الوقت- بعد أكثر من ثماني سنوات من التوترات بين البلدين وقطع العلاقات الدبلوماسية، اتفقت إيران والسعودية، يوم الجمعة العاشر من مارس/آذار الجاري، على إعادة علاقاتهما وطي صفحة من الخلافات بينهما. الاتفاق تم بمبادرة ووساطة صينية مباشرة، ويدور الحديث أيضاً عن وجود دور عربي للعراق وسلطنة عمان في إتمامها. وقد مثل الدولة الراعية للاتفاق وانغ يي، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي. ويلاحظ أن مندوبي كل من السعودية وإيران من أعضاء مجلس الأمن القومي لبلديهما، ولهذا دلالته الواضحة؛ أن الأمن أولاً، وأن الأزمة الحقيقية بين البلدين إذا أريد لها الحل فيجب محاصرة التهديدات الأمنية بالأساس. أهم بنود الاتفاق (المعلنة) تمثلت في استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين، واحترام سيادة الدول وفقاً لبيان صدر عن إيران والسعودية والصين، الدولة الراعية للمصالحة.
وفي أول تحرك عملي لتنفيذ إعلان المصالحة بين الجارتين الخليجيتين، وقعت المملكة العربية السعودية وإيران، بيانا مشتركا، عقب لقاء وزيري خارجية البلدين في بكين، ما يعزز إعلان المصالحة الشهر الماضي، ويفتح آفاقا لتطور العلاقات وسط ترقب عالمي لما قد تفرز من تأثيرات إقليمية ودولية . وشمل البيان السعودي الإيراني، الصادر في 6 أبريل، ترتيبات إعادة فتح السفارتين والقنصليات، بحث التنسيق لاستئناف الرحلات الجوية، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني الدولتين،ومواصلة التنسيق لتبادل زيارات المسؤولين، ووفود القطاع الخاص، بالإضافة إلى تفعيل اتفاقية التعاون الأمني المشترك الموقعة عام 2001 . وتضمن تفعيل اتفاقية التعاون العام الموقعة عام 1998.
وفي إطار إظهار حسن النوايا، دعا وزير الخارجية السعودي نظيره الإيراني لعقد لقاء ثنائي في الرياض. وكانت السعودية وإيران قد اتفقتا، برعاية صينية، على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية في 10 مارس 2023، وبناء على دورها الإيجابي، تم اختيار الصين مكانا لعقد اللقاء بين الوزيرين. وصدر في هذا التاريخ بيان مشترك أفاد الاتفاق على استئناف العلاقات الثنائية بين البلدين بمبادرة صينية، ورغبة من الدولتين في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما، والتزاماً منهما بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية،
وسبق ذلك عقد مباحثات خلال الفترة من 6 - 10 مارس 2023 في بكين، مباحثات بين وفدي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برئاسة الدكتور مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية، والأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأعرب الجانبان السعودي والإيراني عن تقديرهما وشكرهما لجمهورية العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021م - 2022، كما أعرب الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة جمهورية الصين الشعبية على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها.
وأعلنت الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 17 أبريل 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 27 مايو 1998. وأعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل كل الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
وعلى صعيد متصل، أكد المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خجستة مهر، أنه لا يوجد حقل نفط مشترك غير محدد بين إيران والسعودية، ومن ناحية أخرى سيتم البدء في الأعمال التمهيدية للتعاون الثنائي. وقال خجستة مهر للصحفيين الثلاثاء على هامش اجتماع لـ "تحسين الإنتاجية في عمليات الحفر"، إن "جميع الحقول المشتركة بين إيران والسعودية، تم استلام الخطط والموافقات اللازمة لزيادة الإنتاج والحفاظ على الطاقة الإنتاجية فيها". وأضاف خجسته مهر إن جميع الحقول المشتركة بين إيران والسعودية "قد حُسم أمرها"، في إشارة إلى عدم وجود خلافات.
وتشترك إيران والسعودية في أربعة حقول نفطية وغازية، هي حقل "إسفنديار" المتصل بحقل "لؤلؤ" السعودي، وحقل "فروزان" المتصل بحقل "المرجان" السعودي، فضلاً عن حقلي “فرزاد 1″ و”فرزاد 2”. وكانت إيران قد أعلنت في أغسطس/آب 2022، عن قرارها بدء تطوير حقل إسفنديار الذي تقدر احتياطياته بنحو 500 مليون برميل مكافئ من النفط والغاز. وإجمالاً، تشترك إيران في 28 حقلاً للنفط والغاز مع الدول الجارة، أهمها دول الخليج الفارسي والعراق. وتحتوي هذه الحقول على 20% من احتياطي النفط الإيراني و30% من الغاز الطبيعي، أشهرها حقل "بارس الجنوبي" الذي تشترك فيه إيران مع دولة قطر التي يعرف فيها الحقل باسم حقل الشمال.
وأضاف: في حقل فروزان النفطي المشترك بين إيران والسعودية ، تعمل شركات بتروبارس والمنشآت البحرية على جبهتين، وقريبًا سيتم الإعلان عن أنباء إيجابية بشأن زيادة إنتاج هذا الحقل، وكذلك تم توقيع عقد إنشاء حقل غاز فرزاد (ب) ويجري حالياً إنشاء هذا الحقل من قبل شركة بتروبارس. ولفت إلى أن هناك استعدادات كاملة لبدء الحفر في حقل آرش النفطي المشترك، مضيفًا إنه قد اعتمدنا موارد كبيرة لتنفيذ خطة تطوير هذا الحقل في مجلس إدارة شركة النفط الوطنية الإيرانية، وعندما تصبح الظروف جاهزة، سنبدأ الحفر في حقل آرش. واشار خجستة مهر الى أنه تم تقديم خطة تطوير حقل غاز فرزاد إي (أ) إلى مجلس إدارة شركة النفط الوطنية الإيرانية، كما ستبدأ في المستقبل القريب عمليات تطوير هذا الحقل.
وفي وقت سابق، أکد محمد صادق جوکار على ضرورة تمدید الاتفاق الأمني والسیاسي بین إیران والسعودیة لیشمل مجالات الاقتصاد والطاقة. وتابع: إن الاقتراب من المملکة العربیة السعودیة یمکن أن یخلق الانطباع بأنه یمکننا الحصول على مثل هذه الاتفاقیة مع دول أخرى متحالفة مع هذا البلد، مثل الکویت والإمارات العربیة المتحدة. إن الدول العربیة، وخاصة السعودیة والإمارات، فی حاجة ماسة إلى الغاز فی موسم الصیف، وهو ما یمکن أن یکون الخطوة الأولى بالتعاون مع دول منطقة الشرق الأوسط فی مجال تصدیر الغاز، إذا سمح الاستهلاک المحلی. وفی إشارة إلى حقل أرش المشترک بین إیران والسعودیة والکویت، قال رئیس معهد الدراسات الدولیة للطاقة: "بالنظر إلى عدم تنفیذ أی عملیات للتنمیة المتکاملة لهذا المجال، یمکن أن یکون الخطوة الثانیة فی تعاوننا مع المملکة العربیة السعودیة ودول أخرى فی منطقة الخلیج الفارسی، وفی الوقت نفسه، یمکننا تصدیر حصتنا من الغاز من حقل أرش إلى هذین البلدین فی نفس الوقت مع التطویر المشترک لهذا الحقل".
وأضاف جوکار: المیزة الثالثة للتعاون بین إیران والسعودیة یمکن أن تکون مناقشة تسریع تعاون طهران مع الدول الأخرى. على سبیل المثال، فی مناقشة تصدیر الغاز إلى باکستان، کانت إحدى العقبات الرئیسیة فی هذا المشروع تدخل المملکة العربیة السعودیة فقط لإیقاف نفوذ إیران فی دول المنطقة، اعتادت المملکة العربیة السعودیة على خلق بعض الاضطرابات وتقدیم مقترحات مالیة واستثماریة لدول أخرى فی المنطقة، على سبیل المثال ، اقتراح تصدیر الکهرباء إلى العراق وتمویل البناء. 700 کیلومتر من خط الأنابیب. وقال: المیزة التالیة للاتفاق بین البلدین هی خلق منظور ملائم لحل سلمی وتعاونی لتحدیات الطاقة فی منطقة الشرق الأوسط.
