الوقت - بعد تصاعد التوتر بين الفصائل الفلسطينية والكيان الصهيوني في الأسابيع الأخيرة، والذي تسبب في تهديدات خطيرة للأراضي المحتلة، شعر مسؤولو البيت الأبيض بالقلق واتخذوا خطوات لإخماد هذه الأزمة وضمان أمن الصهاينة.
في هذا الصدد، ذهب وزير الخارجية أنطوني بلينكين ومدير وكالة المخابرات المركزية وليام برينر إلى الأراضي المحتلة لإدارة الأزمة عن كثب. وفي لقاء مع كبار المسؤولين في الكيان الصهيوني، تعهد بلينكن مرة أخرى بدعم واشنطن الثابت لهذا الكيان، ثم توجه للقاء محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، من أجل تشجيع هذه المنظمة على مواصلة نهجها التوفيقي ومواجهة اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة في الضفة.
وحسب وسائل الإعلام، أعلن محمود عباس مرة أخرى في هذا الاجتماع، في حالة من عدم التصديق التام، عن استعداده للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل إحياء مفاوضات الحل الوسط ذات المبرر السياسي المتمثل في "إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ". ووقف البناء الاستيطاني وإلغاء غرامات الكيان الصهيوني، بما في ذلك وقف دفع عائدات الضرائب لمنظمات الحكم الذاتي وإيجاد منظور سياسي لحل الصراع بين فلسطين والكيان الصهيوني، كانت من بين المطالب المهمة لرئيس منظمة الحكم الذاتي لوزير الخارجية الأمريكية، والتي أثيرت في هذه الاجتماعات.
كما قال محمود عباس في لقاء مع وليام بيرنز، رئيس وكالة المخابرات المركزية، إنه على الرغم من الإعلان عن التعليق الكامل للتعاون الأمني مع الكيان الصهيوني، فإن جزءًا من التنسيق الأمني مع هذا الكيان لا يزال ساريًا ويتم تنفيذه. هذا بينما أعلنت منظمة الحكم الذاتي قبل أيام ردا على هجمات القوات الصهيونية على منطقة جنين أنها ستعلق مؤقتا التعاون الاستخباري مع تل أبيب، إلا أنها نفسها تواصل خدمة الصهاينة.
وحسب الأنباء المسربة، دخلت واشنطن في قمة النقب من باب حل المشاكل الاقتصادية لمنظمة الحكم الذاتي من أجل إقناع محمود عباس بالعمل مع الصهاينة للسيطرة على الوضع في الضفة الغربية وأيضاً لإقناعه بحضور الاجتماع الذي سيعقد في المغرب. عقد هذا الاجتماع، الذي يعتبر مهمًا في نظر الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من أجل إحياء عملية التطبيع، قد وضع في جو من عدم اليقين بسبب الإعلان عن معارضة منظمات الحكم الذاتي لحضوره، لأن الأردن أعلن أنه إذا لم يحضر القادة الفلسطينيون هذا الاجتماع فلن يشاركوا فيه.
وحسب تقارير إعلامية، قدم رئيس وكالة المخابرات المركزية اقتراحات لعباس ركزت على الخطط الاقتصادية. في هذا الاجتماع، طلب ويليام بيرنز من عباس وقف عمليات الفلسطينيين، لكن عباس قال إنه بسبب مشاكل مالية واقتصادية، لا يمكنه حتى تنظيم والتحكم في قواته. هذا بينما فرض الكيان الصهيوني منذ أسبوعين عقوبات على المنظمة المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي بموجبها سيتم قطع 39 مليون دولار من المساعدات المالية عن هذه المنظمة، وجعل الوضع صعبًا على عباس وأصدقائه.
وبناء على ذلك، يبدو أن محمود عباس مستعد لتفريغ ظهر المقاومة الشعبية التي تشكلت في الضفة مرة أخرى مقابل الحصول على حفنة من الدولارات.
سعي عباس للبقاء في الساحة
تأتي لعبة محمود عباس في مجال المصالح السياسية والأمنية للكيان، بينما لم يعد هو والمنظمات تحت إدارته يتمتعون بالشرعية والمكانة بين الفلسطينيين. الجماعات الفلسطينية المقيمة في الضفة الغربية، وبسبب سياسات عباس التوفيقية وتعاونه مع المحتلين، تتحرك بالتوازي مع المؤسسة، بل انفصل العديد من الشباب في صفوف المقاومة عن جسد قوات الأمن التابعة للتنظيم نفسه، لأنه وفقًا للتجربة الفاشلة لعقود عديدة من المساومة أدركوا أن الطريقة الحقيقية الوحيدة لتحرير الأراضي المحتلة هي الكفاح المسلح.
الآن الفلسطينيون لا يعتبرون التنظيم ممثلهم في الساحة الدولية، وأي مساومة يقدمها محمود عباس مع العدو الصهيوني لا قيمة لها بالنسبة للفلسطينيين ولن يوافقوا عليها. تعاون عباس مع الصهاينة هو خيانة لا تغتفر لقضية القدس من وجهة نظر الفلسطينيين، وهذه الخدمة الطيبة تتم في وقت يزيد فيه كيان الاحتلال من حجم جرائمه في الضفة الغربية وقطاع غزة كل عام. وكل يوم. لذلك، كلما لعب عباس في أحجية تل أبيب، ازداد غضب الفلسطينيين وحقدهم عليه وعلى السلطة الفلسطينية.
إعادة الأمل بأمريكا الناكثة
من الواضح أن أمريكا داعمة للكيان الصهيوني وفي أي عملية تسوية بين فلسطين وهذا الكيان، فإنها ستأخذ جانب الصهاينة لضمان مصالحها، وثقة عباس المتجددة بالأميركيين تأتي لأنه يشعر وكأنه خسر بالكامل ومهمش أثناء هذه التطورات في فلسطين وبالتالي يتشبثون بأي خيط لاستعادة الشرعية وموطئ قدم في هذه التطورات.
ثلاثون عاما مرت على اتفاقية "أوسلو"، لكن الولايات المتحدة، بصفتها الضامن لتطبيق هذه الاتفاقيات، لم تتخذ أي إجراء لتطبيق بنودها، والتي تمثلت في إقامة دولة فلسطينية مستقلة. لذا هذه المرة، يعتبر ادعاء واشنطن بتأييد حل الدولتين وعداً فارغاً لإقناع عباس بالتعاون مع تل أبيب مرة أخرى ولإذكاء الخلافات في المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي لا يفيد إلا الكيان الصهيوني.
إن انتقاد المسؤولين في مجلس الوزراء الصهيوني المتشدد لرحلة بلينكن هو نوع من حرب ذهنية لتشجيع منظمات الحكم الذاتي على جدية شعارات السلطات الأمريكية الداعمة لتشكيل دولة فلسطينية مستقلة وقيادة لهم في عملية التطبيع والتسوية.
وبينما يتمسك محمود عباس مرة أخرى بوعود أمريكا الفارغة، فإن الأدلة تظهر أنه حتى البيت الأبيض لم يبتعد عن المؤامرة الصهيونية لإزاحته وتنصيب شخص أقرب إلى فتح لقيادة هذا الاتجاه. وكشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، نقلاً عن وثائق بريطانية، أنه بعد تصاعد الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2001، سعى جورج دبليو بوش لإيجاد بديل لياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل.
وجاءت هذه الإجراءات في موقف قدم فيه عباس العديد من الخدمات القيّمة للمحتلين، ومن اعتقال عناصر حماس وتسليمهم إلى تل أبيب إلى معارضة إجراء انتخابات نيابية ورئاسية في فلسطين، كانت جميعها تتماشى مع أهداف الكيان الصهيوني. لذلك، تعتبر أمريكا منظمة الحكم الذاتي أداة يساعد تنسيقها الاستخباراتي مع الكيان الصهيوني على منع عمليات المقاومة وزيادة السلام في الضفة الغربية، وكالعادة، استخدموا محمود عباس في هذه اللعبة أحادية الجانب بوعود فارغة.