الوقت- أثارت حادثة إحراق نسخة من المصحف الشريف في العاصمة السويدية ستوكهولم، على يد شخص من أصول عراقية، يدعى سلوان موميكا، موجة من ردود الفعل الغاضبة في الدول العربية والإسلامية. وكانت شرطة العاصمة السويدية قد صرحت لموميكا بالتظاهر، “تماشيا مع حماية حرية التعبير”، لكنها قالت فيما بعد إنها فتحت تحقيقا بشأن “إثارة توتر”. وتمكّن عشرات المتظاهرين العراقيين من اقتحام مقرّ السفارة السويدية في بغداد، وبقي المتظاهرون المناصرون لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في السفارة لنحو ربع ساعة، ثم خرجوا بهدوء لدى وصول قوات الأمن. ووزع المتظاهرون أمام السفارة مناشير كتب عليها “دستورنا القرآن، سيدنا الصدر” باللغتين الإنكليزية والعربية. كما كتبوا على بوابة السفارة السويدية “نعم، نعم للقرآن”.
وكان الصدر قد دعا إلى التظاهرة أمام السفارة السويدية للمطالبة بطرد السفير “الذي يمثل دولته المعادية للإسلام”. ودعا في “تدوينة” له إلى أن “يكون من ضمن مطالب التظاهرة طرد السفير السويدي الذي يمثل دولته المعادية للإسلام والمقدسات، والداعمة للفاحشة وقطع العلاقات معها”. وأعطى رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، فائق زيدان، الإذن بـ “اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشخص الذي أقدم على حرق المصحف الشريف عملا بأحكام المادة 14 من قانون العقوبات العراقي النافذ”، موعزاً في تصريح رسمي إلى رئاسة الادعاء العام وبالتنسيق مع محكمة تحقيق الكرخ الأولى في بغداد لـ”إكمال الإجراءات القانونية لطلب استرداد هذا الشخص ومحاكمته وفق القانون”.
ردود أفعال عربية واسلامية
دعا الأزهر في بيان، حكومات الدول الإسلامية والعربية لاتخاذ مواقف جادة وموحدة تجاه تلك الانتهاكات التي لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال. وطالب الأزهر في بيانه “دور الفتوى وهيئات الإفتاء في العالم بإصدار فتوى بوجوب مقاطعة المنتجات السويدية ومنع استخدامها نصرةً للمصحف الشريف”، مطالبا “الحكومات الإسلامية باتخاذ مواقف جادة وموحدة تجاه انتهاكات حرق المصحف. کما أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بأشد العبارات سماح السلطات السويدية بإحراق نسخة من القرآن الكريم على يد متطرفين في أول أيام عيد الأضحى. وأضاف، في بيان نشرته أمس الخميس، "يجب مواجهة هذه التوجهات بحزم”.
وشددت وزارة الخارجية في بيان على أن هذه الواقعة “الشنيعة تعد عملا تحريضيا، واستفزازا خطيرا لمشاعر أكثر من ملياري مسلم في العالم، لا سيما في عيد الأضحى المبارك”. ولاقى الحادث إدانات عربية واسعة من قطر ومصر والسعودية والكويت والأردن وفلسطين واليمن ولبنان وسوريا وموريتانيا والمغرب، الذي استدعى سفيره، والبحرين والإمارات، إلى جانب هيئات عربية مثل مجلس التعاون الخليجي والبرلمان العربي وحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان.
إلى ذلك، انتقد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان السويد، وقال إن تركيا لن ترضخ أبدا لسياسة الاستفزاز أو التهديد.
وبيّن أمام أعضاء حزبه في عطلة عيد الأضحى “سنُعلم الغرب المتعجرف أن حرية التعبير لا تعني إهانة القيم المقدسة للمسلمين”. ولفت إلى أن تركيا ستبدي أقوى رد فعل ممكنا تجاه ما وصفه بأنه احتجاج وضيع. وأدان الكثير من الدول الإسلامية الإساءة للقرآن، وطالب بعضها بإجراءات ضد السويد، كما قال مجلس النواب الروسي إن حرق المصحف “عمل تخريبي”. وأكد مجلس التعاون لدول الخليج، أن تصرفات كهذه "تدل على حقد وكراهية وتطرف"، داعيا إلى ضرورة تحرك السلطات السويدية لوقفها "بشكل فوري".
وقال البرلمان العربي، إن ما حدث "عمل تحريضي من شأنه تأجيج مشاعر المسلمين حول العالم"، مستنكرا استمرار السلطات السويدية في مثل هذه "الاستفزازات". وفي المغرب، استدعت وزارة الخارجية القائم بالأعمال السويدي في الرباط، كما جرى استدعاء السفير المغربي بالسويد للتشاور "لأجل غير مسمى". وجاء في بيان لوزارة الخارجية أنه "تم التعبير للدبلوماسي السويدي خلال هذا الاستدعاء عن إدانة المملكة المغربية بشدة لهذا الاعتداء، ورفضها هذا الفعل غير المقبول"، ووصف البيان هذا العمل بـ"العدائي غير المسؤول". وقالت وزارة الخارجية السعودية -في بيان- إن "هذه الأعمال البغيضة والمتكررة لا يمكن قبولها بأي مبررات، وهي تحرض بوضوح على الكراهية والإقصاء والعنصرية".
فيما حذرت الخارجية الكويتية، من أن ما حدث "خطوة استفزازية خطيرة من شأنها تأجيج مشاعر المسلمين حول العالم"، داعية المجتمع الدولي والحكومة السويدية إلى "تحرك سريع لنبذ مشاعر الكراهية والتعصب ووقف هذه الإساءات". وشددت الخارجية اليمنية على أن "تعمد استفزاز مشاعر المسلمين حول العالم في مناسبات إسلامية مقدسة من قبل حركة متطرفة بغيضة، يستلزم محاسبة ومعاقبة كل من يشجع ويقف خلف هذه الإساءات المتكررة". ودعت الوزارة إلى "اتخاذ التدابير الكفيلة بمنع تلك الإساءات التي تستهدف نشر ثقافة الكراهية ولا تؤمن بقيم التسامح".
وفي الأردن، قالت الخارجية -في بيان لها- إن "إحراق المصحف الشريف هو فعل من أفعال الكراهية الخطيرة، ومظهر من مظاهر الإسلاموفوبيا المحرضة على العنف والإساءة للأديان، ولا يمكن اعتباره شكلا من أشكال حرية التعبير مطلقا". ودعت الوزارة إلى "وقف مثل هذه التصرفات والأفعال غير المسؤولة، ووجوب احترام الرموز الدينية، والكف عن الأفعال والممارسات التي تؤجج الكراهية والتمييز". كما أكدت الخارجية الفلسطينية أن "الاعتداء على القرآن الكريم من قبل متطرف حاقد، تعبير عن الكراهية والعنصرية واعتداء صارخ على قيم التسامح وقبول الآخر والديمقراطية والتعايش السلمي بين أتباع الديانات كافة". وشددت على أن "هذا العمل العنصري يتناقض تماما مع حرية التعبير عن الرأي، ويمس بمشاعر ملايين المسلمين في العالم"
وعلى صعيد متصل، قال الاتحاد الأوروبي اليوم السبت إن حرق المصحف أو غيره من الكتب المقدسة مهين وغير محترم وعمل استفزازي، وذلك عقب سماح سلطات السويد لأحد المقيمين فيها بحرق نسخة من المصحف الشريف. وأضاف الاتحاد الأوروبي في بيان له إنه " لا مكان في أوروبا لمظاهر العنصرية وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب". وعبّر التكتل عن أسفه الشديد لحرق المصحف خلال احتفال المسلمين بعيد الأضحى، كما أبدى رفضه "للهجمات على البعثات الدبلوماسية"، مطالبا بالهدوء والتريث، في إشارة إلى اقتحام متظاهرين في بغداد أمس الجمعة مبنى السفارة السويدية في العاصمة العراقية، تنديدا بحرق المصحف الشريف. وكانت عدة مظاهرات خرجت أمس الجمعة في كل من العراق وإيران واليمن للاحتجاج على سماح السويد لأحد المقيمين فيها، وهو يحمل الجنسية العراقية، بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام المسجد الكبير في العاصمة ستوكهولم. وطالب المتظاهرون في بغداد حكومة السويد بإعادة العراقي سلوان موميكا الذي أحرق نسخة من القرآن، وتسليمه للحكومة العراقية لمحاكمته وفق قانون البلاد.
ويوم الخميس الماضي، استدعت وزارة الخارجية العراقية السفيرة السويدية في بغداد جيسيكا سفاردستروم، وطالبت الوزارة السلطات السويدية بتسليم المسيء للقرآن الكريم، كما استدعت وزارة الخارجية الكويتية أمس الجمعة السفيرة السويدية لديها ليزلوت أندرسون وسلمتها مذكرة احتجاج رسمية، تتضمن إدانة السلطات الكويتية واستنكارها لقيام أحد المتطرفين بحرق نسخة من القرآن الكريم. وفي السياق ذاته، تعقد منظمة التعاون الإسلامي اجتماعا طارئا في جدة بالسعودية غدا الأحد لمناقشة قضية حرق المصحف الشريف في السويد، وجاء الاجتماع بدعوة من المملكة العربية السعودية بصفتها ترأس القمة الإسلامية في دورتها الحالية. كما أعرب الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة عن "إدانته القاطعة" لحرق نسخة من المصحف الشريف. وقال ميغيل موراتينوس إن مثل هذا "الفعل الدنيء" يمثل عدم احترام للمسلمين الذين يحتفلون بعيد الأضحى المبارك.
تصريحات السويد
دعا رئيس الوزراء أولف كريسترسون يوم أمس الجمعة إلى التهدئة، وقال "يصعب تحديد ما ستكون عليه العواقب، أعتقد أن على كثير من الأشخاص التفكير في الأمر". وقال كريسترسون إن "اقتحام أشخاص بشكل مخالف للقانون سفارات السويد في بلدان أخرى أمر غير مقبول إطلاقا بكل تأكيد". وفي الوقت ذاته، لفت رئيس الوزراء إلى عدم وجود سبب يدفع إلى "إهانة أشخاص آخرين"، في إشارة إلى ما قام به موميكا. وقال "أعتقد أن كون بعض الأمور قانونية لا يعني بالضرورة أنها مناسبة". وهذه ليست الواقعة الأولى في السويد حيث يعيش أكثر من 600 ألف مسلم، ففي 21 يناير/كانون الثاني الماضي أحرق زعيم حزب الخط المتشدد الدانماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان نسخة من المصحف قرب السفارة التركية في ستوكهولم وسط حماية من الشرطة.