الوقت - الکيان الصهيوني الذي وضع مواجهة نفوذ إيران وقوتها في المنطقة على رأس جدول أعمال سياسته الخارجية، استأنف أعماله الهدامة.
وفي أحدث عملية، هاجمت عدة مسيرات صغيرة مساء السبت الماضي، ورشة إنتاج الذخائر في مدينة أصفهان الإيرانية، والتي فشلت في تحقيق أهدافها برد فعل النظام الدفاعي الموجود في هذا المجمع الدفاعي.
وحسب البيان الصادر عن وزارة الدفاع الإيرانية، فإن هذه المسيرات الصغيرة لم تنجح في تنفيذ عملياتها ولم تكن هناك إصابات، وتضرر فقط سقف أحد صوامع مركز الذخيرة هذا بشكل طفيف.
على الرغم من أن السلطات الصهيونية لا تتحمل رسميًا المسؤولية عن العديد من هذه العمليات التخريبية خشية رد فعل إيران، إلا أن وسائل الإعلام والسلطات الغربية اعترفت دائمًا بتورط الکيان الصهيوني في هذه الأعمال.
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مسؤولين بواشنطن، إن الکيان الصهيوني يقف وراء العملية التخريبية في أصفهان.
لأكثر من عقد من الزمان، كانت مختلف الحکومات الصهيونية مهتمةً بشأن كيفية موازنة التهديد ضد القوة المتزايدة للجمهورية الإسلامية للضغط على تل أبيب.
نتنياهو الذي يعتبر إيران العدو من الدرجة الأولى للکيان الصهيوني، ولا يمرّ يوم لا يستخدم فيه كلمة إيران، خلال السنوات الخمس عشرة التي قضاها كرئيس للوزراء، توعد دائمًا بشن هجوم شامل على المنشآت النووية الإيرانية، بدعم من مسؤولي البيت الأبيض، ومع ذلك نظرًا لإدراك الجميع للقوة الرادعة العالية للقوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية والنفوذ الإقليمي لطهران،لم يتخذ لا الکيان الصهيوني ولا الولايات المتحدة أي خطوة لتحقيق هذا الوهم.
والاغتيال الجبان لعلماء نوويين، وعدة أعمال تخريبية في منشآت نووية، وكذلك التجسس على مراكز عسكرية ونووية إيرانية، هي جزء من استراتيجية "الموت بألف طعنة" التي اتخذتها تل أبيب للتعامل مع إيران.
دائماً ما تبالغ السلطات ووسائل الإعلام الصهيونية في عمليات التخريب الطفيفة في إيران، وفي كل مرة تزعم أنها تمكنت من عرقلة طريق النمو السريع لقوة إيران العسكرية وبرنامجها النووي السلمي. لكنهم بعد فترة وجيزة يعودون إلى الروتين القديم المتمثل في إعلان عجزهم أمام التطورات النووية والدفاعية لإيران.
بطبيعة الحال، لا يمكن تجاهل الهجمات المضادة الإيرانية، التي ترفض طهران نشرها في وسائل الإعلام بسبب الظروف الدولية، والتي تذكر الصهاينة بعجزهم.
أوراق إيران في فلسطين
خلال هذه السنوات، أظهر الکيان الصهيوني أنه بصرف النظر عن هذه الحالات القليلة المثيرة للاشمئزاز، ليس لديه خيار آخر لضرب إيران، ولكن من ناحية أخرى، فإن الضربات التي يتلقاها واحدةً تلو الأخرى من إيران ومحور المقاومة، هي أكثر بكثير من إنجازاته.
يواجه الكيان الصهيوني الآن موجةً جديدةً من المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة، سلبت النوم من أعين قادة تل أبيب. والعمليات الاستشهادية التي يقوم بها الشباب الفلسطيني والتي تتزايد يوماً بعد يوم، تعادل وحدها كل التخريب الذي قام به هذا الكيان في إيران.
وفي هذا الصدد، أعلن اللواء قاآني، قائد فيلق القدس، مؤخرًا أن ما بين 40 و 50 عملية تتم ضد المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية وحدها كل أسبوع. وهذا العدد من العمليات في منطقة صغيرة من الأراضي المحتلة هو إحصائية مروعة للصهاينة، وهذه العمليات لا تزال تتوسع.
وفي مثال على هذا النوع من العمليات الاستشهادية التي نفذت يوم الجمعة الماضي، قتل 9 مستوطنين وجرح جندي آخر، وهو أمر غير مسبوق في العقد الماضي، حسب سلطات هذا الکيان.
لقد ازداد عدد العمليات الفلسطينية بشكل كبير في العام الماضي، لدرجة أن تل أبيب اضطرت إلى اللجوء إلى خيارها الأخير، وهو تسليح المستوطنين حتى يتمكن كل صهيوني من الدفاع عن نفسه. وهذا يدل على عجز القوى الأمنية الإسرائيلية، التي على الرغم من كونها مجهزة بأسلحة متطورة وأفضل الأقمار الصناعية وأجهزة مراقبة الاتصالات والتجسس، إلا أنها غير قادرة على السيطرة على منطقة صغيرة.
ونشرت السلطات الأمنية الصهيونية، مؤخرًا، تقريرًا عن خسائرهم في عام 2022، اعترفت فيه بمقتل أكثر من 30 صهيونيًا على أيدي الفلسطينيين، وإصابة عشرات آخرين، وهو ما يمثل عامًا دمويًا ومظلمًا للکيان الإسرائيلي. وبما أن الصهاينة لا ينشرون إحصائيات دقيقة عن عدد ضحاياهم، فلا شك في أن الإحصائيات أكثر من تلك التي تنشر في وسائل الإعلام.
إن تسليح الضفة الغربية، الذي اقترحه المرشد الأعلى للثورة في إيران قبل بضع سنوات، هو جزء من مشروع إيران لتدمير الکيان الصهيوني. وهذه المنطقة، إلی جانب قطاع غزة، تزداد قوةً كل يوم بمساعدة إيران، وتمكنت من خلق معادلة ردع ضد تل أبيب من خلال بناء صواريخ وطائرات مسيرة جديدة، وهذا يدل على توازن غير متکافئ بين إيران والکيان الصهيوني.
کما أن إطلاق أكثر من 4000 صاروخ على الأراضي المحتلة خلال 11 يوماً في معركة سيف القدس، يدل على قوة المقاومة الفلسطينية التي تحققت بتعاون محور المقاومة.
من ناحية أخرى، فإن الأخبار التي تنشر بين الحين والآخر عن حرائق ضخمة في بعض المراكز والمنشآت الحساسة في الأراضي المحتلة، ولكن تل أبيب تفرض رقابةً صارمةً عليها، هي يد غير مرئية تحذر القادة الصهاينة من اللعب بالنار أكثر من اللازم، وهذا واضح أيضًا في هذه الأحداث والصهاينة أنفسهم يفهمون ذلك جيدًا.
والهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأمنية لهذا الکيان، والتي زادت في العامين الماضيين، هي مثال آخر على قدرة إيران على ضرب الکيان. ووفقًا لاعتراف سلطات تل أبيب في عام 2022، تم تنفيذ أكثر من 1500 هجوم إلكتروني ضد الکيان، وأصبحت هذه التهديدات مقلقةً للغاية، لدرجة أن هذا الکيان يعتزم إنشاء "قبة إلكترونية حديدية" بمساعدة الدول العربية المطبِّعة.
من لبنان الى اليمن تحت راية المقاومة
لا تقتصر أوراق اللعب الرئيسية لجمهورية إيران الإسلامية ضد الکيان الصهيوني على فلسطين، بل إن أذرع المقاومة الأخرى في المنطقة تقوي نفسها في الجبهة المناهضة للصهيونية.
حزب الله اللبناني، القريب من الصهاينة، أصبح كابوساً أمنياً لهذا الکيان منذ ثلاثة عقود. تل أبيب تحاول تدمير القوة العسكرية لحزب الله بکل وسيلة، لكن هذه الجهود لم تؤد إلى أي نتيجة وهذه الحركة هي الآن في ذروة قوتها. وحسب السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، فإن المقاومة اللبنانية حصلت على طائرات مسيرة متطورة وصواريخ دقيقة يمكنها استهداف أي جزء من الأراضي المحتلة.
وكانت تحذيرات السيد نصر الله في قضية حقول الغاز المشتركة مع الكيان الصهيوني، والتي أدت في النهاية إلى تراجع هذا الکيان، انتصارًا كبيرًا للمقاومة اللبنانية، كما اعترف الإعلام والمسؤولون الإسرائيليون بفشلهم وضعفهم أيضًا.
وخوف الصهاينة ورعبهم من الحرب القادمة مع حزب الله، والتي وفقهم، سيتم إطلاق أكثر من 1000 صاروخ على الأراضي المحتلة كل يوم، يشير إلى تنامي قوة محور المقاومة بقيادة إيران، والتي من خلال زيادة قوتها تشدد حلقة الحصار على الکيان الإسرائيلي.
سوريا هي حالة أخرى حيث تتمتع إيران بوجود قوي فيها، وحاولت السلطات الصهيونية، بالتعاون مع الغرب والعرب المطبِّعين في المنطقة، إضعاف هذا البلد من خلال خلق أزمة في سوريا وإبعاد طهران عن الأراضي المحتلة. لكن على الرغم من التكاليف الباهظة، إلا أنهم فشلوا في هذا المشروع، والآن أصبحت إيران هي صاحبة اليد العليا في التطورات السياسية والعسكرية.
بمعنى آخر، أصبحت سوريا الآن مركز مراقبة إيراني لمراقبة التحركات الصهيونية في المنطقة، ولا يوجد عمل صهيوني يخفى عن أعين إيران. وقد زعم نتنياهو مرارًا أنه لن يسمح لإيران بإنشاء قاعدة في سوريا وضرب تل أبيب، ومن وقت لآخر يقوم بهجمات عمياء على سوريا لإجبار إيران على التراجع، لكن كلما حاول عانی من هزائم أکبر.
إضافة إلى حزب الله وسوريا، انضمت اليوم حركة أنصار الله اليمنية أيضًا إلى محور المقاومة، وهذه القوة الجديدة تشكل تهديدًا خطيرًا للأراضي المحتلة. وعلى الرغم من الحرب الوحشية للتحالف السعودي في اليمن والحصار الاقتصادي الشديد، اكتسبت أنصار الله الكثير من القوة في المجال العسكري، الأمر الذي أثار قلق قادة السعودية وأبو ظبي. ويشكل إنتاج 2500 صاروخ من الصواريخ بعيدة المدى التي تستهدف بسهولة الأراضي المحتلة، تهديداً جديداً للمحتلين.
ومع وصول أقدام الصهاينة إلى الجزر الجنوبية لليمن، بما في ذلك سقطرة، حذر قادة صنعاء مرارًا تل أبيب من أنها إذا أرادت مواصلة مغامراتها، فسوف يوجهون صواريخهم نحو الأراضي المحتلة، وقد أثارت هذه التهديدات موجةً من القلق في تل أبيب.
وكتبت وسائل الإعلام الصهيونية في تقرير مؤخرًا أنه على الرغم من القلق من الصراع مع حزب الله، فإن التهديد الرئيسي لهذا الکيان هو أنصار الله، التي تزداد قوةً يومًا بعد يوم.
إن سيطرة أنصار الله على مضيق باب المندب الاستراتيجي، والذي يعدّ طريقًا سريعًا للنقل البحري في المنطقة، يعتبر تهديدًا كبيرًا للصهاينة. لأن جزءًا كبيرًا من التجارة البحرية لهذا الکيان يتم من البحر الأحمر، وإذا لزم الأمر، يمكن لأنصار الله توجيه ضربة اقتصادية کبيرة للصهاينة من خلال مهاجمة السفن التجارية.
ولهذا السبب يحاول الصهاينة، بالتعاون مع الولايات المتحدة وشيوخ الخليج الفارسي، زيادة تعاونهم العسكري للتعامل مع تهديدات هذه المجموعة وإيران. ويأتي إنشاء نظام دفاعي بالطائرات دون طيار ونشر القوارب غير المأهولة في الخليج الفارسي، في هذا السياق أيضًا.
وفي الختام يمکن القول إن الإجراءات التخريبية للکيان الصهيوني لا تشکل تهديدًا کبيراً لإيران ولا تكفي لمواجهتها، لكن الجمهورية الإسلامية، توجه الضربات المؤلمة إلى الکيان علی الدوام. والانهيار من الداخل، وهو حديث السلطات الصهيونية هذه الأيام، علامة على اليد الأقوى للجمهورية الإسلامية في التعامل مع الکيان الإسرائيلي.