الوقت - يسيطر الخوف على أمن “إسرائيل” المزعوم على وزير الحرب الإسرائيلي السابق بيني غانتس، الذي حذر خلفه يوآف غالانت من انقسام الوزارة، وسيطرة أهواء من سماهم المتطرفين عديمي الخبرة على ما يسمى أمن “إسرائيل”.
جاء ذلك خلال لقاء جمعهما في مقر وزارة الحرب بـ “الكرياه” بتل أبيب وسط “إسرائيل”، وفق تدوينة نشرها غانتس، الجمعة على حسابه بموقع فيسبوك، وفق القناة “12” الإسرائيلية.
وقال غانتس: “بالأمس، عندما نزلت للمرة الثانية في حياتي من الطابق 14 في الكريا مع فهم أن المسؤولية عن أمن إسرائيل قد نزلت من على كاهلي، شعرت بشعورين متضاربين. راحة – في الليالي التي يمكنني النوم فيها على التوالي دون الجلوس في حفرة أو الانتظار بجانب الهاتف الأحمر، ومن ناحية أخرى، خوف حقيقي على أمن إسرائيل، الذي يعتمد الآن على أهواء المتطرفين عديمي الخبرة”.
ومضى غانتس: “عندما التقيت اليوم مع خلفي يوآف غالانت، وأتمنى له التوفيق، قلت له إني منزعج جداً من انقسام الوزارة وتداعيات التصرفات المتطرفة في الحكومة والتي قد تكون لها آثار استراتيجية”، وقال غانتس إنه “يغادر منصبه في نهاية عامين ونصف العام وهو يشعر بالرضا، ولكن بقلق حقيقي على أمن إسرائيل”.
وشغل غانتس منصب وزير الحرب مرتين على التوالي الأولى في 17 مايو-آيار 2020 في حكومة نتنياهو التي لم تصمد كثيراً، والثانية في 13 يونيو/ حزيران 2021 ولمدة عام ونصف العام ضمن ما سميت "حكومة الوحدة"، التي خسر معسكرها الانتخابات الأخيرة التي أجريت مطلع الشهر الماضي، ليعود نتنياهو مجدداً رئيسا للوزراء مع تحالف من أحزاب يمينية متطرفة.
أصبح من الواضح أن تشكيلة الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو تعد الأكثر تطرفاً وسفوراً في تاريخ "إسرائيل"، فبعدما كان قادة التطرف والعربدة على القانون محل هجوم لاذع وانتقاد كبير من نتنياهو شخصياً، أصبحوا الآن شركاءه الفاعلين في رسم السياسة الإسرائيلية.
فحسب محللين، إن المشهد الإسرائيلي يشير إلى هواجس وانشقاقات تطال البنية السياسية والمؤسساتية داخل "إسرائيل"، رغم تأليف نتنياهو لحكومته، إذ تساءلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مآلات ما بعد تأليف هذه الحكومة فقالت: "كيف سيتعامل القسم اليهودي في جهاز الشاباك مع هذه الحكومة؟ الحكومة تتشكل ومعها تحديات جديدة، أبرزها كيفية إحباط الإرهاب اليهودي. الوضع مقلق بالنسبة إلى الشاباك، لأنه سيواجه حزباً سياسياً متطرفاً بقيادة بن غفير، الذي كان قبل سنوات حزباً تخريبياً، والآن أصبح حزباً يتمتع بسلطة سياسية، ناهيك عن عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وسينال دعم المتطرف سموتريتش، ليتفاقم الصراع مع الفلسطينيين لاحقاً".
وتضيف الصحيفة: "أبرز الأسئلة هنا: ما مدى شرعيّة جهاز الشاباك وفعاليّته؟ كيف سيحمي نتنياهو الشاباك بعد أن يطالب المسؤول المباشر عنه بإغلاق القسم اليهودي فيه؟! كيف سيتصرف تجاه مطالب إلغاء أوامر الاعتقال الإداري للمستوطنين. إن حكومة يشارك فيها بن غفير وسموتريتش ستخلق انشقاقات محتملة مع بقية الأطراف السياسية في إسرائيل، وستختلط الأوراق ببعضها البعض داخل المؤسسات الرسميّة".
الهواجس التي يجري الحديث عنها في المشهد الإسرائيلي هي هواجس جدية بالفعل، وهذا يرجع إلى أن البرامج السياسية لبعض أحزاب الحكومة الإسرائيلية الجديدة تهدف إلى إحداث تغيير جوهري في النظام السياسي داخل "إسرائيل"، وهو ما سيحدث أزمة انشقاقات مستقبلية حادة جداً، وسيشعل الانقسامات السياسية والفكرية والفلسفية بشكل كبير، في حال نفذت الحكومة كل برامجها.
وهنا، يمكن الدلالة والإشارة إلى قضية بالغة الأهمية، تتمثل بتداعيات مقترح القانون الذي يسعى لتقييد المحكمة العليا تحت عنوان "قانون التغلب"، وهو قانون يتيح للمحكمة الإسرائيلية العليا إلغاء أو إبطال قوانين شرعها الكنيست الإسرائيلي، وهذا يعد تغييراً جوهرياً في النظام السياسي الإسرائيلي، إضافة إلى إجراء بعض التغييرات فيما تعرف بوزارة الأمن "الدفاع" الإسرائيلية التي تم تفكيك صلاحياتها وتوزيعها على عدد من الوزراء، مثل إعطاء صلاحيات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1976 في الضفة الغربية لوزراء متطرفين ينطلقون بشكل واضح بأهدافهم إلى تعزيز الاستيطان وسرقة مناطق واسعة من الضفة الغربية، ناهيك عن التدخل في الهوية والمناهج وتحريفها بما يتماشى مع العقيدة اليهودية المتشددة.
أكبر هواجس في هذا السياق هو ما ألمح له وزير "الجيش" الإسرائيلي بيني غانتس لصحيفة "إسرائيل اليوم"، حين قال: "نحن نواجه خطراً من أن يتحول الجيش الإسرائيلي إلى جيش من المرتزقة يشكل تهديداً أمنياً استراتيجياً، فمنذ قيام الدولة، كان الجيش هو الداعم لها، لكن لسوء الحظ، أبواب التجنيد باتت فارغة، ولا إقبال عليها"، وأضاف: "إن التجنيد مبني على القيم، وليس على القوانين. يجب الحث على الخدمة في الجيش. وما لم ننجح، قد يصبح الأمر قنبلة أمنيّة واجتماعية في إسرائيل".
تصريحات غانتس ليست بعيدة عن تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت، الذي قال: "إن الإسرائيليين سيخرجون في تظاهرات مليونية في حال حدثت هذه التغييرات الجوهرية في النظام السياسي الإسرائيلي، لأن مثل هذه التغييرات سيؤدي إلى استبداد الأغلبية".
بدورها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية سبق وتحدثت عن الانقسام الداخلي، ورأت أنّ "تغيير الصلاحيات في الضفة، ومنح حصانة للجنود وقانون التجنيد، سيقوّضون السلسلة القيادية في الجيش الإسرائيلي"، مشيرة إلى أنّ تنازلات رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو لعضوي الكنيست المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير ستلحق الضرر في أداء الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، واصفة ما يجري بالخطير والجارف.
وأضافت إن "وزيراً من حزب سموتريتش، سيُمنح السلطة على آلية تنسيق الأنشطة الحكومية في المناطق الفلسطينية المحتلة، وعلى الإدارة المدنية في الضفة الغربية، وعلى تعيين المستشارين القضائيين الذين سيعملون هناك".
وتابعت إنّ "بن غفير، كوزيرٍ للأمن القومي، سيُمنح ليس فقط صلاحيات موسّعة على المفتش العام والشرطة، بل سلطة مباشرة على حرس الحدود، بصورة يمكنه فيها التأثير على الأوامر للقوات على الأرض، بل حتى نقل سرايا حرس حدود من الضفة إلى النقب والجليل وفق رغبته".
وشددت "هآرتس" على أنّ ما يجري عمليتان متكاملتان، ستضعفان أداء الجيش الإسرائيلي في الضفة"، استناداً إلى أنّه ستضاف جهات خارجية إلى الهرمية العسكرية- الأمنية (سموتريتش وبن غفير).
وتقول الصحيفة إنّ "بن غفير سيقرّ تشريعاً يقلّص إمكانية محاكمة جنود بسبب نشاطٍ تنفيذي"، مشيرة إلى أنّ "هذا الأمر قد يأتي بنتائج معاكسة"، إذ ترى "هآرتس"، أنّ "إسرائيل" تصدّ إلى اليوم، منذ 55 سنة، مطالبات بقضاءٍ دولي في جرائم حرب ارتكبت، مستندة في ذلك إلى مبرر أساسي هو أنّ "لديها جهازاً قضائياً فعّالاً ومستقلاً، يحرص على الاقتصاص ممن يجب".
وعليه، تذكر "هآرتس" أنّه في اللحظة التي يتمّ فيها قطع طريق إمكانية التحقيق والمحاكمة، فإنّ النتيجة المحتملة،هي المزيد من المطالبات التي تهدف إلى قود جنود وضباط إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".
وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنّه من المتوقع أن يعود الائتلاف المستقبلي إلى دفع مقترح قانون قديم يقضي بتعيين الحاخام العسكري الرئيسي بناءً لتوصيات لجنة يكون عضواً فيها الحاخام السفاردي الشرقي أيضاً".
وأشارت إلى أنّه" اتُّفق ألا يكون الحاخام العسكري الرئيسي خاضعاً لرئيس الأركان في "مواضيع شرعية-مهنية". كما أنّ "كتلة الصهيونية الدينية تطالب بإعادة رتبة لواء إلى الحاخام العسكري الرئيسي، التي خُفّضت قبل عقدين".
وترى "هآرتس" أنّ هذه الخطوة لها أثرين محتملين: الأول، خضوع الحاخام العسكري الرئيس لرئيس الأركان، سيضعُف وسيشق الطريق لعملية قائمة أصلاً – إخضاع الحاخام العسكري الرئيسي لمرجعية حاخامية مدنية. ووفقاً للصحيفة فإنّ هذا الأمر إشكالي لأنّه بهذه الطريقة ستُدخل إلى الجيش الإسرائيلي من الباب الأمامي أجندات خارجية – مدنية، وحتى سياسية".
أمّا الأثر الثاني: "يمكن أن ينشأ خطر إدخال فتاوى متشددة"، مشيرة إلى أنّه "إلى اليوم كُبحت بفعل خضوع الحاخام العسكري الرئيسي مباشرةً لرئيس الأركان".
وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنّ "التحدي الأكبر لعلاقات الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي، في المدى البعيد، يكمن في الإذعان المتبدّي من نتنياهو لمطلب الحزبين الحريديين بسن قانونٍ جديد للتجنيد".
ورأت أنّ "قانوناً كهذا من المتوقع أن يُعفي مرّة واحدة وإلى الأبد الغالبية الحاسمة من الشباب الحريدي من واجب الخدمة العسكرية". مشيرة إلى أنّ "ترتيباً كهذا يمكن أن يزعزع نموذج الخدمة في الجيش الإسرائيلي.
على ما يبدو أن التطرف والداعشية الإسرائيلية القادمة ستأتي هذه المرة على شكل حكومة، وستتنكّر لكل الحقوق الفلسطينية. هذه الداعشية هي نتيجة سلوك طويل يسير المجتمع الإسرائيلي فيه بهدوء منذ الثمانينيات، وهذا التطرف الذي نشاهده اليوم وصل مع قدوم هذه الحكومة إلى ذروته، ما يعطي مؤشراً على أن الصعود اليميني في "إسرائيل" هو صعود ثابت لن يتوقف عند هذا الحد.
ثمة معادلة جديدة ستصبح عنوان المرحلة المقبلة في "إسرائيل" أمام حالة الاحتراب السياسي والانشقاق المجتمعي البيروقراطي الحاد، عنوانها المزيد من المتطرفين الشركاء في الساحة السياسية، ويقابلها المزيد من الانشقاقات الداخلية. مثل هذه الانشقاقات ستقضي على ما تبقى من تماسك داخلي إسرائيلي، وستكون بداية النهاية لهذه الدولة المزعومة.