الوقت - متأرجحة على حبال مصلحتها تواصل فرنسا التحرك في الرقعتين الجزائرية والمغربية، فبال الدبلوماسية الفرنسية بين البلدين المغرب والجزائر لايهدأ، ما يجعل الموقف الفرنسي مرتبكاً على الدوام.
فلعبة المصالح تتقنها فرنسا بشكل احترافي، ووفقا لإفادات جيرالد دارمانان فإن تحركه صوب الجزائر جاء بطلب من الرئيس إمانويل ماكرون، واقتصر الحديث عن أزمة التأشيرات؛ لكن قراءات عديدة ربطت الزيارة في الوقت الراهن بمسك “عصا العلاقات من الوسط” وبعث إشارات التوازن إلى الجزائر كذلك، وخصوصا أن ماكرون يمهد لزيارة المغرب مطلع العام المقبل.
وقد أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان الأحد أن باريس والجزائر قررتا العودة إلى "علاقات قنصلية عادية" ينتهي معها قرار تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين الى النصف.وقال دارمانان في تصريح بعدما استقبله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون "أطلعت الرئيس الجزائري أنه منذ الإثنين الفائت قرّر البلدان إعادة العلاقات القنصلية العادية. العلاقات عادت إلى ما كانت عليه قبل جائحة كوفيد".
وأضاف دارمانان: "عادت علاقاتنا إلى ما كانت عليه قبل جائحة كورونا. بما في ذلك ما يتعلق بالتأشيرات والمبادلات بين الشعبين".
وبهذا الشكل تنتهي ما عُرفت إعلامياً بأزمة التأشيرات مع الجزائر والتي بدأت في أكتوبر تشرين الأول 2021، وذلك بعد أيام من إعلان فرنسا أنها رفعت القيود على منح التأشيرات لمواطني المغرب.
وتعود أزمة التأشيرات إلى مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما أعلنت الحكومة الفرنسية تشديد شروط منح تأشيرات دخول البلاد لمواطني كل من الجزائر والمغرب وتونس.
هذه الخطوة بررتها باريس حينها بدعوى رفض تلك الدول إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لإعادة مهاجرين غير نظاميين متواجدين في فرنسا.
والتصريح القنصلي هو وثيقة تصدرها قنصلية المهاجر غير النظامي في فرنسا تمكنه من العودة إلى بلاده في ظل عدم امتلاكه جواز سفر، ويتم إصداره بعد تأكد السلطات الدبلوماسية من أنه بالفعل يحمل جنسيتها.
احتجاجاً على تشديد باريس شروط منح التأشيرة للجزائريين، استدعت الخارجية الجزائرية بعدها بأيام السفير الفرنسي فرانسوا غويات.
حسب تقديرات غير رسمية، فإن نحو 5 ملايين مهاجر جزائري أو أصوله جزائرية يتواجدون في فرنسا، وهي الجالية الأهم لهذا البلد العربي في العالم.
كانت الخطوة الفرنسية بخصوص التأشيرات الجزائرية قد جاءت على وقع جمود سياسي أصاب علاقة البلدين، وشهدت العلاقات الفرنسية الجزائرية حالة من التوتر منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، على خلفية "ملف الذاكرة" والجرائم التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 – 1962).
أماطت هذه التطورات اللثام عن مؤشرات تراجع دور باريس كشريك سياسي وحتى اقتصادي للجزائر، لصالح دول أخرى على غرار الصين وتركيا وإيطاليا، وخاصة أن تقارير محلية أشارت لانخفاض قيمة الاستثمارات بين البلدين بالسنوات الأخيرة.
وفي مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نشبت أزمة دبلوماسية بين فرنسا والجزائر بعد تصريحات مفاجئة وغير مسبوقة تجاه الأخيرة، أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وشكَّك فيها في وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي، وقال إن "التاريخ الرسمي الجزائري أُعيدت كتابته بالكامل، وهو لا يقوم على الحقائق"، كما اتّهم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنه "تحت تأثير المحيطين به".
بعدها، قال عبد المجيد تبون، في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية، إن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون "أضر بكرامة الجزائريين"، وأعرب عن تشاؤمه من احتمال قرب نهاية الخلاف بين باريس والجزائر.
يأتي حل أزمة التأشيرات الفرنسية للجزائريين، بعد أيام من إعلان وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، أن بلادها ستلغي القيود المفروضة على تأشيرات الدخول لمواطني المغرب، وذلك في علامة على تحسن العلاقات بين الدولتين بعد توتر دامَ أكثر من عام بين باريس والرباط.
مصطفى الطوسة، المحلل السياسي المقيم بباريس، أكد وجود انطباع بكون فرنسا تحاول شد العصا من الوسط بعدم إغضاب الجزائر؛ لكن في المقابل هناك دعم للمقاربة المغربية في قضية الصحراء، وبالتالي لم تستجب لدعوات الحياد السلبي الصادرة عن الجزائريين.
وأضاف الطوسة، في تصريح، إن فرنسا تسير بطريقة أو بأخرى نحو تبني “الموقف الأمريكي”؛ لكن حساسية علاقتها مع الجزائر يجعل الأمر صعبا، مؤكدا أنه في حالة الإعلان عن الموقف الجديد، فالأمر سيصدر عن رئيس الجمهورية إمانويل ماكرون.
ويراهن المحلل السياسي المقيم بباريس على زيارة ماكرون للمغرب، مؤكدا أنها إن تمت فقد تحمل جديدا فرنسيا، وزاد: “المواقف الفرنسية تبدو متناقضة نظريا؛ لكنها في الواقع تدعم الحكم الذاتي”، لافتا إلى أنه “على الرغم من الإنزال الكبير للدبلوماسية الجزائرية فإن باريس لم تغير موقفها إلى السلب”.
عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش، قال إن فرنسا تعيش تحولات عميقة في علاقتها بشمال وغرب إفريقيا، مؤكدا تراجع نفوذ هذا البلد مقابل تصاعد الحضور الروسي أمنيا والصيني اقتصاديا وماليا.
وأوضح البلعمشي، في تصريح، أن التراجع سجل كذلك على مستوى القيم الفرنكوفونية وحضور اللغة الفرنسية في العالم، مبرزا أن التوتر الفرنسي المغربي بدأ فور “الاعتراف الأمريكي”، وزاد: “العلاقات في نهاية المطاف تحكمها المصلحة بالدرجة الأولى”.
وتابع الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات أن المغرب في وضع مريح بعد التحالفات الجديدة، مؤكدا أن التنسيق مع بلدان أخرى يأتي نتيجة لتراجع النفوذ الفرنسي وعدم قدرته على تأمين مصالح النظام الدولي في إفريقيا على المستويين السياسي والأمني.
من ناحية أخرى أعلنت الجزائر عن تحقيق "رقم قياسي" في صادراتها من الغاز الطبيعي خلال عام ٢٠٢٢، بعد ارتفاع الصادرات بحوالي 56 مليار متر مكعب.
وكشف المدير العام للاستشراف بوزارة الطاقة والمناجم بالجزائر، ميلود مجلد، أن "رقم الأعمال هو الآخر ارتفع نتيجة ارتفاع الأسعار بسبب الطلب المتزايد على هذه المادة الذي ولدته الأزمة الروسية الأوكرانية".
وهذا ما دفع العديد من المحللين للقول بأن فرنسا تحاول التقرب من الجزائر وتتراجع عن خلافاتها معها،حيث تجاهد باريس، لتحسين العلاقات الثنائية، ليس هذا فقط وانما تلجأ إلى تليين سياساتها الخاصة التي بدأتها بإنهاء التأشيرات التي أثارت غضب الجزائر، لأن حاجتها الآن في ظل ما تعانيه أوروبا من أزمة وقود وطاقة وغاز بسبب الأزمة الروسية والأوكرانية يفوق أي حاجة أخرى. فالجزائر تعتبر ثالث أكبر مصدر للغاز للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، كما أنها مزود رئيسي لكل من إيطاليا وإسبانيا بحكم القرب الجغرافي.