الوقت_ تتطلع الأمم المتحدة لـ”الدفع نحو الحل المتدرج للأزمة في سوريا”، وذلك عبر تعاون أمميّ عربي، هذا ما عبّر عنه مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، مؤخراً، خلال محادثات أجراها المبعوث الأممي مع وزير الخارجية المصريّ سامح شكري، حيث ترتفع المؤشرات الايجابيّة للحل السوريّ مع إعلان الجامعة العربية قبل أسبوع أن وزراء الخارجية العرب وافقوا في اجتماعهم بالقاهرة على عودة سوريا لمقعدها في الجامعة عقب 12 عاماً على خلفية الأزمة التي عصفت بالبلاد ومن ثم تحولت إلى نزاع إقليميّ ودوليّ دام بحق هذا البلد وأبنائه، في ظل الحديث عن موافقة سوريا على الحد من تجارة المخدرات وإنهاء تهريب المخدرات عبر حدودها مع الأردن والعراق، ما يعني أنّ العرب وضعوا خارطة طريق لإنهاء الصراع السوري المستمر منذ سنوات طويلة، حيث تتقارب العلاقات العربية مع دمشق بقوّة، وهذه الخطوات تمثل محاولة حقيقية من قبل تلك الدول لإعادة بناء العلاقات مع الدولة التي مزقتها الحرب، واليوم ربما تكون الخطوات العربية متوازية مع تعاون أمّميّ لإنهاء تلك الأزمة المستعصية.
محادثات مهمة
تشير المعلومات إلى أنّ المحادثات الأممية المصرية، غداة اتصال هاتفي أجراه بيدرسون مع وزير خارجية السعودية الذي زار دمشق في الفترة الماضية الأمير فيصل بن فرحان، لبحث جهود التوصل لحل للأزمة في سوريا، في أعقاب قيادة مصر والسعودية والأردن، حراكا عربيا أسفر عن عودة دمشق، قبل أسبوع، لمقعدها بالجامعة العربية المجمد منذ سنين طوال، حيث إن دول الشرق الأوسط تركز الآن على إعادة بناء اقتصاداتها بعد سنوات من الصراع والفوضى التي خلفتها القوى الخارجية، بما في ذلك فشل المعارضة في سوريا في تقديم بديل قابل للتطبيق لحكومة الرئيس بشار الأسد، وباعتبار أن القوى الخارجية خلقت الكثير من الفوضى في الشرق الأوسط، تحاول دول الشرق الأوسط في فضائها الخاص بوسائلها الخاصة بناء اقتصاداتها، فالحوار مع دمشق كان ضروريًا في مرحلة ما على الأقل لمعالجة القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين، وهذا يتطلب بلا شك تعاوناً مع الأمم المتحدة التي لم تنجح حتى الآن في انقاذ السوريين أو حتى بعضهم من ويلات تلك الحرب التي باتت اقتصاديّة بحتة في هذا التوقيت.
وبالتزامن مع حديث الخارجية المصرية، أن شكري تلقى اتصالا هاتفيا من بيدرسون، لبحث سبل التعامل مع الأزمة في سوريا عربيا ودوليا خلال الفترة القادمة، حيث إن الدول العربية التي كان لها علاقات صعبة مع سوريا في السابق ترى الآن في ذلك فرصة لتحسين العلاقات، وخاصة بعد أن دخلت الحرب على سوريا عامها الثاني عشر، في ظل أوضاع معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة لا يمكن وصفها إلا بـ "حرب لقمة العيش"، وبعد أن غُيبت دمشق قبل عقد من الزمن، تقود بعض العواصم العربية مساع دبلوماسيّة كبيرة عبر أكثر من بوابة بنتائج نالت أصداءً ربما تكون مبشرة قليلاً لدى الشارع السوريّ المُنهك من الغلاء الفاحش والفساد والعقوبات التي تستهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، وسط حديث عن آمال بقرب تسويّة ومفاجآت سياسيّة، ربما تضع حداً للحرب على سوريا بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد.
وفي الوقت الذي تناول شكري مع المبعوث الأممي القرار الصادر في 7 مايو/أيار الجاري القاضي بعودة سوريا لمقعدها بالجامعة، والتأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات فاعلة نحو حلحلة الأزمة في سوريا وفقاً لمقاربة خطوة مقابل خطوة، تتحرك العثرات أمام الحل السلميّ والسياسيّ مع توجه الدبلوماسيّة العربية التي تنشط بقوة لبحث قضايا المنطقة، وبالأخص الملف السوري، بما يوحي باتفاق دوليّ، سيمر عبر "بوابة عربية"، ويُظهر رغبة عربية بدعم سوريا التي أصبحت عضواً كامل العضويّة في المجتمع الدوليّ في ظل العودة إلى الأسرة العربيّة، بعد أن تم تعليق عضويتها في تشرين الثاني عام 2011، حيث إنّ العاصمة السورية كانت ومازالت من ركائز العمل العربيّ المشترك، كما يقول محللون.
تواصل مباشر مع دمشق
تشير الأنباء إلى استعراض وزير خارجية مصر، خلال الاتصال الهاتفي، قرار الجامعة العربية ذاته، والذي يتضمن كذلك تشكيل لجنة وزارية بعضوية مصر والأردن والسعودية والعراق ولبنان وأمين عام الجامعة للتواصل المباشر مع الحكومة السورية لتحقيق تلك الغاية، حيث إنّ عودة سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، بعد التركيز من أهم الدول العربية على حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة، بالاستناد إلى ضرورة التعاون الإقليميّ لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها، وخاصة أنّ من الأدوار المهمة لعودة سوريا هو أن تعود للجامعة العربية، وهذا يتطلب جهداً أيضا من الجانب السوريّ كما يتطلب جهداً من المسؤولين العرب ودول الجامعة العربيّة، وأنّ الأمر يتعلق بمصلحة سوريا والمنطقة، ولا يمكن سوى العمل على عودة سوريا إلى محيطها.
من ناحية أخرى، أشار المبعوث الأممي إلى التطلع للعمل بشكل وثيق مع اللجنة الوزارية العربية للدفع نحو الحل المتدرج للأزمة السورية، فيما شدد وزير خارجية مصر على الدور الذي تضطلع به الدول العربية حالياً نحو العمل لإنهاء تلك الأزمة الممتدة، وهو ما يقتضي العمل بشكل وثيق مع الأمم المتحدة ممثلة في المبعوث الخاص إلى سوريا والشركاء الدوليين لتضافر الجهود لرفع المعاناة عن الشعب السوري، وقد ظهرت مساعي العديد من الدول العربيّة لعودة سوريا إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربية بدلاً من استمرار عزلها دون أيّ نتيجة تُذكر في إنقاذ هذا البلد بل كانت عاملاً مهما في الحرب الاقتصاديّة على السوريين، الأمر الذي يؤثر بطبيعة الحال على ما يُسمى "العمل العربيّ المشترك" إيجاباً، ما يعطي الجامعة صبغة أكثر تماسكاً وانسجاماً في هذا الموقف، في ظل الضعف الكبير للدور العربيّ في إيجاد حلول سياسيّة للأوضاع المتأزمة منذ سنوات طويلة، ولا بد للدول العربيّة أن يكون لها تدخل ايجابيّ واضح في هذا الملف، وأن توفر مظلة عربية جيدة لسوريا بما يمكّنها من تجاوز عثرتها الحالية، وخاصة أنّ الملف السوري من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة، بالنظر إلى تواجد قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها، ويجب التكاتف لمساعدتها.
وبالاستناد إلى اتفاق الجانبين على استمرار العمل بشكل مشترك والتنسيق خلال الفترة المقبلة، تمثل عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية لاحتلال مقعدها الطبيعيّ باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة، دفعة باتجاه تكامل التعاون بين الدول العربيّة وتضافر الجهود لدعم العمل العربيّ المشترك، لأنّ عودة سوريا لممارسة دورها سينعكس بأهميّة على العالم العربي بأكمله، كما أن لذلك انعكاسات إيجابية بإحياء فكرة النظام الإقليميّ العربيّ في مواجهة النظام شرق الأوسطي التي تدعو إليه بعض الدول الأخرى، وإنّ المؤازرة العربيّة لسوريا في هذه الظروف المأساويّة وهي في بداية نهاية خروجها من أتون الحرب التي دمرت كل مناحي الحياة، هو أقل ما يمكن تقديمه لدمشق، ولا سيما في ظل العقوبات الاقتصاديّة أو ما يصفه السوريون بـ "الإرهاب الاقتصاديّ"، وثمة هامش يمكن للجامعة العربية أن تقوم به وهو الجانب الاقتصاديّ الإنسانيّ الذي ورد في ميثاق جامعة الدول العربية، حيث تحتاج سوريا أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل هذا الجانب الذي سيؤدي الى مواجهة تداعيات الحرب، التي لم تترك فرحاً في أيّ بيت سوريّ.
ويقول مراقبون كثر إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية مهمة للغاية في الدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، إضافة إلى التحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء، وإن تطبيق ذلك يحول الشرق الأوسط إلى منطقة تتشكل من خلال الدبلوماسية الإقليمية وليس التطورات الدولية، وإن تواصل الدول العربية مع الرئيس بشار الأسد جزء من ذلك، لكن ما يجري ضروري للغاية وقد أنهى عزلة سوريا، كما أنّ رفض بعض الدول العربية المحدودة إقامة علاقات مع دمشق هو مؤقت وظاهريّ فقط.