الوقت- مضى عامان على اندلاع الحرب في تيغراي بإثيوبيا. وتستمر هذه الحرب في ظل صمت الدوائر السياسية الإعلامية في المجتمع الدولي بما في ذلك الدول الغربية. وعذر هذا الصمت هو أن حكومة أديس أبابا لا تسمح للصحفيين بالوجود في ولاية تيغراي، ولكن منذ بدء الحرب في أوكرانيا، كانت الحكومات الغربية نشطة للغاية في هذا المجال وتغطي وسائل إعلامها أخبار وتطورات الحرب في أوكرانيا كل يوم.
ويدفع المواطنون الإثيوبيون الأبرياء ثمن هذا الصمت بأرواحهم وممتلكاتهم، وكأنهم لا مكان لهم في قاموس حقوق الإنسان وهم منسيون في عصر التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاعلام المتطورة. وحول هذا السياق، كتبت الصحيفة الصومالية الجديدة، طبعة مقديشو، عن آثار الحرب الأهلية في إثيوبيا على أبناء هذا البلد وقالت: "تقارير المنظمات الدولية بشأن المستوى الصحي في إثيوبيا، وخاصة في ولاية تيغري، تظهر أنه مع بداية الحرب في هذه الولاية، انخفض المستوى الصحي حيث انخفض التطعيم ضد الأمراض من 99.3 في 100٪ عام 2020 إلى 36٪ عام 2021، وخلال هذا العام ساء الوضع الصحي في إثيوبيا حيث بلغ معدل التطعيم في هذا البلد 7٪.
ويشير تقرير المؤسسات الدولية إلى أن تطعيم الأطفال ضد مرض السل والتيفوئيد في عام 2020 كان أكثر من 90٪، لكن تطعيم الأطفال الإثيوبيين ضد هذه الأمراض بلغ 10٪ هذا العام. وبسبب هذا، انتشر التيفود في ولاية تيغراي وزاد إلى 35 مرة أكثر مما كان عليه عندما بدأت الحرب. وحسب هذه الصحيفة، فإن تدهور الحالة الإنسانية لا يقتصر على القضايا الصحية، بل إن حالة تيغراي كارثية للغاية بسبب زيادة عدد الضحايا المدنيين. ويتضح هذا الوضع عندما نقارن عدد المواطنين الأبرياء الذين تمت التضحية بهم في حرب تيغراي مع عدد المواطنين الأوكرانيين الذين قتلوا وأصيبوا في الحرب، وحسب التقرير الذي نشره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أغسطس الماضي، بلغ عدد القتلى والجرحى من المواطنين الأوكرانيين في الحرب 13212.
وفي مارس من الشهر الماضي، كتبت صحيفة كندية في تقرير عن حرب تيغراي: "في هذه الحرب، فقد ما بين 50 إلى 100 ألف من مواطني تيغراي الأبرياء حياتهم، وتوفي ما بين 150 إلى 200 ألف شخص من الجوع، ومات أكثر من 100 ألف أيضًا بسبب نقص المرافق الصحية"، وفي إشارة إلى تدمير المراكز الطبية ومحطات الطاقة والمدارس والبنية التحتية الحيوية في ولاية تيغراي، كتبت هذه الصحيفة: "الآن نزح أكثر من مليوني شخص من منازلهم ولجؤوا إلى مناطق أخرى لتجنب أضرار الحرب. وفي غضون ذلك، يحتاج أكثر من مليوني و 500 ألف إثيوبي إلى مساعدات غذائية ودوائية".
ووفقًا للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، فإن الوضع الإنساني في تيغراي أصبح الآن أكثر كارثية من الوضع الإنساني في أوكرانيا. إن حرب تيغراي في القرن الأفريقي مستمرة فيما لا توليها وسائل الإعلام الدولية بما فيها إمبراطورية الإعلام الغربي العربي اهتمامًا كبيرًا، وذلك على الرغم من أن المنظمات الدولية الناشطة في مجال الإغاثة قد كررت مرارًا وتكرارًا وأعلنت أنه بسبب التخفيضات في الميزانية، فليس من الممكن تقديم المساعدة لسكان هذه المنطقة بالكامل.
ولقد انتقد رئيس منظمة الصحة العالمية تركيز المجتمع الدولي على الحرب في أوكرانيا، بحجة أن الأزمات في أماكن أخرى بما في ذلك في إثيوبيا، لا يتم أخذها في الاعتبار، وذلك بسبب العنصرية. وتساءل تيدروس أدهانوم غيبريسوس خلال إفادة صحفية عما إذا كان "العالم يولي اهتماما مماثلا لحياة السود والبيض، بالنظر إلى أن حالات الطوارئ المستمرة في إثيوبيا واليمن وأفغانستان وسوريا لم تحظ سوى بجزء ضئيل من الاهتمام الذي حظيت به أوكرانيا". وقال إنه منذ إعلان الهدنة في إقليم تيغراي قبل ثلاثة أسابيع، كان من المفترض أن تتمكن حوالي 2000 شاحنة من إيصال الطعام والأدوية وغيرها من الضروريات إلى المنطقة التي تمزقها النزاعات، إلا أنه وصلت حوالي 20 شاحنة فقط، مضيفا: "بينما نتحدث يموت الناس جوعا.. هذا هو واحد من أطول وأسوأ عمليات الحصار من قبل القوات الإريترية والإثيوبية في التاريخ الحديث".
واعترف بأن الحرب في أوكرانيا كانت ذات أهمية عالمية، لكنه تساءل عما إذا كانت الأزمات الأخرى تحظى بالاهتمام الكافي. وقال: "أريد أن أكون صريحا وصادقا لأن العالم لا يعامل الجنس البشري بنفس الطريقة"، واصفا الوضع في تيغراي بأنه مأساوي، و"يأمل أن يعود العالم إلى رشده ويعامل حياة كل إنسان على قدم المساواة". وتساءل تيدروس: "لم أسمع في الأشهر القليلة الماضية أي رئيس دولة يتحدث عن وضع تيغراي في أي مكان في العالم المتقدم. في أي مكان. لماذا؟". وقال: "ربما السبب هو لون بشرة الناس في تيغراي". وفي أبريل، تساءل تيدروس عما إذا كان تركيز العالم الساحق على حرب روسيا في أوكرانيا ناتجا عن العنصرية، على الرغم من اعترافه بأن الصراع هناك له عواقب عالمية.
وبدأ الصراع في إثيوبيا في نوفمبر 2020، ووصل القليل من المساعدات الإنسانية بعد أن استعادت قوات تيغراي الكثير من المنطقة في حزيران 2021. وبدأت المساعدات تتدفق بشكل أكبر في الأشهر القليلة الماضية، ولكن توصف على نطاق واسع بأنها غير كافية لتلبية احتياجات الملايين من الأشخاص المحاصرين هناك بشكل أساسي. وعلى المستوى الأكثر أهمية، يمكن النظر إلى السلوك المزدوج للغربيين في نوع تمثيل الوسائط المزدوجة، أنه منذ بداية عملية بوتين العسكرية على أوكرانيا، تم توفير تغطية خاصة للأزمة الأوكرانية. وفي الأيام الأولى، أصمت صرخة وسائل الإعلام الغربية آذان العالم لتظهر للجميع أن هناك كارثة إنسانية كبيرة تحدث في هذا البلد. ولقد شنوا حربًا إعلامية موحدة ومنسقة ضد موسكو، من خلال إظهار روسيا على أنها المعتدية.
كذلك، تحاول وسائل الإعلام الغربية المختلفة تصوير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه شخص شرير وغامض وديكتاتور، والتأكيد على أنه استهدف المدنيين عسكريًا. وحتى أن العديد من وسائل الإعلام الغربية، من المواقع الرسمية إلى نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الرسمية، نشرت كميات هائلة من المعلومات المضللة ومقاطع الفيديو ومقاطع الفيديو المزيفة التي يُزعم حدوثها في أوكرانيا، لكن التحقيق كشف أن هذه الأحداث وقعت من ألعاب الكمبيوتر أو منذ سنوات في أجزاء أخرى من العالم.
إضافة إلى الإعلام والمراقبين، فعلى مستوى السياسيين الرسميين والحكوميين، فقد شهدنا انهيار الحكومات الغربية في مواجهة أزمتي أوكرانيا واثيوبيا. وعلى مدار الأسبوع الماضي، انتقد رؤساء الدول ومختلف أعضاء الوزارات الحكومية والمؤسسات السياسية الغربية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشدة العمليات الخاصة لروسيا ولم يتخلوا عن أي إجراء ضد روسيا ولا سيما الضغط السياسي، والعقوبات، وتسليح الجيش الأوكراني، وقطع وصول البنوك الروسية، وتقديم المساعدة المالية إلى كييف ومحاولة تمرير قرار مناهض لروسيا في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وحتى على صعيد آخر، قاطع الغربيون الاتحاد الروسي والبيلاروسي من خلال استغلال هيمنتهم على المؤسسات الرياضية الدولية في مختلف الألعاب الرياضية. ويشار إلى أن كل هذه الإجراءات تهدف إلى إدانة الغزو الروسي وما يسمى مواجهة عدوان موسكو، لكن هذا الوضع في وضع يغض فيه السياسيون الغربيون أعينهم منذ أشهر عن الجرائم التي تحدث في المدن الاثيوبية.