الوقت_ احتلت أخبار اجتماع وزراء الخارجية العرب مؤخراً الشاشات العربية، في ظل الحديث عن موافقة سوريا على الحد من تجارة المخدرات وإنهاء تهريب المخدرات عبر حدودها مع الأردن والعراق، وقد حضر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ووزير الخارجية السوري فيصل المقداد ووزير الخارجية المصري سامح شكري ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في العاصمة الأردنية عمّان، وأفاد بيان صدر بعد اجتماع تاريخي يوم الاثنين لدبلوماسيين عرب وضعوا خارطة طريق لإنهاء الصراع السوري المستمر منذ 12 عاما، حيث تتقارب العلاقات العربية مع دمشق شيئاً فشيئاً، وهذه الخطوات تمثل محاولة حقيقية من قبل تلك الدول لإعادة بناء العلاقات مع الدولة التي مزقتها الحرب، حيث إن دول الشرق الأوسط تركز الآن على إعادة بناء اقتصاداتها بعد سنوات من الصراع والفوضى التي خلفتها القوى الخارجية، بما في ذلك فشل المعارضة في سوريا في تقديم بديل قابل للتطبيق لحكومة الرئيس بشار الأسد، وباعتبار أن القوى الخارجية خلقت الكثير من الفوضى في الشرق الأوسط، تحاول دول الشرق الأوسط في فضائها الخاص بوسائلها الخاصة بناء اقتصاداتها، فالحوار مع دمشق كان ضروريًا في مرحلة ما على الأقل لمعالجة القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين.
اجتماع بالغ الأهميّة
كان اجتماع وزراء خارجية سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن في العاصمة الأردنية عمان لمناقشة كيفية تطبيع العلاقات مع سوريا في إطار تسوية سياسية لحربها التي مزقت البلاد وقسمتها، وإنّ المحادثات هي الأولى بين الحكومة السورية ومجموعة من الدول العربية منذ قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 2011 بعد بدء الأزمة في البلاد، وجاء في بيان ختامي صدر بعد الاجتماع أن المسؤولين ناقشوا سبل العودة الطوعية لملايين النازحين السوريين إلى ديارهم وتنسيق الجهود لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية.
ومن جهة سوريا، يبدو أن موقف دمشق إيجابيّ تجاه اتخاذ الخطوات اللازمة لانهاء التهريب على الحدود مع الاردن والعراق والعمل خلال الشهر المقبل لتحديد من ينتج وينقل المخدرات الى هذين البلدين، ولم يصدر تعليق فوريّ من وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، لكن بعض الحكومات العربية والغرب يزعمون أنّ سوريا تساعد في إنتاج الكبتاغون المربح للغاية والمسبب للإدمان وتنظيم تهريبه إلى الخليج، وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي للصحفيين بعد الاجتماع إن الاجتماع كان "بداية والعملية مستمرة" لضمان إنهاء الصراع.
"يجب أن تكون هناك خطوات على الأرض تؤدي إلى تحسين الواقع الذي تعيشه سوريا والسوريون"، عبارة مهمة جاءت على لسان الصفدي، الذي قال إن القرار يجب أن يتخذ من قبل الهيئة نفسها، ولم يذكر ما إذا كان ذلك على جدول أعمال قمة الجامعة المقبلة في المملكة العربية السعودية في 19 مايو، لكنّ الأردن دعا سوريا إلى الانخراط مع الدول العربية بشكل مشترك في خارطة طريق خطوة بخطوة لإنهاء الصراع، ومعالجة قضايا اللاجئين والمحتجزين وتهريب المخدرات وغير ذلك وكلها قضايا تؤثر على جيرانها.
وفي الشأن، التقى المقداد بشكل ثنائي مع الصفدي قبل اجتماع المجموعة لمناقشة قضايا اللاجئين والمياه وأمن الحدود، بما في ذلك مكافحة تهريب المخدرات، حسب وزارة الخارجية الأردنية، في وقت تحارب عمّان الجماعات المسلحة المهربة للمخدرات من سوريا، بما في ذلك الكبتاغون، الذي يعتبر الأردن وجهة ومسار عبور رئيسي إلى الخليج الغني بالنفط، ومؤخراً قال التلفزيون الأردني الرسمي، إن الجيش أحبط عملية تهريب مخدرات من سوريا، ما أسفر عن مقتل مهرب واحد وفر البقية عائدين إلى الأراضي السورية.
ويأتي الاجتماع بعد أسبوعين من محادثات في مدينة جدة السعودية بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، حيث قالت بعض الدول إن عودة سوريا إلى الحظيرة العربية سابقة لأوانها قبل أن توافق دمشق على التفاوض بشأن خطة سلام، بينما تحاول الدول العربية والدول الأكثر تأثراً بالصراع التوصل إلى إجماع حول وتيرة تطبيع العلاقات مع الأسد، وما إذا كانت ستدعوه إلى قمة الجامعة العربية وما هي الشروط التي يمكن السماح لسوريا بالعودة إليها، ولطالما قاومت المملكة العربية السعودية، القوة الإقليمية المهمة، تطبيع العلاقات مع الأسد، لكنها قالت بعد التقارب مع إيران - الحليف الإقليمي الرئيسي لسوريا - إن هناك حاجة إلى نهج جديد مع دمشق.
رغبة عربيّة بالتطبيع
كلنا نعلم أنّه بعد الزلازل الأخير حتى الدول العربية التي كان لها علاقات صعبة مع سوريا في السابق ترى الآن في ذلك فرصة لتحسين العلاقات، وخاصة بعد أن دخلت الحرب على سوريا عامها الثاني عشر، في ظل أوضاع معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة لا يمكن وصفها إلا بـ "حرب لقمة العيش"، وكما نعلم جميعاً أنّ ما تسمى "جامعة الدول العربيّة" التي مقرها القاهرة، علّقت عضوية سوريا في تشرين الثاني عام 2011، مع اندلاع ما سُميت "الثورات" في معظم البلدان العربيّة، وبعد أن غُيبت دمشق قبل عقد من الزمن، تقود بعض العواصم العربية مساع دبلوماسيّة كبيرة عبر أكثر من بوابة بنتائج نالت أصداءً ربما تكون مبشرة قليلاً لدى الشارع السوريّ المُنهك من الغلاء الفاحش والفساد والعقوبات التي تستهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، وسط حديث عن آمال بقرب تسويّة ومفاجآت سياسيّة، ربما تضع حداً للحرب على سوريا بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد.
في ظل الرغبة العربية والسورية العارمة بإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربيّة، تتحرك العثرات أمام الحل السلميّ والسياسيّ، وإنَ توجه الدبلوماسيّة العربية تنشط بقوة لبحث قضايا المنطقة، وبالأخص الملف السوري، بما يوحي باتفاق دوليّ، سيمر عبر "بوابة عربية"، بما يُظهر رغبة عربية بأن تصبح سوريا مرة أخرى عضواً كامل العضويّة في المجتمع الدوليّ وأن تعود إلى الأسرة العربيّة، وبالتالي استعادة مكانة سوريا في جامعة الدول العربية، بعد أن تم تعليق عضويتها في تشرين الثاني عام 2011، حيث إنّ العاصمة السورية كانت وما زالت من ركائز العمل العربيّ المشترك.
وتأتي الرغبة العربية بعودة سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، بعد أن التركيز من أهم الدول العربية على حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة، بالالستناد إلى ضرورة التعاون الإقليميّ لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها، وخاصة أنّ من الأدوار المهمة لعودة سوريا هو أن تعود للجامعة العربية، وهذا يتطلب جهداً أيضا من الجانب السوريّ كما يتطلب جهداً من المسؤولين العرب ودول الجامعة العربيّة، وأنّ الأمر يتعلق بمصلحة سوريا والمنطقة، ولا يمكن سوى العمل على عودة سوريا إلى محيطها.
ووفقاً للوقائع، أظهرت مساعي العديد من الدول العربيّة لعودة سوريا إلى عضوية الجامعة وتسلم مقعدها لتكون ضمن المنظومة العربية بدلاً من استمرار عزلها دون أيّ نتيجة تُذكر في إنقاذ هذا البلد بل كانت عاملاً مهماً في الحرب الاقتصاديّة على السوريين، الأمر الذي يؤثر بطبيعة الحال على ما يُسمى "العمل العربيّ المشترك" إيجاباً، ما يعطي الجامعة صبغة أكثر تماسكاً وانسجاماً في هذا الموقف، في ظل الضعف الكبير للدور العربيّ في إيجاد حلول سياسيّة للأوضاع المتأزمة منذ سنوات طويلة، ولا بد للدول العربيّة أن يكون لها تدخل ايجابيّ واضح في هذا الملف، وأن توفر مظلة عربية جيدة لسوريا بما يمكّنها من تجاوز عثرتها الحالية، وخاصة أنّ الملف السوري من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة، بالنظر إلى وجود قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها، ويجب التكاتف لمساعدتها.
وإن السعي العربي لعودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية "أمر يثلج الصدر"، لاحتلال مقعدها الطبيعيّ باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة، وتنبع أهمية تلك العودة لصالح تكامل التعاون بين الدول العربيّة وتضافر الجهود لدعم العمل العربيّ المشترك، لأنّ عودة سوريا لممارسة دورها سينعكس بأهميّة على العالم العربي بأكمله، كما أن لذلك انعكاسات إيجابية بإحياء فكرة النظام الإقليميّ العربيّ في مواجهة النظام شرق الأوسطي التي تدعو إليه بعض الدول الأخرى.
والمنطقة اليوم تحتاج إلى مثل هذه الدول المؤسسة والمحوريّة، على الرغم من آثار الدمار المتعدد الأوجه الذي سببته الحرب، وباعتبار أنّ سوريا أصبحت ساحة للصراع الإقليميّ والدوليّ، تحتاج إلى مزيد من الجهد العربيّ لإعادتها إلى دورها المحوريّ السابق، فميثاق "جامعة الدول العربيّة" ينص في بعض جوانبه على ميثاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصاديّ، إلا أن مثل هذه البنود لم يتم تطبيقها، بالتزامن مع الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد بعد كل هذا الاستنزاف الاقتصاديّ للدولة السورية، وبعيداً عن الحالة العسكريّة المعقدة بشكل كبير، تحتاج سوريا إلى تضافر الجهود العربيّة لاستقرار الوضع الاقتصاديّ وتجنيبها المزيد من الانحدار والويلات لشعبها، فضلاً عن ضرورة تفعيل العمل الإنسانيّ لإنقاذ الشعب السوريّ، في ظل الوضع العالميّ والكارثيّ إثر انتشار فيروس كورونا المستجد.
وإنّ المؤازرة العربيّة لسوريا في هذه الظروف المأساويّة وهي في بداية نهاية خروجها من أتون الحرب التي دمرت كل مناحي الحياة، هو أقل ما يمكن تقديمه لدمشق، ولا سيما في ظل العقوبات الاقتصاديّة أو ما يصفه السوريون بـ "الإرهاب الاقتصاديّ"، وثمة هامش يمكن للجامعة العربية أن تقوم به وهو الجانب الاقتصاديّ الإنسانيّ الذي ورد في ميثاق جامعة الدول العربية، حيث تحتاج سوريا أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل هذا الجانب الذي سيؤدي الى مواجهة تداعيات الحرب، التي لم تترك فرحاً في أيّ بيت سوريّ.
في النهاية، إنّ عودة سوريا إلى الجامعة العربية أمر وشيك وهي عادت وإن لم تحضر اجتماع القمّة، وقد تأسست جامعة الدول العربيّة في 22 آذار 1945، بهدف الدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، إضافة إلى التحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء، وإن تطبيق ذلك يحول الشرق الأوسط إلى منطقة تتشكل من خلال الدبلوماسية الإقليمية وليس التطورات الدولية، وإن تواصل الدول العربية مع الرئيس بشار الأسد جزء من ذلك، على الرغم من رفض بعض الدول العربية المحدودة، لكن ما يجري ضروري للغاية لإنهاء عزلة سوريا.