الوقت- يرى الباحثان ماريك بوسارد، عالم الاجتماع بمؤسسة راند الأميركية، وكيه. جاك رايلي، مدير قسم أبحاث الأمن الداخلي بالمؤسسة، أن هناك مخاوف حقيقية للغاية، ومتزايدة، بالنسبة إلى التطرف الداخلي في الولايات المتحدة هذه الأيام.
وفي استطلاع أُجري العام الماضي، ذكر 88% من الأمريكيين أنهم قلقون جدا، أو إلى حد ما، إزاء أعمال العنف ذات الدوافع السياسية. ولوضع الأمور في نصابها، قال 71% من الأمريكيين في الشهر التالي لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر إنهم قلقون جدا، أو إلى حد ما، إزاء احتمال وقوع هجوم إرهابي آخر.
وتابع رايلي وبوسارد، وهو أيضا عضو هيئة تدريس بكلية باردي راند للدراسات العليا، في تقرير نشره موقع مؤسسة راند أنه في ظل اتجاه البلاد نحو ما ترجح أن تكون دورة انتخابات شديدة الاستقطاب، هناك حاجة حقيقية ومتزايدة إلى جهد كبير ومتواصل، يمكن أن يمنع تمزيق التطرف للنسيج الاجتماعي للبلاد.
كما يقول الباحثان إن التطرف مثل السرطان: سيكون موجودا دائما، لكن تجاهله ينطوي على خطر أن يطل برأسه القبيح، وأن ينتشر في أنحاء البلاد. وتحتاج الولايات المتحدة إلى التأكد من أنها تملك الأدوات الملائمة لتشخيص التطرف في مراحله الأولى، ومن تمتّع الأجهزة المكلفة بحماية الديمقراطية في البلاد بالقدرة على السيطرة عليه.
ويبين رايلي وبوسارد أن المطلوب منذ البداية هو تعريف أكثر وضوحا لما يعنيه التطرف. فهو لفظ ينطوي بكل تأكيد على دلالات كثيرة، لكن هناك نقطة بداية مفيدة وهي وضع تعريف يركز على المعتقدات والتصرفات. فالمتطرفون لديهم معتقدات مفرطة لبعض الأطياف الأيديولوجية في المجتمع، ويدافعون عن هذه المعتقدات خارج الأعراف الاجتماعية والقانون. وفي ظل أوضاع معينة، يعتبر الأمران شرطين ضرورييْن لوصف شخص ما بأنه متطرف.
لكن هناك أيضا حاجة إلى وجود تفهم أفضل للسبب الذي يجعل الأشخاص ينجذبون للأنشطة المتطرفة في المقام الأول. فعلى سبيل المثال، كشفت أبحاث أن أمورا مثل الأحداث المعيشية السلبية، وتحديات الصحة العقلية، والشعور بالوحدة، غالبا ما تصبح دوافع لهؤلاء الأشخاص للمشاركة في أنشطة متطرفة.
كما يتعين على الأجهزة المكلفة بحماية المواطنين والديمقراطية إعطاء أولوية لمراقبة الاتجاهات المتطرفة الأوسع نطاقا عند الاقتضاء. وهذه الأيام، يحدث الكثير مما قد يوصف بأنه نشاط متطرف على شبكة الإنترنت. وهذا أمر يعتبر تتبعه أصعب بطرق معينة وأسهل بطرق أخرى- فقد أوجد على الأقل فرصا لعرض خريطة رقمية لأحدث الاتجاهات في السلوك المتطرف والأيديولوجيات المتطرفة مع مرور الوقت. ومثل هذه الخرائط يمكن أن تساعد في توقع المخاطر المستقبلية ووضع الخطط للتصرف من أجل التدخل عاجلا وليس آجلا.
وهناك أيضا حاجة ماسة إلى الاستفادة من أنظمة الدعم الجديدة والقائمة التي يمكن أن تمنع الذين يعانون متاعب شخصية من أن يصبحوا مشكلات عامة. وفي القوات المسلحة الأميركية، على سبيل المثال، يوجد بالفعل نظام دعم واسع النطاق أثبت جدواه في المواجهة المسبقة للدلائل المبكرة على التطرف بين العسكريين الحاليين والقدامى. ويبدو أن اتباع هذا النموذج، وتطبيقه تدريجيا على المواطنين على نطاق أوسع، أمر ممكن وطبيعي.
ولفت رايلي وبوسارد إلى أن هذه الأدوات الخاصة بتشخيص التطرف ومواجهته تحظى بدعم عام. وأنهما اكتشفا حقيقة ذلك عندما عقدت راند مؤخرا ورشات بشأن موضوع شراكة الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال هذه الأوقات التي تشهد انقساما. وشارك في هذه الورشات مجموعة من المعنيين من الحكومات المحلية، وحكومات الولايات، والحكومة الفيدرالية وأكاديميين ومنظمات غير ربحية. وتبنى بعض المشاركين آراء محافظة، وتبنى آخرون آراء ليبرالية.
أما بالنسبة إلى موضوع التطرف العنيف، كان هناك إجماع على تطبيق نموذج صحة عامة لمنعه؛ وهو نموذج يعتمد على الصحة السلوكية، والخدمات الاجتماعية، والمدارس، وأرباب الأعمال للمساعدة في مواجهة التطرف. ويعتمد هذا النهج المجتمعي على تعزيز أنظمة الدعم الحالية التي تهدف إلى الكشف، والقياس، والمنع – وهي كلمات تماثل تماما تلك التي يجري استخدامها عند الحديث عن السرطان.
كما يؤكد الباحثان أنه في الوقت الحالي، هناك حاجة إلى نزع الطابع السياسي عن قضية التطرف وبذل جهود مكثفة في السياسات التي يمكن أن تمنع انتشاره على المدى الطويل، وأن وراء كل الأنشطة المتطرفة مرضا معقدا، ولكن هناك أيضا سُبلا عملية لمنع المعتقدات من أن تصبح التهديدات الحقيقية التي يشعر معظم الأميركيين بالقلق البالغ تجاهها، وهم على حق في ذلك.