الوقت- قبل عدة ايام، أعلنت إيران والسعودية، في بيان مشترك، الاتفاق على استئناف الحوار والعلاقات الدبلوماسيةـ وإعادة فتح السفارتين في البلدين، في غضون شهرين. ووفق البيان المشترك، فإنّ "استئناف الحوار بين طهران والرياض يأتي استجابةً لمبادرة من الرئيس الصيني"، خلال لقاءات ومفاوضات إيرانية سعودية جرت بين 6 و10 آذار/مارس الحالي في بكين. وأعرب البلدان عن تقديرهما استضافة الصين للمحادثات الأخيرة ودعمها لها، وامتنانهما للعراق ولسلطنة عمان بسبب استضافة المحادثات بين الجانبين، خلال عامي 2021 و2022.
ووفق البيان، فإنّ طهران والرياض أكدتا مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين، وتنفيذ اتفاقية التعاون الأمني الموقَّعة عام 2001 ولقد نقلت وسائل إعلام العدو عن مسؤول صهيوني كبير تحدث أمس الى الصحفيين الذين يرافقون نتنياهو خلال زيارته إلى روما قوله إن "الاتفاق بين السعودية وإيران هو نتيجة شعور المملكة بأن الولايات المتحدة والحكومة السابقة في "إسرائيل" أظهرتا ضعفًا تجاه إيران". وحسب كلامه، فإن الاتصالات بين إيران والسعودية بدأت في العام 2021 خلال فترة الحكومة السابقة في "إسرائيل"، عندما أرادت الولايات المتحدة تحقيق اتفاق نووي جديد مع إيران.. لذلك، لجأ السعوديون أيضًا إلى الصين كقوة موازنة للولايات المتحدة.
وفي ظل تداعيات الاتفاق السعودي - الإيراني، يتفق الخبراء والمراقبون أن واشنطن تسعى لعرقلة المسار، بما في ذلك استخدام العديد من الأوراق ضد الرياض بشكل خاص. أول المؤشرات التي تكشف توجه واشنطن لاستخدام أوراقها ومزاعمها تجاه الرياض، تتمثل في مشروع يسمح للكونغرس بالتصويت لطلب معلومات حول ممارسات حقوق الإنسان في بلد معين. وقدم عضوان في مجلس الشيوخ أحدهما من الحزب الديمقراطي والآخر من الحزب الجمهوري مشروع قرار، الأربعاء الماضي، ربما يؤدي إلى إعادة تقييم المساعدة الأمنية الأمريكية للسعودية
وقدم الديمقراطي، كريس ميرفي، والجمهوري، مايك لي، مشروع القرار بموجب بند من قانون المساعدة الخارجية يسمح للكونغرس بالتصويت لطلب معلومات حول ممارسات حقوق الإنسان في بلد ما. وإذا نال مشروع القرار الموافقة، سيتعين على الإدارة الأمريكية تقديم التقرير في غضون 30 يوما، أو تتوقف جميع المساعدات الأمنية للبلد تلقائيا، وهو ما يفسره الخبراء بأنه أول رد فعل من واشنطن على الخطوات التي قامت بها الرياض مؤخرا.
مواقف الرياض من واشنطن
اللواء عيسى آل فايع، الخبير العسكري السعودي، يرى أن مواقف المملكة العربية السعودية لم تكن طوال السنوات الماضية محل "ردود أفعال" للإدارة الأمريكية، لكنها تنطلق من باب المصلحة الوطنية. بشأن النهج الأمريكي في الوقت الراهن تجاه المنطقة والسعودية تحديدا، يوضح الخبير العسكري، أن بايدن ومنذ وصوله للحكم بادر بإجراءات سلبية، منها وقف الأسلحة الهجومية للمملكة، بما يؤكد ازدواجية المعايير لدى واشنطن، وخاصة أنها لا تتعامل بنفس المنطق مع العديد من البلدان التي تعاني من أزمات كبرى وفق حديثه، فإن السعودية كانت على تواصل وحوار دائم مع واشنطن بشأن قضايا المنطقة وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، لكن الإدارة الأمريكية منذ عهد أوباما توجهت لآسيا بشكل أكبر بما خلق الفراغ الاستراتيجي في المنطقة. ويرى آل فايع أن توجه السعودية للحفاظ على مصالحها وأمنها القومي يفسر بشكل خاطئ بقدر أكبر من الحزب الديمقراطي الذي يرفع بعض الشعارات في مقدمتها حقوق الإنسان، والتي تهدف لاستفزاز المنطقة والسعودية.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إنّ "استئناف العلاقات بين الرياض وطهران ينطلق من رؤيتنا القائمة على تفضيل الحلول السياسية". وأضاف ابن فرحان إنّ دول المنطقة "يجمعها مصير واحد وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك معاً في بناء أنموذج للازدهار والاستقرار".
ومن جهته، قال مستشار الأمن الوطني السعودي، مساعد العيبان، إنّ السعودية ترحّب بمبادرة الرئيس الصيني لتطوير العلاقات بين المملكة وإيران. وأشار العيبان إلى أنّ "الاتفاق السعودي الإيراني تتويج للمباحثات التي أُجريت خلال الأسبوع الحالي"، مشدداً على أنّ الرياض حرصت على أن يكون الاتفاق مع إيران في إطار الروابط الأخوية، كما حرصت على فتح صفحة جديدة، والالتزام بشأن المواثيق الدولية. ووفق مستشار الأمن الوطني السعودي، فإنّ "الاتفاق السعودي - الإيراني يُعَدّ ركيزة في تطور العلاقات بين الدول، وتعزيز الاستقرار في المنطقة".
فشل واشنطن في المنطقة
استخدمت واشنطن ورقة حقوق الإنسان في محطات عدة ومع أكثر من دولة، إضافة إلى ورقة المساعدات التي يراها الخبراء محل ابتزاز للدول. في الإطار، يشدد الخبير العسكري أنه حال العمل ضمن آلية رفع مثل هذه الشعارات في الكونغرس للضغط على السعودية والخليج، فإن الخيارات متعددة ومتاحة. مؤكدا أن واشنطن لا يمكنها تغيير القرارات الاستراتيجية والحقوق السيادية التي تتخذها الدول وفي مقدمتها السعودية.
ومنذ سنوات عملت واشنطن والغرب على تقسيم المنطقة وتفتيتها واتضح ذلك بشكل أكبر في عام 2011، وكان دعمهم للجماعات الإرهابية والمؤدلجة في إطار تقسيم الشرق الأوسط، وما عرف اصطلاحا، بـ"الشرق الأوسط الجديد". في الإطار، قال العميد عبد الله العسيري، الخبير العسكري السعودي، إن المجتمع الدولي يدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد أداة ناجحة في تثبيت ركائز الأمن والاستقرار العالمي ووفق الخبير السعودي، إن بايدن ومنذ استلامه الرئاسة يؤكد فقدان البوصلة السياسية الحقيقة والصحيحة، في حين أن الدول لن تنتظر واشنطن للتدخل في مصالحها، مشيرا إلى أن السياسة السعودية تنطلق من مصالحها وثوابتها، وأنها تبحث عن الأمن والاستقرار في المنطقة.
مرحلة جديدة
تشير التوقعات إلى أن واشنطن قد تتجه لاستخدام العديد من الأوراق بشكل غير مباشر تجاه المملكة، على غرار مشروع القرار المنظور في الكونغرس. حسب العسيري فإن واشنطن مطالبة باحترام الاتفاق مع إيران، باعتباره ضمن المواثيق الدولية، وأن أي محاولات من شأنها عدم احترام ما جرى يفقدها الكثير من مكانتها الدولية. ويشير الخبير العسكري السعودي إلى أن الترحيب بواشنطن في الوقت الراهن يتطلب منها تغيير سلوكها السياسي، واحترام الدول العالمية وفي مقدمتها روسيا والصين.
فيما يقول المحلل الاستراتيجي محمد سعيد الرز، إن مرحلة الشرق الأوسط الجديد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية انتهت. ووفق حديث الرز، فإن المرحلة الأولى تبناها الغرب واعتمدت نهج تقسيم المنطقة العربية، وبعض دول الشرق الأوسط إلى دويلات ضعيفة متصارعة فيما بينها، والكثير من المراحل الأخرى كانت تهدف لإقامة جبهة عربية-غربية -إسرائيلية ضد الشرق بزعامة الصين وروسيا ومن ضمنه إيران.
وحسب الرز فإن جميع الوقائع أدركتها المنظومة العربية، وأمام كل التطورات يرى الخبير الاستراتيجي، أن واشنطن تضع كل ثقلها لعرقلة كل التحولات الجارية، وأن بداية محاولاتها جاءت عبر مشروع جديد للكونغرس باعتبار السعودية دولة مصادرة لحقوق الإنسان. وتسعى واشنطن لعرقلة أي تقارب بين الصين مع الشرق الأوسط، وكذلك بالنسبة لروسيا، لكن الخبير الاستراتيجي يشير إلى عدم قدرتها على ذلك، نظرا للتداعيات الاقتصادية المترتبة على إفلاس بعض البنوك في الداخل الأمريكي، فضلا عن انشغالها بالأزمة الأوكرانية.