطة من جديد، لإعادة المفاوضات مع الاحتلال، بعد حالة الجمود التي شهدتها خلال فترة الرئيس السابق ترامب، وخاصة أن حركة حماس تمرّ الآن في مرحلة صعبة ويتم العمل على إضعافها وتحجيم دورها، وهو أمر قد يدفع إلى توجّه إقليمي ودولي للضغط على حلفاء الحركة الإقليميين، كتركيا وقطر، لإبعادهم عن دعمها، بهدف تقييد نفوذها، والضغط عليها لتقديم تنازلات في العديد من القضايا، بشروط أقلّ من التي تطرحها المقاومة في غزة، فمنذ انتهاء العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة لم تتوقف مساعي السلطة الفلسطينية في كل الاتجاهات من إعاقة أي عملية إدخال أموال إلى قطاع غزة وهي تتلقى الأوامر بهذا الشأن من ولي الأمر الأمريكي والصهيوني وتمنع وصول هذه الأموال إلى الفئة الأشد فقراً في القطاع، بالتزامن مع تشديد "إسرائيل" حصارها على قطاع غزة عقب انتهاء العدوان الأخير، لم تصرف السلطة الفلسطينية أي مخصصات للشؤون الاجتماعية، أو لذوي الأسرى والشهداء والجرحى، ما فاقم من معاناة الناس عامة، والفئات الأكثر احتياجاً خاصة.
محاولات إسرائيلية لإنقاذ سلطة عباس
تحاول إسرائيل بكل الطرق المتوافرة بين يديها تقديم طوق النجاة للسلطة الفلسطينية لإنقاذها من الغرق في اللحظات الأخيرة، في ظل المعلومات وتقارير تتحدث عن اقتراب موعد الانهيار وخاصة مع تفاقم أزماتها المالية وحتى السياسية والاجتماعية.
السلطة الفلسطينية والتي كانت خلال الأيام الأخيرة محل انتقاد وهجوم فلسطيني كبيرين، بسبب دورها وموقفها “السلبي” من اقتحام الجيش الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية المحتلة وآخرها ما جرى من مجزرة في مخيم جنين اسفرت عن ارتقاء أكثر من12 شهيدًا ودمارًا كبيرًا، تُكافح من أجل البقاء لكن الأوراق التي تملكها لا يمكن التعويل عليها كثيرًا.
حكومة الاحتلال التي يترأسها بنيامين نتنياهو تعهدت وبكل صراحة وأمام الجميع بالحفاظ على السلطة الفلسطينية وإنقاذها ومنع انهيارها، وقال نتنياهو في آخر تصريح لها إنه “لن يسمح مُطلقًا” بسقوط السلطة لتبدأ بذلك “تل أبيب” استخدام سياستها “الخبيثة” في هذا الملف الشائك.
وآخر تطورات هذا الملف دعا نتنياهو أقطاب حكومته إلى اجتماع طارئ للمجلس الوزاري المصغر (الكابينت) يوم الأحد المقبل لمناقشة تقدم تسهيلات مالية للسلطة الفلسطينية وإنعاشها “قبل فوات الأوان”، وقالت قناة “كان11” العبرية إن اجتماع الكابينت سيناقش خططا لدعم السلطة ومنحها تسهيلات من بينها مالية سعيًا لإنعاشها قبل فوات الأوان، في ظل تقارير تتحدث عن قرب إفلاسها.
وضع السلطة الفلسطينية في تدهور مستمر
ونقلت القناة عن مصدر سياسي إسرائيلي – لم تسمه- قوله إن وضع السلطة الفلسطينية في تدهور مستمر، معتبرا أن انهيارها لا يصب في مصلحة إسرائيل، مؤكدًا أن أعضاء الكابينت يعتزمون التصويت على دعم السلطة بعدة طرق.
بدورها هاجمت وزيرة الاستيطان “أوريت ستروك” الدعوة لاجتماع يتعلق بدعم السلطة، وقالت الوزيرة إنها “على ثقة بأن أعضاء الكابينت سيلقون مقترحاتٍ كهذه في سلة المهملات”.
ويأتي الاجتماع في ظل تصاعد وتيرة العملية الفدائية بالضفة الغربية والقدس مؤخرٍا وأسفرت منذ مطلع العام الجاري عن مقتل نحو 30 إسرائيليٍا.لم يمض أيام على تحذير مسؤول أمني إسرائيلي من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، حتى سرب مسؤولون إسرائيليون تقارير نفاها الفلسطينيون بشدة عن دراسة الحكومة الفلسطينية إعلان إفلاسها بسبب أزمتها المالية، وتأتي هذه التصريحات في ظل صراع بين وزراء الحكومة الإسرائيلية حول جدوى وجود السلطة الفلسطينية ودعوات بين بعض وزرائها المتطرفين إلى حلها بدعوى “دعمها للإرهاب”.
هذا الأمر دفع نتنياهو إلى حسم هذا الجدل باعتبار أن وجود السلطة الفلسطينية “مصلحة إسرائيلية”، وأن تل أبيب “لن تسمح بانهيارها ولا تريد لها ذلك”، مؤكدًا أن تل أبيب “مستعدة لمساعدة السلطة الفلسطينية من الناحية الاقتصادية”، لكنه شدد على “رفضه التام قيام دولة فلسطينية مستقلة”.
والحديث عن انهيار السلطة في الأعوام الأخيرة جاء أيضا على لسان مسؤولين فلسطينيين حذروا من التصعيد الميداني الإسرائيلي بالتوازي مع التصعيد الاستيطاني وشح المساعدات المالية العربية والغربية.
وفي هذا الصدد يرى لكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أن السلطة الفلسطينية بمواقفها التقليدية المتكررة، لا تزال تمارس الخداع على الشعب الفلسطيني، وتدعي بأنها تمارس عملا وطنيا ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد الصواف أن كل دعوات السلطة التي خرجت خلال الاجتماع الطارئ الذي عقدته برئاسة رئيس السلطة محمود عباس، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، قبل أيام لبحث العدوان “الإسرائيلي” ضد جنين، لا قيمة لها ولن تحقق أي نتائج على أرض الواقع.
وقال: “انسحاب قوات الامن التابعة للسلطة الفلسطينية فور بدء عدوان الاحتلال على مدينة جنين، يؤكد أن التنسيق الأمني الذي زعمت السلطة وقفه قائم ولم ينقطع، وهذا دليل واضح على تخاذلها وتعاونها مع الاحتلال، معتبرًا الدعوة الى عقد اجتماع طارئ للأمناء العامين للقوى والفصائل الفلسطينية، دعوة كاذبة لكون أن الرئيس عباس يعلم بانه لا جديد لديه كي يقدمه.
تخاذل أجهزة أمن السلطة
وأثار إغلاق الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة أبواب مقراتها، وهروب عناصرها، منذ اللحظة الأولى لاقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي، لمدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، غضبًا وانتقادات فلسطينية واسعة.
وفي رد فعل غاضب على تخاذل أجهزة أمن السلطة، هاجم مواطنون مقر المقاطعة في جنين بالحجارة، وطرد آخرون قيادات من حركة “فتح” من جنازة تشييع الشهداء، تعبيرًا عن غضبهم واستيائهم من تخلي السلطة عن مسؤولياتها.
وكانت أجهزة السلطة في جنين، اعتقلت قياديين في المقاومة من “كتيبة جبع” قرب طوباس، كانا في طريقهما لإسناد المقاومين في مخيم جنين في أثناء العدوان.
وقالت الكتيبة: إن المقاومينِ مطاردينِ للاحتلال، وهما مراد وليد ملايشة (34 عاماً)، ومحمد وليد براهمة (37 عاماً)، وكانا في طريقهما إلى جنين للتصدي لقوات الاحتلال.
وهنا رأى الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقاد، أن عدم قيام السلطة بدورها في حماية المواطنين، يشير إلى أنها تعمل لصالح الاحتلال، وليس لحماية وخدمة الشعب الفلسطيني وبين العقاد أن دور السلطة الأمني يبدو أنه محدود بالتنسيق مع الاحتلال، دون تحقيق العمل الأمني الفعال لحماية المواطنين ومواجهة الاحتلال.وأشار إلى استمرار “التنسيق الأمني” بين السلطة والاحتلال، وتقديم المعلومات الأمنية للاحتلال، ما يؤكد تواطؤ السلطة واندماجها في جهود الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وذكر أن تخاذل السلطة دفع المواطنين إلى التعبير عن رفضهم واستيائهم، إذ قاموا برجم السلطة بالحجارة كتعبير عن رفضهم لتواطئها مع الاحتلال، كما قاموا أيضًا بطرد قيادة حركة “فتح” من جنازة الشهداء، لأنهم يرون أنها تغطي على تلك الأجهزة التي يرونها تمارس الخيانة.
السلطة الفلسطينية شريكة للكيان الصهيوني
إن سلطة عباس عملت خلال السنوات الماضية على معاقبة الشعب الفلسطيني عقابا جماعيا وسعت إلى إهانة الكرامة الفلسطينية التي وقفت في وجه الاحتلال الإسرائيلي ولم يتنازل شعبها عن حقوقه، فهذه السلطة فاقدة الشرعية ومنتهية الولاية الدستورية ساومت الشعب الفلسطيني على لقمة عيشه. وبنت السلطة الفلسطينية علاقتها مع الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني اللاجئ المشرد في أصقاع الأرض، الذي تضربه النوائب في كل مكان حيث ان هذه السلطة لم تهتم أو تحاول إنقاذ هذا الفلسطيني المكلوم، بل على العكس تكون عبئا على كاهل اللاجئ المقهور.
وفي هذا الصدد اذا استمر هذا الانزلاق المريع في مواقف السلطة الفلسطينية ومواقف الرئيس عباس المهادن والمستسلم للعدو الاسرائيلي، وهنا يمكن القول إن الشعب الفلسطيني يجد اليوم نفسه أمام مفترق طرق ومرحلة حساسة، حيث إن هذا الشعب يعيش معتركا تتخبطه المؤامرات الدولية والدسائس السلطوية التابعة لمحمود عباس، ولا بد أن يكون هناك حراك فلسطيني موحد يضم مختلف فئات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات والفصائل والنخب للخروج من الحالة الفلسطينية الراهنة واستكمال مشروع التحرر وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.
في الختام.. تعمل المقاومة في الضفة الغربية على استنزاف العدو الصهيوني من خلال العمليات المتنوعة والمنتشرة في نقاط مختلفة ممتدة وتعزيز دور المطاردين وحمايتهم وستعمل على تقويض القوة العسكرية للعدو عبر استنزاف مقدراتها وتكبدها خسائر مادية وتدمير معنويات الجنود الصهاينة من خلال جرهم إلى دائرةٍ مفرغة من المواجهات المتقطعة.
ما يجري بالضفة يتطلب من حركات المقاومة استثمار هذه العمليات وتوظيفها بشكل مناسب يسهم باسترجاع دورها إلى صدارة العمل المقاوم والبناء عليها وتشييد كيان مقاوم يقف على أسس صلبةٍ لا تهتز ولا تتزعزع لو أحسنا أفراداً وتنظيمات فهمه والتعامل معه، لقد فتحت تضحيات هؤلاء الفدائيين الشجعان الباب أمام مرحلة جديدة في الكفاح الفلسطيني المهم، لذلك فإن المراكمة على هذه العمليات، و تراكمها سيقود إلى ثورة وليس إلى انتفاضة لو تم تحصينها وأحسن البناء عليها، والانتقال بها إلى مرحلة قادمة نحو الخلاص من الاحتلال.