الوقت - مر قرابة شهر على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بقيادة محمد شياع السوداني، وخلال هذه الفترة تأثر تعيين الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين من قبل السوداني بعدة عوامل رئيسية.
في البداية، يعد برنامج تنفيذ الإصلاح مطلبًا شعبيًا مهمًا وأولوية أساسية يطلبها الشعب من السوداني. تشير حملة إصدار أوامر الإقالة والاحتفاظ بالمديرين والمسؤولين الحكوميين إلى عزم الحكومة الجاد على إجراء إصلاحات ومحاربة الفساد في النظام الإداري حيث استقطبت اهتمام الرأي العام وتأييدا واضحا من الأمم المتحدة والأطراف الدولية.
وفي الاجتماع الثاني لمجلس الوزراء الذي عقد في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قرر السوداني "إلغاء جميع الأوامر والموافقات الوزارية الصادرة عن الحكومة السابقة (حكومة الكاظمي) بشأن تعيين وتكليف رؤساء دوائر خارج نطاق مسؤوليات الحكومة "، وخصوصاً العقود التي تظهر فيها مؤشرات وشكوك حول فساد شديد.
كما أعلن رئيس وزراء العراق الأسبوع الماضي بوضوح أنه "ينوي الدخول إلى المجال المحظور لقضايا الفساد" وبهذه الطريقة أعلن عن شرط أساسي مسبق وقال: "أولا وقبل كل شيء، يجب أن نبدأ بإصلاح ما يتصل بمؤسسات مكافحة الفساد "؛ مثل هيئة النزاهة، حيث تنحى القاضي "علاء السعدي" عن رئاستها وتولى القاضي "حيدر حنون" المسؤولية.
وثانيًا، يولي السوداني اهتمامًا بالحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي، وإبعاد العراق عن الفوضى والصراعات الداخلية، وخاصة مع فصيل التيار الصدري، الذي يمكن أن يحول الشارع مجددًا إلى ساحة للتظاهرات المناهضة للحكومة.
ويؤكد السوداني أن حكومته لن تتبنى سياسة القضاء على المسؤولين والموظفين الحكوميين والأمنيين والعسكريين لتوظيف الكادر السياسي المقرب في النظام البيروقراطي، بل أعطت الأولوية لمبادئ الإصلاح ومكافحة الفساد والقضاء ومبادئ دستور.
وتم اعتماد هذا الإجراء حتى الآن في قرارات استبدال المسؤولين، إلا في حالات نادرة مثل محافظ ميسان، ولم يبد السوداني أي رغبة في تغيير المدراء التابعين والمقربين من التيار الصدري، مثل رائد جوحي، مدير مكتب رئيس الوزراء، الذي أصبح مؤقتًا رئيس جهاز المخابرات بأمر من السوداني، أو منصب مدير عام أمانة مجلس الوزراء، وهو واحد من اهم المناصب التنفيذية ذات الصلاحيات المهمة، والذي لا يزال في يد حامد العزي ويبقى من قيادات التيار الصدري.
للتيار الصدري تأثير واسع في معظم المؤسسات الحكومية، حيث لها 300 منصب حكومي في تصنيف "الدرجات الخاصة"، والتي تشمل الوزراء ونواب الوزراء والسفراء ورؤساء المؤسسات المستقلة والأجهزة الأمنية والمحافظين، إلخ.
في المرحلة التالية، بالنظر إلى تشكيل الحكومة التي اختارها السوداني، يمكن فهم أن التيارات الرئيسية الثلاثة، بما في ذلك إطار التنسيق الشيعي، وتحالف عزم، والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، تستحوذ على غالبية المناصب الوزارية المهمة، وهذا يعني أن نظام الحكم التوافقي لا يزال أساس تشكيل الحكومة.
حاليا، تم تخصيص 12 وزارة (من أصل 21) لقوى الإطار التنسيقي الشيعي، أبرزها وزارات الداخلية، المالية، النفط، الكهرباء، الزراعة، الرياضة، الشباب، العمل، الشؤون الاجتماعية، الصحة، الموارد المائية والتعليم والتربية. وتم إعطاء ست وزارات لائتلاف رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، وهي الدفاع والتخطيط والثقافة والصناعة والتجارة والتعليم العالي. كما تم تخصيص اربعة مقاعد وزارية للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي والتي تضم الخارجية والعدل والاسكان والبيئة، وتم توزيع وزارات اخرى على الاقليات، حيث حصل التركمان على وزارتين للمرة الاولى، حيث كان وزير الدفاع منهم.
ومن الموضوعات التي أثارت الاهتمام، وجود شخصيات بارزة من مجموعات الحشد الشعبي الفرعية في مجلس الوزراء، مثل أحمد الأسدي قائد كتائب "جند الأئمة" وزيراً للعمل، ونعيم العبودي أحد قيادات "عصائب اهل الحق" وزيرا للتعليم العالي.
إجمالاً، من بين التيارات الحالية في الإطار التنسيقي، فإن مساهمة "تحالف الفتح" تتكون من 5 وزارات، وائتلاف "دولة القانون" 4 وزارات، ومنظمة بدر وزارتان، وتيار الصادقون مقعدين، ومقعد واحد لكتلة السند.
هذا الوضع لم يعجب بعض الأطراف الداخلية والخارجية، بما في ذلك الحكومة الأمريكية، التي أعلنت أنها لن تعمل مع الوزراء المعينين من المقاومة. أفاد موقع أكسيوس، نقلاً عن مصدرين مطلعين، أمس، بأن ألينا رومانوسكي، السفيرة الأمريكية في العراق، أعلنت لرئيس الوزراء الجديد أنها لن تعمل مع وزراء وكبار المسؤولين المنتمين إلى "ميليشيات مدعومة من إيران".
بالتوازي مع هذا الموقف، يعمل التيار الإعلامي الموالي للولايات المتحدة أيضًا على ترسيخ وجهة النظر القائلة بأن التعيينات الأخيرة بين تيارات في إطار التنسيق ستؤدي إلى تحديات للسوداني في تنفيذ الخطط المعلنة للحكومة وإدارة المؤسسات الأمنية والعسكرية في ظلها.
واهتم الإطار التنسيقي بدحض هذه الادعاءات، والذي تُقال فقط بهدف وضع الحجارة على طريق نجاح الحكومة الجديدة لحل المشاكل وحل العقدة الاقتصادية والسياسية والأمنية للعراق، من مرحلة تشكيل الحكومة، وقضية انتخاب رئيس مجلس الوزراء، استقلالية إجراءات الحكومة في القرارات وتشكيل الفريق الوزاري إلى جانب سياسات رئيس الوزراء كان اهتمام القادة هو إطار التنسيق.
واعتمد الإطار التنسيقي منذ البداية استراتيجية "تقديم خيارات ممتازة للسوداني وتسليم حق الاختيار لرئيس الوزراء" حتى لا يتبادر الشك في طريقة انتخاب الكابينة الوزارية بالمعنى المعتاد والعرفي السياسي في العراق (فرض الوجوه على رئيس الوزراء)، ومن ناحية أخرى، يجب اعتبار مبدأ الكفاءة والخبرة والسجل الجيد (عدم وجود فساد) مطلبا عاما، وحسب وسائل الإعلام العراقية، مُنحت ثلاثة مناصب وزارية للسوداني، الذي يمكنه اختيار الأشخاص الذين يريدهم دون الرجوع إلى قوى الإطار التنسيقي.
وفي هذا الصدد، كان علي الفتلاوي، زعيم "حركة صادقون"، وهي الفرع السياسي لـ "عصائب أهل الحق"، قد قال سابقًا: "ان الإطار التنسيقي لم يناقش مع رئيس الوزراء الحصول على رئاسة جهاز أمني مثل المخابرات أو الأمن القومي، لضرورة التناسب بين المناصب الإدارية ذات الثقل البرلماني".
لذلك، يمكن ملاحظة أن نطاق إقالة وتنصيب رئيس الوزراء الجديد في الشهر الماضي من حياة الحكومة كان مؤثرًا للغاية، ما يدل على استقلال السوداني وحرية عمله.
وقام السوداني بإقالة كبار المسؤولين في مكتب سلفه واستبدالهم بإحسان العوضي مديرا لمكتبه، وربيع نادر مديرا للمكتب الإعلامي، وعلي شمران مديرا لقسم المراسم في ديوان رئاسة الوزراء، وعلي العامري كسكرتير شخصي له
وشملت هذه الإقالات أيضًا استبدال حميد الشطري، رئيس جهاز الأمن الوطني، الذي سلّم مسؤوليته مؤقتًا إلى وزير الداخلية الجديد، عبد الأمير الشمري، وعزل مشرق عباس من منصب المستشار السياسي. كما أقال السوداني عمّار موسى، رئيس بلدية بغداد، والفريق حميد مهدي الظاهري، قائد الفرقة الخاصة لحماية المنطقة الخضراء، ونائبي وزير الخارجية، اللذين ليسا سوى جزء من عمليات الاستبدال في الأسابيع الأخيرة.