الوقت- في خريف عام 2019 وقع المغرب اتفاقية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بإشراف الولايات المتحدة واحتج الشعب والأحزاب السياسية المغربية بشدة على توقيع مثل هذا الاتفاق، لكن حكومة الرباط، متجاهلة هذه الاحتجاجات، وقعت اتفاقية تعاون اقتصادي وعسكري وأمني وسياحي ورياضي مع تل أبيب. وخلال الفترة الماضية، منعت السلطات المغربية، وقفة مناهضة للتطبيع مع إسرائيل، كان من المقرر تنظيمها أمام البرلمان. وقالت مصادر محلية لصحيفة "القدس العربي"، إن سلطات ولاية الرباط رفضت منح منظمي الوقفة الترخيص اللازم لذلك، دون أسباب. وجاءت الخطوة بعد أيام من إعلان العاهل المغربي الملك "محمد السادس"، استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في أقرب الآجال، وفق بيان صدر عن الديوان الملكي. وكانت 6 جمعيات مغربية أصدرت بيانا مشتركا وصفت فيه الخطوة بـ"التطور الخطير"، محذرة من تقديم خدمة مجانية للكيان الصهيوني.
ويرى إسماعيل حمودي الخبير السياسي، أن تسارع التطبيع العربي يصب في مصلحة إسرائيل في المقام الأول. وقال حمودي إن دينامية العلاقات المغربية الإسرائيلية "لم تقدم للقضية الفلسطينية أي شيء حتى الآن، رغم التعهدات المغربية بالتوسط لاستئناف مفاوضات السلام". وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أن العلاقات الثنائية بين الرباط وتل أبيب " تصب في مصلحة الإسرائيليين حتى الآن". وأضاف: "تل أبيب تفضّل هذا النوع من العلاقات الثنائية وتطمح إلى علاقات عربية متعددة الأطراف بدون فلسطين". وتابع: "تسعى إسرائيل للتحالف مع العرب على حساب فلسطين، وهذا ما لن تقبل به الشعوب والنخب العربية". وزاد حمودي: " هذا الأمر سيشكل باستمرار ورقة ضغط لتستغلها القوى الرافضة لهذه العلاقات". وأردف: "تلكؤ إسرائيل في الاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس يضر المغرب والأنظمة العربية".
ورداً على اتفاقية التطبيع بين تل أبيب والرباط، اعترفت أمريكا بسيادة المغرب العربي على الصحراء الغربية وفتحت قنصليتها في هذه الصحراء. كما زاد النظام الصهيوني من تعاونه العسكري الأمني مع الرباط من خلال دعم سيادة المغرب العربي على الصحراء الغربية. والصحراء الغربية هي منطقة تقع في شمال غرب إفريقيا وجنوب المغرب العربي. وتدعي حكومة الرباط ملكية هذه الصحراء وتوافق فقط على حكمها الذاتي في ظل حكم المغرب، لكن جبهة البوليساريو، مستشهدة بقرار مجلس الأمن التابع للمنظمة، تريد إجراء استفتاء على حق السكان في تحديد مصير الصحراء الغربية.
على الأرجح أن قرار الولايات المتّحدة بالاعتراف بأحقّية المغرب بالصحراء الغربية وتطبيع العلاقات الجزئي بين المملكة وإسرائيل لن يغيّرا موقف الاتحاد الأوروبي والأمم المتّحدة حيال الخلاف. فسوف تتابع الأمم المتحدة بالحث على تطبيق قرارات مجلس الأمن، فيما سيحاول الاتّحاد الأوروبي الوصول إلى توازن بين المحافظة على علاقاته المتينة مع المغرب ودعم عملية الأمم المتّحدة للسلام. لكن ضمن الاتّحاد الأوروبي، قد يكون الوضع مختلفاً بالنسبة إلى فرنسا، حليف المغرب الأقرب والدولة الأكثر تعاطفاً بين دول الاتّحاد مع موقف المملكة حيال الخلاف. فمع أنّ فرنساً تدعم رسمياً التوصّل إلى حلّ سياسيّ يتمّ التفاوض عليه برعاية الأمم المتّحدة، من غير المرجّح أن تتّخذ موقفاً معارضاً للمغرب نظراً إلى العلاقة الوثيقة بين قيادتها والنظام المغربي.
وضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انتقدت كلّ من الجزائر، منافِسة المغرب، وإيران قرار المملكة، وستصدر على الأرجح المزيد من الانتقادات من دول أخرى لها علاقات متوتّرة مع إسرائيل، مثل لبنان وسوريا والعراق. إلا أن هذه الدول ليست الجهات الحليفة المستهدَفة للمغرب، بل تعطي المملكة الأولوية في المنطقة إلى علاقاتها مع الدول الخليجية، التي تقدّم الدعم المالي والتأييد في المنتديات الإقليمية مقابل التدريب الأمني والدعم الدبلوماسي. ولن تغيّر هذه الاتفاقية علاقات المغرب بدولة قطر، وهي من أقرب الدول الحليفة للمغرب وستمتنع على الأرجح عن التعليق على الموضوع.
والمهم أن الاتّفاقية سترسّخ علاقات المغرب العاصفة مع الكتلة السعودية الإماراتية لأن الإمارات العربية المتّحدة والبحرين سبق أن طبّعتا العلاقات. وأسّست كلتا الدولتَين أيضاً قنصليتَين لهما في مدينة العيون، في اعتراف منهما بأحقّية المغرب في تلك الأرض. وفيما لا تزال المملكة العربية السعودية صامتة بشأن إمكانية التطبيع، هي واحدة من الدول الحليفة الأقرب إلى إدارة ترامب في المنطقة وقد تحذو حذو المغرب في المستقبل، ولا سيّما إن جرى لقاء نيوم المزعوم فعلاً بين ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أما عمان، وهي دولة خليجية أخرى قد تكون مرشحاً مرجَّحاً للتطبيع الجزئي، فسبق أن أشادت بقرار النظام المغربي.
وأعلنت وسائل إعلام تابعة للنظام الصهيوني، عقد لقاء النقب 2 في كانون الثاني (يناير) 2023 (كانون الأول) في مدينة إنترنه الواقعة في الصحراء الغربية، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن، ومصر والإمارات والبحرين. وأعلنت قناة "نيوز 24" التليفزيونية التابعة للنظام الصهيوني نقلا عن مسؤولين مطلعين في المنطقة المغاربية: "استعدت الرباط لاستقبال الوفود الاقتصادية والأمنية والتعليمية والسياحية تمهيدا لاجتماع النقب 2."
وحسب بعض وكالات الانباء، فإن هدف المغرب العربي من الترحيب بالوفود المذكورة هو تنفيذ المشاريع المتعلقة بالأمن الإقليمي والأمن الغذائي والأمن المائي وإمدادات الطاقة وتعزيز الشؤون الصحية والتعليمية والسياحية. وحسب مسؤولين غربيين مطلعين، تحاول حكومة الرباط إقناع السلطة الفلسطينية بالمشاركة في اجتماع النقب 2. وعقد الاجتماع الأول للاتحاد في مدينة تحمل نفس الاسم في جنوب فلسطين المحتلة خلال آذار (مارس) الماضي. وشارك في هذا الاجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة والنظام الصهيوني والأردن ومصر والإمارات والبحرين والمغرب. وفي لقاء النقب الأول، أعرب وزير خارجية المغرب، ناصر بوريطة، عن أمله في عقد لقاء النقب القادم في الصحراء الغربية.