الوقت_ "معا نرحل من هنا" هو اسم حركة اجتماعية إسرائيلية جديدة أعلنت أنّ هدفها الرئيس هو الخروج من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، حيث إنّ نصف المجتمع الإسرائيليّ يؤيّد حكومة الفاشي بنيامين نتنياهو السادسة، والتي تعمل بكل جهد –كما تقول الوقائع والمعارضون- بهدف القضاء على ما تبقّى ممّا يطلق عليه بعض الصهاينة "الديمقراطيّة الإسرائيليّة"، وبالتالي تحويل الكيان من مرحلة العنصريّة إلى الفاشيّة، بالاعتماد على السلطة الدينيّة والمتشددين وتعزيز العرقيّة، بينما يرفض الجزء الآخر والذي يمثل نصف مجتمع العدو –على أقل تقدير- هذا الوضع، ويسعون بقوّة لأن يكون الكيان ليبراليّاً لأبعد حد، فيما يذهب أغلب المحللين إلى أنّ الكيان أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الذهاب نحو تخلخل المجتمع الإسرائيليّ وانعدام استقراره نتيجة الصراعات، أو حدوث حربٍ أهليةٍ بين المعسكرين اليمينيّ الدينيّ المتزمت والحاكم، وبين القوى الديمقراطيّة والليبراليّة، المُكونّة بسوادها الأعظم من اليهود الذين تمّ استجلابهم عن طريق الحركة الصهيونيّة من دول أوروبا، كما أنّ الهجرة من فلسطين –بعد أن كانت إليها- باتت موضوعًا مطروحًا بقوّةٍ بالنسبة لجزء يسير من الصهاينة، فيما بدأ عدد مناصري من يتحدث بتلك الأفكار و يطبقها يتزايد بكثرة يوما بعد آخر.
فرارٌ جماعيّ من فلسطين
"مغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الجمة"، هذا ما تدعو إليه الحركة الصهيونية التي طالبت جميع المهاجرين الصهاينة بالفرار من فلسطين، وقد ازدادت الأنباء المتعلقة بهذا الموضوع كثيراً عقب فوز زعيم المعارضة ورئيس الحكومة الإسرائيليّ المكلف بنيامين نتتياهو وفريقه، المؤلّف من العنصريين والفاشيين واليهود المتشددين بشكل لا يوصف، ما يعني بروز حركةً جديدةً تحاول تجنيد عشرة آلاف مستوطن صهيونيّ في المرحلة الأولى لمغادرة الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، حيث أوضحت صحيفة (معاريف) العبريّة قبل أيام، أنّ “المجموعة المسمّاة (معاً نرحل من هنا) حدّدّت هدفها الأول وهو جمع حوالي عشرة آلاف إسرائيليٍّ مهاجرٍ”، لافتًة في الوقت نفسه إلى أنّ “أحد رؤساء المجموعة ينيف غورليك، كان ناشطًا أساسيًا في التظاهرات ضد عنصرية نتنياهو ويعتبر ناشطًا اجتماعيًا بارزًا ضد فرض الدين"، علمًا أنّ نصف المجتمع الصهيونيّ هو من العلمانيين الذين يرفضون رفضًا قاطعًا العيش في كيان احتلال يحكمه أتباع الصهيونيّة الدّينيّة، باعتبارهم يُحاوِلون فرض قوانينهم الدينيّة على نظام الحكم الاستعماريّ.
ولا تخفي المجموعة الصهيونيّة أنّ الواقع الذي يواجهونه في "إسرائيل" هو القمع والاستغلال الاجتماعي والاقتصادي، ما دفع شخصاً مثل مردخاي موتي كاهانا، (60 عامًا)، وهو رجل أعمال إسرائيليّ أمريكي، إلى التغريد قبل أيامٍ قليلةٍ عبر منصّة التدوينات النصية (تويتر) قائلاً: “بعد سنوات من تهريب اليهود من مناطق الحرب في اليمن وأفغانستان وسوريّة وأوكرانيا إلى إسرائيل، قررت مساعدة الإسرائيليين على المغادرة إلى الولايات المتحدّة الأمريكيّة”، على حدّ قوله، الشيء الذي يدل على أنّ تلك القضية ليست محض خبر في موقع إخباريّ عبريّ، بل قضية لها دلالاتها وانعكاساتها على مستقبل عدو العرب والمسلمين الأبرز.
"لا توجد إمكانية للاستمرار هناك"، تعليق واضح ومباشر من الجمعيّة الصهيونيّة التي صدمت الحكومة الصهيونية وأعوانها بأهدافها الخطرة على مستقبل السرطان الاحتلاليّ، حيث إن "حكومة العدو تحفر قبر إسرائيل بنفسها"، وذلك بالنظر إلى أنّ كيان الاحتلال أصبح مستعبداً بشكل كامل لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة المتطرفة، وبالتالي سيدفع جزء كبيرا من الإسرائيليين أثماناً باهظة، وخاصة أنّ مؤسسات الكيان ستصبح بما لا شك فيه مسخرة لخدمة الصهاينة المتطرفين، وقد بات الإسرائيليون بشكل عام يشعرون بأنّ الكيان بأسره يعيش دور العبوديّة الكاملة للمتشددين، ما يطرح تساؤولات كثيرة حول مدى تأثير حكومة نتنياهو –راعي التشدد الأول- على مستقبل الكيان الإسرائيليّ.
وفي هذا الشأن، كتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" في تقرير حول هذه المجموعة التي تم إنشاؤها حديثًا: "في الوقت الحالي، أعلن حوالي 1000 إسرائيلي أنهم يريدون مغادرة فلسطين المحتلة بشكل جماعيّ"، ناهيك عن وجود عشرات الطلبات من قبل الصهاينة للحصول على مساعدةٍ في مجال الهجرة خارج فلسطين المحتلة، وخاصّةً من أولئك الذين يديرون بعض الأعمال التجارية أو الشركات الصغيرة، بما يتقاطع مع تصريحات البروفيسور أسا كاشير، الذي وضع "النظريّة الأخلاقيّة" لجيش الاحتلال، الذي أكّد أنّ المجتمع الصهيونيّ هو مجتمع عنيف، منشيرا إلى أنّ مرّد ذلك يعود إلى سياسات حكومات بنيامين نتنياهو، الذي حكم الكيان منذ العام 2009 وحتى العام 2021، والذي قبل ذلك كان رئيسًا للوزراء بين الأعوام 1996 وحتى العام 1999، وسيعود مرّةً أخرى لمنصبه في الأيّام القليلة القادمة.
تماسكٌ إسرائيليّ متآكل
حسب وسائل الإعلام العبريّة، فإن السبب الرئيس لعمل تلك المجموعة الاحتجاجيّ، هو نتائج الانتخابات الخامسة والعشرين، التي أدت إلى نجاح الأحزاب الدينية المتطرفة وستخلق الأساس لتغييرات اجتماعية واسعة النطاق في بنية المجتمع الصهيوني، في وقت يطغى الانقسام على المجتمع المجتمع الإسرائيليّ بالاستناد إلى نقاط كثيرة أهمها الانتخابات البرلمانيّة بالفعل وتزايد الشروخات التي تُهدد الكيان بشكل جديّ للغاية باعتراف الصهاينة، حيث يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وهذا الموضوع يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان اللقيط الذي قام منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، وإنّ موضوع "مصير إسرائيل المُظلم" يطغى بشكل كبير على لسان الكثير من المحللين الإسرائيليين والأجانب، استناداً إلى أدلة كثيرة أهمها التماسك الداخليّ المتآكل.
وفي الوقت الذي ينظم فيه مئات الإسرائيليين أنفسهم للهجرة الجماعية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يتعقد الوضع السياسي في الكيان أكثر بكثير من السابق، ما يضع المسؤولين الإسرائيليين باعترافهم أمام "تحد تاريخيّ"، مع سير الدولة اللقيطة في طريق فقدان هذا المشروع وانهيار طموحاتهم الاستعماريّة، والتي لم ينجح تطبيقها رغم كل عمليات التطهير العرقيّ والتهجير القسريّ المستمر بأعتى الأسلحة المتطورة حتى يومنا هذا، ناهيك عن تعزيز عمليات المقاومة بشكل كبير في مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينيّة السليبة، ما يُفشل بالفعل المبدأ الأساس الذي أُقيم عليه الكيان الغاصب لتحقيق وتجسيد الحلم الصهيونيّ على أرض فلسطين المحتلة وهو الإبادة الجماعيّة وزيادة عدد اليهود وإنهاء حالة المقاومة.
كما ذكرت تقارير عبريّة، أن أعضاء هذه الحركة أعربوا عن أملهم في أن يصل عدد أعضائها إلى 10000 شخص وأن يهاجروا إلى الولايات المتحدة بعد ذلك، فيما يتفق أهمّ السياسيين الإسرائيليين على أنّ الخطر الحقيقي يكمن في "المجتمع الإسرائيلي"، ناهيك عن القلق العارم من تدهور الكيان قبل نهاية 80 عاماً من الاحتلال، وقد نوّه رئيس وزراء الكيان الأسبق نفتالي بينيت، في تصريحات سابقة، إلى أنّ السبب الرئيس لتفكك حكومات الكيان السابقة هو الكراهية الداخليّة التي نشأت بين الإسرائيليين، وحذّر حينها من أن "إسرائيل ستنهار من الداخل لأن الكراهية بين الأفراد تؤدي إلى تفكك الأمم"، وهذا بالتحديد ما أوضحه رئيس حكومة الاحتلال السابق يائير لابيد، الذي أكّد أنّ "الإسرائيليين قريبون من نقطة اللا عودة"، حيث يشير المشهد الإسرائيليّ العام، وخاصة على الصعيدين السياسيّ والاجتماعي، إلى الحال الذي وصل إليه الكيان الغاصب من الترنح العميق في كل السلطات والعلاقات الاجتماعيّة في آن واحد.
في النهاية، لن تستطيع "إسرائيل" بكل أسلحتها الغربية والأمريكيّة، وقف عملية التدمير الذاتيّ الداخليّ للكيان، إذ إنّ السرطان الذي يعاني منه كيان الاحتلال وبالأخص من الناحية الاجتماعية قد بلغ مراحله النهائية ولا سبيل لعلاجه، وإنّ ما تعيشه الأراضي الفلسطينيّة الرازحة تحت نير الإرهاب الصهيونيّ، يؤكّد أنّ لدى المجتمع الإسرائيليّ المنقسم على ذاته، أزمة ثقة كبيرة مع حكوماته فهو غارق بالمشكلات الاقتصادية والفوضى الأمنيّة والسياسية، لكنّ الإسرائيليين إن أجمعوا على شيء فهو "نهاية الكيان الإسرائيليّ" الذي جمع يهود العالم من أصقاع العالم لسلب هذا الأرض بكذبة أنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، لكن وكما شجعت الحركة الصهيونيّة بشكل كبير جداً، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين، لإبادة هذا الشعب وسلب أرضه، جاء دور الحركات الأُخرى لإعادة الصهاينة إلى بلادهم الحقيقيّة بعيداً عن هذا البلد الذي ذاق شعبه الأمرين.