الوقت- خلال السنوات الاخيرة شن الكيان الصهيوني الغاصب العديد من الحروب على قطاع غزة، إضافة إلى العديد من العمليات العسكرية داخل الاراضي المحتلة في الضفة الغربية ضد أبناء الشعب الفلسطيني المقاوم، وخلال كل الاعتداءات التي قام بها قادة الكيان الصهيوني ضد أبناء المقاومة كان يهدد ويتوعد بأنهم سيقضون على المقاومة الفلسطينية، ولكن اليوم أصبحت هذه المقاومة تقصف تل أبيب ، وتتسبب في إغلاق مطارها.
وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن، عندما كان المحللون يصفون الاستراتيجية التي تستخدمها إسرائيل ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، استخدم هؤلاء وصفاً مجازياً: في ظل توظيف تل أبيب قوة عسكرية هائلة، كانوا يقولون إن القوات الإسرائيلية "تجز العشب"،و تشير هذه العبارة إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، وتشبّههم، هم وإمداداتهم وتجهيزاتهم من الأسلحة البدائية محلية الصنع، لكنها فعالة، بالعُشب الذي تكون هناك ضرورة لجزّه واجهت هذه التكتيكات انتقادات كبيرة من جماعات حقوق الإنسان الدولية، وفي الغالب بسبب الأعداد غير المتناسبة من الوفيات التي يتسبب فيها هجوم القوات الإسرائيلية ضد الابرياء من أبناء الشعب الفلسطيني.
بعد الفشل الصهيوني في إنجاز أي انتصار ضد أبناء المقاومة اليوم، يعيد الاسرائيليون التلميح والتلويح بسياسة الاغتيال ضد قادة حركات المقاومة، وهنا يتضح من خلال مسار المواجهة أن التلويح بالاغتيال لا يخرج عن سياق إشغال قوى المقاومة في غزة ، ومحاولة أيضا لاستعراض القوة التي يمكن أن تطمئن الجمهور الإسرائيلي المحبط أمام الضربات الأخيرة التي يتعرض لها الكيان، وفشل المؤسسة الأمنية في تقديم تطمينات أمام موجة عمليات المقاومة في العمق والضفة والقدس، وكذلك "زنار" الصواريخ المحيط بالكيان، والذي يمكن القول أنه قدم نموذجا لحضوره ووحدته منتصف شهر رمضان كرد على اقتحام المصلى القبلي في المسجد الاقصى.
ومن الواضح أيضًا، أن الكيان من يريد الهرب إلى الأمام عبر حدث يغطي على الفشل في الضفة والقدس وكذلك في منع الوحدة بين ساحات المقاومة، وكذلك تآكل قوة الردع التي شجعت على المبادرات الأخيرة في أكثر من جبهة، حسب ما تعبر عنه أوساط إسرائيلية، أمنية وسياسية.
"إسرائيل" تعتزم الاستعداد لعودة عمليات الاغتيالات
بعد الفشل الصهيوني في العدوان الاخير على غزة جاءت تعليمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوزراء حكومته بعدم الإدلاء بأي تصريحات بشأن العودة إلى سياسة الاغتيالات لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية في أعقاب الجدل الذي أثارته التصريحات المتكررة لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير التي طالب فيها الأجهزة الأمنية بتنفيذ اغتيالات وتصفيات لقادة المقاومة ردا على تصعيد التوتر الأمني والعمليات المسلحة في الضفة الغربية.
كذلك سبق أن هدد وزير الطاقة والبنى التحتية يسرائيل كاتس بعودة سياسة الاغتيالات ضد قادة فصائل المقاومة في قطاع غزة، قائلا في بيان "إذ استمرت العمليات والهجمات وإطلاق الصواريخ، لا أحد محصن في غزة، وستعود سياسة الاغتيالات إلى الطاولة". وتزامنت تعليمات نتنياهو ومطالب وتهديدات وزراء بحكومته مع ما كشف عنه المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية نير دفوري، مساء السبت، من أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أعادت مجددا إلى طاولة المناقشات استراتيجية وسياسة الاغتيالات لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية. ووفقا لمراسل الشؤون العسكرية، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بصدد إحداث تغييرات جذرية بكل ما يتعلق بسياسة الرد ومواجهة العمليات التي تنفذها فصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك في محاولة منها لإعادة قوة الردع
حماس تحذر الاحتلال الصهيوني
حذّرت حركة المقاومة الإسلامية حماس الاحتلال الإسرائيلي من تفعيل سياسة الاغتيالات ضد قادتها، مؤكدة أن رد المقاومة سيكون "على أي حماقة"أكبر وأوسع مما يتوقعه، وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم، في بيان مقتضب، إن تهديدات الاحتلال بإعادة تفعيل سياسة الاغتيالات هي "محاولة فاشلة لتعزيز صورته بعد تعاظم ثورة الشعب الفلسطيني وتعدد جبهات الفعل المقاوم"، مشددا على أن "يد الاحتلال ليست مطلقة ليمارس إرهابه".وكشفت قناة إسرائيلية، أن إسرائيل تنوي إعادة تفعيل سياسة الاغتيالات في الفترة المقبلة حتى لو تطورت الأمور وذهبت باتجاه التصعيد.ونقلت القناة 12 الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألمح إلى إمكانية العودة لسياسة الاغتيالات في قطاع غزة، في حال تدهور الأوضاع الأمنية.
سياسة الاغتيالات الإسرائيلية القذرة
لقد سعى الكيان الصهيوني منذ البداية للقضاء على المقاومة حضارياً،وتاريخياً وجغرافياً، لقد تعاقب الكثير من القيادات الصهيونية وسعت لتنفيذ هذه الأهداف بأساليب متغيرة ومتجددة، وهنا لابد من القول إن زوال أي شخصية إسرائيلية وبروز شخصية جديدة يزيد الكيان الصهيوني دماء جديدة تدفعه إلى مزيد من التوسع والعدوان، وفي الحالة الفلسطينية، ومن خلال مئات التجارب التي عايشناها أو قرأنا عنها، لا يمكننا الحصول على بحث واحد أو تجربة عملية واحدة تثبت أن سياسة الاغتيالات حققت الردع أو ساهمت في تخفيف حدة القتال، بل على العكس من ذلك، ثبت بالدليل القاطع أن هذه السياسة الخرقاء قادت إلى تأجيج واشتعال المقاومة وتوسيع دائرة المنخرطين فيها والمؤيدين لها في صفوف الشعب، وأدت إلى فقدان الجانب المعتدي كثيراً من أسس ومبادئ الأمن التي يبحث عنها، وفقدانه السيطرة التي هو بأمس الحاجة إليها في كثير من الأوقات.
الأسباب والدّوافع
لقد عاد الكيان الغاصب إلى التلويح بالوسيلة القديمة الجديدة التي تستخدمها أجهزة الأمن الإسرائيلية للتخلَّص من أعدائها، سواء كانوا فلسطينيين أو من جنسيات أخرى. وبعد غياب لفترة ليست قصيرة، عاد العدو لاستخدام أسلوب التصفية الجسدية ضد كوادر المقاومة الفلسطينية في مدن الضفة المحتلة ومخيماتها من دون إعطاء الضحية فرصة الدفاع عن نفسها أو مقاومة عملية تصفيتها، إسرائيل” صاحبة تاريخ طويل في هذا الجانب الدموي الذي تطلق عليه مصطلح “القتل المستهدف” أو “الإحباط الموضعي”،وهي تتذرع على الدوام بأن هذا النوع من العمليات يأتي لمنع هجمات وشيكة، وعندما لا يكون خيار الاعتقال أو إفشال هذه الهجمات بطرق أخرى قابلاً للتنفيذ.يقول مائير داغان، رئيس الموساد السابق، في إطار تبريره استخدام هذه الطريقة: “هذه العمليات جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الدفاعية لمواجهة تهديدات الأمن القومي أو حتى تغيير التاريخ في بعض الأحيان”، فيما تصف مصادر استخبارية إسرائيلية عمليات الاغتيال بأنها عبارة عن “نهج شديد الدقة” لا يُستخدم إلا في حال كان الهدف نوعياً وخطراً، ويمكنه أن يكون فعالاً من حيث تطوير إمكانات العدو (المقاومة) أو رفع منسوب خططه العملياتية وقدراته التسليحية.وقد حاولت الحكومة الإسرائيلية أن تقدم مبرراً قانونياً لتلك العمليات البشعة، إذ قضت المحكمة العليا في “إسرائيل” بأن القتل المستهدف” هو أحد أشكال الدفاع عن النفس المشروعة ضد من وصفتهم بـ”الإرهابيين”.ويعدّ أسلوب الاغتيال في الفكر الإسرائيلي سلوكاً أساسياً وأداة جوهرية تتقدم أحياناً على أدوات أخرى كأولوية لا غنى عنها.
وتملك الأجهزة الأمنية والاستخبارية في “إسرائيل” خبرة كبيرة في هذا المجال الذي مارسته قبل تأسيس كيانها الغاصب وفي “إسرائيل”، يصنّفون عمليات الاغتيال في خانة “العمليات الخاصة” وشديدة الخصوصية، لأنها لا تتم إلا تحت غطاء كثيف من السرية والكتمان اللذين يحققان بدورهما عامل مفاجأة للهدف المراد اغتياله لذلك، لا بد من أن يتم التخطيط للاغتيالات وتنفيذها بقرار رفيع المستوى، وبأداء وتنفيذ عالي التجهيز والتدريب والمهارات.وقد تولًّت فرق الاغتيال التابعة لجهاز الموساد “الاستخبارات الخارجية” تنفيذ العمليات خارج الأراضي المحتلة، في حين تولت وحدات المستعربين، مثل “اليمّام والدوفدفان” وغيرها، وبإشراف وتوجيه من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”، عمليات الاغتيال في المدن الفلسطينية.هذه الوحدات التي تم تشكيلها إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى بأمر مباشر من وزير الأمن الإسرائيلي في حينه، إسحق رابين، والتي كان يطلق عليها “فرق الموت”، نفذت أكثر من 460 عملية اغتيال خلال السنوات العشرين الأخيرة، فيما بلغت تلك العمليات منذ تأسيس “إسرائيل” أكثر من 2900 عملية.
العواقب
وبناءً على ما تقدم، يمكننا أن نقول إن استخدام “إسرائيل” هذه الطريقة التي تعتمد على عمليات الاغتيال يعتبر سلاحاً ذا حدين، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية على النقيض تماماً مما يسعى إليه العدو الصهيوني، وهذا ما يشير إليه الجنرال والفيلسوف الصيني الشهير، سون تزو، في كتابه الذي يحمل عنوان “فن الحرب”، إذ يقول: “هناك مؤشرات واضحة وصريحة حول أهمية دور القائد العسكري في التأثير في الروح المعنوية لجنوده، وكيف يمكن لمقتل قائد واحد في بعض الأحيان أن يكسر شوكة جيش عملاق، ولكن في المقلب الآخر يمكن لهذا الاغتيال أن يكون حافزاً لرفع الروح المعنوية والقتالية لجنوده المطالبين بالثأر والانتقام”.
وهنا لا يمكن القول إن الإسرائيليين لا يضعون في حساباتهم أمرا كهذا والحذر واجب، لكن المؤشرات تبين أن الحملة هدفها طمأنة الداخل أقله في إبداء الاستعداد لأي استحقاق أو تطور عسكري وأمني، وفي المحصلة، يجب الإشارة إلى أن أي عملية اغتيال لشخصية فلسطينية في الداخل أو الخارج ستكون لها تبعاتها، إن لناحية الرد عليها ونوعيته، أو للمكان الذي سينطلق منه الرد، وما يمكن أن ينتج عنه الذهاب نحو مواجهة متدحرجة، الظروف مهيأة لها.
في النهاية يدرك الكيان الصهيوني أنه يمارس لعبةً نفسية مع العرب والفلسطينيين، وأنه يحاول أن يلقي الرعب والوهن في قلوب الفلسطينيين، من خلال ادعاءاته وأباطيله، بأن يده طويلة، وذراعه الأمنية قادرة على الوصول إلى كل مكان، وتنفيذ ما يريدون، ولكن هيهات له أن يحقق مراده، وأن يصل إلى غاياته، فنحن نعلم أن يده قاصرة عن الوصول إلى كل أهدافهم، وأنهم أضعف من أن يحققوا على المقاومة انتصاراً ناجزاً، أو أن ينزلوا بها هزيمة ماحقة، فالمقاومة ورجالها الذين استطاعوا أن يحافظوا على بنيتهم وهياكلهم لسنواتٍ طويلة، يدركون أن معركتهم مع الكيان الصهيوني معركة طويلة، وأنها لم تحسم بعد، وأنه على الطريق سيسقط شهداء في المواجهة، وآخرون قتلاً واغتيالاً، وسيقضي آخرون نحبهم دون سببٍ لوفاتهم إلا انتهاء آجالهم، ولكنهم سيكونون شهداء كغيرهم، لا ينقص الموت من قدر شهادتهم شيئاً، وأثناء ذلك فإن المقاومة ستكون للعدو بالمرصاد، تتعقبه وتلاحقه وتواجهه، ولن يضيرها شيئاً أن تعترف بسقوط بعض رجالها غيلةً وغدراً على أيدي المخابرات الإسرائيلية، ولكنها لن تمنحهم نصراً مزعوماً، وكسباً موهوماً، ولن تتردد عن كشف الحقائق، وتسليط الضوء على الملابسات، وتكذيب أبواقه الإعلامية والأمنية إذا حاولت تبني حالة وفاة أو غرق أو موتٍ نتيجة لحادثٍ مروري، لئلا يغتر العدو بنفسه، ويوهم شعبه أنه من نفذ وقتل، وأنه من عذب وعاقب.