الوقت - لقد واصل الکيان الصهيوني، الذي يحكمه هيكل أمني للغاية، أنشطته النووية بهدوء ويعتبر أكثر الدول سريةً في مجال الأنشطة النووية غير السلمية، لكن في الوضع الحالي حيث اشتعلت الأجواء السياسية والاجتماعية في الأراضي المحتلة، أزال بعض المسؤولين السابقين في هذا الکيان كل الغموض وبدؤوا في فضح هذا النوع من الأنشطة.
وعلى الرغم من أن كل شيء حتى الآن عن وجود الأسلحة النووية للکيان الصهيوني كان قائمًا على التكهنات ولم تكن هناك معلومات عنها، إلا أن صعود المتطرفين على رأس تل أبيب أدى أخيرًا إلى كشف الحقيقة. واعترف إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق في الکيان الصهيوني، الثلاثاء الماضي، بأن الکيان لديه قنبلة نووية.
قال باراك في هذا الصدد: "في الآونة الأخيرة، في المفاوضات بين الإسرائيليين والدبلوماسيين الغربيين، أثيرت مخاوف بشأن وقوع انقلاب في إسرائيل، قد يؤدي إلى تشكيل دكتاتورية متطرفة في قلب الشرق الأوسط، وفي إسرائيل التي لديها أسلحة نووية".
ومن خلال إعادة نشر تصريحات باراك المثيرة للجدل، أعلنت صحيفة معاريف: "تحدث إيهود باراك عن تسلح إسرائيل بالأسلحة النووية، بينما لم يكن الهيكل الرسمي على استعداد لإعلانه رسميًا، ولسنوات عديدة انتهج سياسة الغموض فيما يتعلق بالسلاح النووي".
وأكدت الصحيفة أنه في عام 2001، عندما أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الحالي للکيان الصهيوني، في مفاوضات مغلقة، أنه يجب علينا أن نضع جانبًا الغموض النووي ونعلن أن إسرائيل قوة نووية، قوبلت تصريحات نتنياهو في ذلك الوقت برد فعل أرييل شارون، رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، الذي قال إن كل من يثير مثل هذه القضايا يجب أن يحاكم مثل مردخاي فعنونو.
ويأتي هذا الاعتراف من باراك بينما تقوم تل أبيب بتوسيع برامجها في هذا المجال لعدة عقود خارج معاهدة حظر الانتشار النووي، وبدعم من الغرب. حتى الآن، لم يسمح الصهاينة بنشر الأخبار النووية في وسائل الإعلام، لأن هناك حساسيات كثيرة بشأن وجود أسلحة "إسرائيل" النووية في المنطقة والعالم.
تواطؤ واشنطن - تل أبيب من أجل السرية
يأتي الكشف عن وجود أسلحة نووية في الأراضي المحتلة، بينما في أوائل الستينيات صرح ديفيد بن غوريون، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، لجون كينيدي رئيس الولايات المتحدة، بأن المفاعل الذي تبنيه "إسرائيل" في ديمونا لأغراض سلمية.
في ذلك الوقت، أرسلت الولايات المتحدة مفتشين للتحقيق في موقع ديمونا في فلسطين المحتلة، لكن الإسرائيليين خدعوهم وقاموا ببناء جدران وهمية لإخفاء الممرات المؤدية إلى مصنع إعادة المعالجة تحت الأرض.
وفي نهاية العقد نفسه انفضح الصهاينة، وخلصت وكالة المخابرات المركزية إلى أن هذا الکيان لديه رؤوس حربية نووية، ولهذا السبب كان هناك تواطؤ بين السلطات في واشنطن وتل أبيب.
ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، اتفق الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون ورئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير في أوائل السبعينيات، على أنه لا الولايات المتحدة ولا "إسرائيل" ستعترفان بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، ولن تضغط واشنطن على إسرائيل للمراقبة الدولية لهذا البرنامج.
وبعد أكثر من 50 عامًا على هذه الاتفاقيات، ظل الرؤساء الأمريكيون ملتزمين بها، في حين يعتقد الباحثون أن تل أبيب اختبرت سلاحًا نوويًا في المحيط الهندي عام 1979 وأخفته واشنطن.
بدء البرنامج النووي للکيان الصهيوني
كان الکيان الصهيوني، الذي كان محاصرًا أمنيًا في المنطقة منذ تأسيسه عام 1948، يحاول تحسين قوته العسكرية وصد شبح التهديدات الخارجية من الأراضي المحتلة، ولهذا السبب ركز على الفور على تطوير الأسلحة النووية كسلاح استراتيجي ورادع من أجل زيادة أمن حدوده.
دافيد بن غوريون، الذي فهم جيدًا الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، اعتبر أن امتلاك أسلحة ذرية هو ضمان لأمن الصهاينة المحتلين. لذلك، بدأ الکيان سراً أنشطته النووية بمساعدة فرنسا، وخلال الاتفاقات المبرمة في عام 1956، قامت فرنسا بتدريب العلماء الصهاينة في المراكز الذرية لهذا الکيان، وباعت المفاعل النووي واليورانيوم المخصب إلى تل أبيب.
يعتقد بعض الخبراء في المجال العسكري أن الکيان الإسرائيلي ربما يكون قد حقق تكنولوجيا صنع الأسلحة النووية في الفترة 1966 و1967، وبالتالي أصبح هذا الکيان هو اللاعب السادس في العالم المجهز بالأسلحة النووية.
والحروب المتكررة بين العرب والکيان الصهيوني، جعلت الصهاينة متأكدين من ضرورة استكمال مشروع صنع السلاح النووي في أسرع وقت ممكن. وحسب التقارير، فقد تحقق هذا المشروع بعد حرب الأيام الستة عام 1967، لكن أخباره لم تنشر في وسائل الإعلام.
لم يعرف أي بلد عن التقدم المحرز في البرامج النووية لهذا الکيان، إلا أنه في عام 1986 قدم مردخاي فعنونو، الفني في محطة الطاقة النووية في ديمونا، في مقابلة مع صحيفة "صنداي تايمز"، للمرة الأولى، معلومات وصورًا سريةً لمحطة الطاقة هذه والرؤوس النووية الإسرائيلية.
وبما أن سلطات تل أبيب كانت تحاول منع تسرب معلومات الأسلحة الاستراتيجية، اختطفت وكالة التجسس التابعة للموساد فعنونو لمنع المزيد من الانكشاف، وحكمت عليه بالسجن 18 عامًا بتهمة الخيانة والتجسس، وكان إفشاء فعنونو آخر المعلومات التي تم الإبلاغ عنها حول برنامج تل أبيب النووي في العالم.
وعلى الرغم من أن السلطات الصهيونية لم تؤكد قط امتلاكها أسلحة نووية، إلا أنه وفقًا لتقارير غير رسمية، يمتلك هذا الکيان ما بين 80 و 200 رأس نووي. ويقال أيضًا إنه بالإضافة إلى هذا العدد من الرؤوس الحربية، يمتلك الکيان كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم، ما يسمح له بإنتاج 100 قنبلة ذرية أخرى، وكل هذه الأنشطة تتم بعيدًا عن متناول المنظمات الدولية.
واجب ثقيل على عاتق المجتمع الدولي
على الرغم من انضمام العديد من الدول غير النووية إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية(NPT)، وأن جميع الأنشطة النووية لهذه الدول تخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن الکيان الصهيوني رفض حتى الآن الانضمام إلى هذه المعاهدة.
منذ الخمسينيات من القرن الماضي، تبنى الکيان الصهيوني سياسةً غامضةً، ولا يزود حتى الولايات المتحدة بمعلومات حول ملفه النووي. انضم الکيان إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 1957، لكنه لم يوقع على البروتوكولات الإضافية للوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 1972 بشأن حظر استخدام وإنتاج الأسلحة البيولوجية.
يمتلك الکيان الصهيوني حوالي 7 محطات للطاقة النووية، أهمها ديمونا، وحتى الآن لم يُسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة أنشطة هذا الکيان في هذه المراكز. إضافةً إلى ذلك، يعارض الکيان الصهيوني التوقيع على أي اتفاقية لحظر انتشار الأسلحة النووية والتي وقعتها الحكومات العربية.
حتى الآن، تسبب الغموض الموجود حول الأسلحة الاستراتيجية للکيان الصهيوني في ظهور منطقة غرب آسيا خاليةً من الأسلحة النووية، وکان هذا هو الانطباع الذي کان يُفهم من التصريحات المزدوجة للمسؤولين الأمريكيين، لكن هذا ليس هو الحال، وحقيقة أن الکيان مجهز بالأسلحة النووية کان قد ثبت لدول المنطقة.
لذلك، بعد اعتراف أيهود باراك، فإن أي أعذار من المؤسسات الدولية ذات الصلة غير مقبولة الآن، وبعد هذا يجب على المجتمع الدولي تحمل المزيد من المسؤولية في هذا الصدد.
وبينما تستمر الدول الغربية ومسؤولو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في خلق جو سياسي وإعلامي ضد أنشطة إيران النووية السلمية منذ سنوات، فقد أغمضوا أعينهم تمامًا عن أنشطة الکيان الإسرائيلي النووية غير السلمية في نهج متناقض.
في آذار (مارس) الماضي، كرر رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الذرية، الاتهامات ضد إيران وادعى أنه لا يستطيع تفتيش المنشآت النووية للکيان الصهيوني، لأن هذا الکيان ليس عضواً في معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو نهج أظهر بوضوح زيف مواقف الحكومات الغربية في دعم عدم الانتشار النووي.
بالإضافة إلى الأسلحة النووية، قام الکيان الصهيوني أيضًا بتخزين أسلحة كيماوية في ترساناته، والتي يتم تصنيعها بشكل سري. قبل بضع سنوات، كشفت مجلة "فورين بوليسي" عن وثيقة جمعتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية(سي آي إيه) في أوائل الثمانينيات، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطتها أمريكا من المنشآت العسكرية للکيان الصهيوني تطور وتخزين غاز الأعصاب، وهناك أيضًا منشآت أخرى لإنتاج الأسلحة الكيميائية داخل الصناعات الكيماوية الإسرائيلية، التي تنتج غاز الخردل وأنواعا أخرى من الغازات من نوع السارين.
لذلك، فإن الصمت العالمي ضد نظام الفصل العنصري هذا، الذي لا يخجل من ارتكاب أي جرائم ضد الشعب الفلسطيني ويبدأ الحرب والاعتداء على جيرانه دائمًا، سيزيد من خطر سباق التسلح والانتشار النووي في المنطقة.