الوقت- محاولات حثيثة من النظام السعودي لتغيير الصورة النمطية للمملكة الملطخة بالدماء و المرتبطة بدعم الإرهاب و عدم الاستقرار في المنطقة لكن كبائر خطايا محمد بن سلمان لاتزال تثقل كاهله و لا يزال سجله حافلا بانتهاك حقوق الانسان من القمع إلى الاعتقال و النفي و إصدار أحكام بالإعدام على كل من يخالفه الرأي، وفي ظل انشغال العالم بالحروب و الازمات الاقتصادية وخصوصاً أزمة الطاقة في أوروبا يسرع نظام ابن سعود وتيرة أحكام الإعدام بحق معتقلي الرأي جاء آخرها إصدار حكم الإعدام بحق الناشط المعتقل سعود الفرج.
وكانت قوات النظام السعودي قد اعتقلت الفرج في ديسمبر/ كانون الأول 2019، خلال مداهمة عسكرية لمنزل كان يسكن به مع زوجته وطفلته. بعد اقتيادهم جميعا إلى السجن دون إبراز مذكرة قضائية، فرّقت قوات النظام السعودي بين الفرج وزوجته وطفلته. و على الرغم من إطلاق سراح زوجته بعد 18 يوما من الاعتقال، إلا ان سلطات النظام السعودي تعمّدت عدم إبلاغ الفرج عن ذلك إمعانا في إيذائه وبغية ابتزازه، وظل الفرج يجهل مصيرهما لمدة سنة وتسعة أشهر.
القصة الكاملة للمعتقل سعود الفرج
نشط الفرج بشكل بارز في المظاهرات المرافقة للربيع العربي في مدينة القطيف 2011، التي رفع فيها المحتجون شعارات تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإيقاف التمييز الطائفي والاصلاح السياسي.
بدأت ملاحقة الفرج بسبب نشاطه في مرحلة مبكرة. في العام 2016 وخلال مراجعته للأحوال المدنية في محافظة القطيف من أجل إضافة زوجته في السجل المدني، اكتشف أن خدماته الالكترونية معطلة. بعد مراجعته لمركز الشرطة طلبا للاستفسار أُبلِغ أن إيقاف خدماته بأمر من المباحث العامة لإجبار أخيه حسين على تسليم نفسه.
بعد أسبوعين من اعتقال أخيه المدافع عن حقوق الإنسان حسين الفرج في يناير 2017، تلقى سعود اتصالا هاتفيا من مسؤول أمني في جهاز المباحث العامة عرّف نفسه باسم “المقدم أبو محمد” وأبلغه أن إيقاف خدماته تم الغائه، و في فبراير 2017 تلقى سعود اتصالا آخر من المسؤول ذاته طالب مقابلته في فندق الشرتون بالدمام. طلب المسؤول الأمني من سعود الفرج القيام بمهمة تعود على “الوطن” بالنفع الكثير على مستويات عدة، الداخلي والاقليمي والدولي، مع حصوله على مكافأة مالية نظير ذلك. بعد استفسار الفرج عن المهمة، قال له إن عليه إقناع مجموعة من الشباب بالسفر إلى إيران ولبنان والعراق من أجل التدريب العسكري، وسوف يزوده بالأموال اللازمة لذلك من أجل شراء التذاكر، وأن عليه إيهامهم بقيامه بالترتيبات الضرورية والأشخاص الذين سيستقبلونهم ويرسلونهم للمعسكرات، ومن ثم عليه تزويده بأسماء الأشخاص الذين تم استدراجهم وأرقام رحلاتهم الجوية. بعد رفض الفرج لهذه المهمة وقوله للمسؤول إنها لعبة شيطانية يمنعه ضميره من القيام بها، توعده المقدم (أبو محمد) بـ”المتاعب” التي ستحدث إليه.
و في ديسمبر/ كانون الأول 2019، اعتقلت قوات النظام السعودي الفرج وزوجته و طفلته خلال مداهمة عسكرية لمنزلهم. بعد اقتيادهم جميعا إلى السجن دون إبراز مذكرة قضائية. تعرض الفرج لإخفاء قسري بعد اعتقاله، ولم تستطع عائلته معرفة مكان تواجده. حُرِم أيضا من حقه الاساسي في الاستعانة بمحامٍ، وهو إجراء منهجي تعتمده السعودية مع المعتقلين في فترة التحقيق والمصادقة على الأقوال.
عُزِل الفرج في حبس انفرادي لمدة سنة وتسعة أشهر. بعد أسبوعين من اعتقاله، أدخله المحقق إلى غرفة تطل على غرفة أخرى من خلال نافذة زجاجية وشاهد زوجته. قال المحقق إنه سيجعله يشاهده فيما يغتصب زوجته برفقة آخرين، إذا لم يعترف بالتهم التي وجهت له. إضافة إلى ذلك، تعرض الفرج إلى تعذيب جسدي شديد من قبل عدة عناصر ما أدى إلى فقدانه الوعي أكثر من مرة ونُقِل عدة مرات إلى المستشفى بواسطة كرسي متحرك. أدى التعذيب أيضا إلى تورم في جسمه ومنع مرارا من فك القيود التي كانت على يديه ورجليه. كما جُرِد الفرج من ملابسه أثناء إحدى جلسات التحقيق في محاولة لإذلاله.
في يونيو 2021 وجهت النيابة العامة عدة تهم لسعود الفرج، بعضها لم ترد في دفاتر التحقيق التي كُتِبت تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي. بعض التهم استندت إلى اعترافات معتقلين آخرين تشير المعلومات إلى أنهم أيضا تعرضوا لتعذيب مماثل. من بين التهم الموجهة له، الدعوة والمشاركة والترويج للمظاهرات والاعتصامات، التواصل مع المنظمات الحقوقية، الانتماء إلى تنظيم إرهابي، والتدرب على الأسلحة وتدريب آخرين عليها. بالاستناد لهذه التهم التي بنيت على انتهاكات جسيمة للحقوق الأساسية للمتهم قبل عرضه على المحكمة، طالبت النيابة العامة بإنزال حد الحرابة بحقه.
انتهاكات النظام السعودي لمعتقلي الرأي
كشفت صحيفة إندبندنت البريطانية في تقرير لها النقاب عن الانتهاكات التي يتعرض لها معتقلو الرأي في المملكة وأكدت على أن "السجناء المحتجزين بسبب معارضتهم الحكومة، يتعرضون للتصفية والاعتداء الجنسي والتعذيب والتعرض إلى وحشية محضة". ويشير معهد غرانت ليبرتي في دراسة أجراها انه تم اعتقال 311 سجين رأي منذ استيلاء محمد بن سلمان على الحكم.
ووفقا للصحيفة البريطانية "فقد اعتقل نحو 22 سجيناً بسبب جرائم ارتكبوها عندما كانوا أطفالا، تم إعدام خمسة منهم، وتوفي أربعة في الحجز، فيما ينتظر 13 آخرون تنفيذ عقوبة الإعدام بحقهم.
تعبّر لوسي راي من معهد غرانت ليبرتي عن غضبها بالقول "يحتاج الناس إلى إعلامهم بالوحشية والجرائم مثل القتل والاعتداء الجنسي على السجناء السياسيين في المملكة، ونحن كبشر يتوجب علينا حماية الأبرياء، لا يمكن للمملكة أن يكون لها اقتصاد ناجح بعد التخلي عن عائدات النفط على الرغم من طردها في الداخل والخارج وتخسر عائدات الاستثمار الأجنبي والسياحة، والآن هو الوقت المناسب للنشطاء للمضي قدمًا والدفع من أجل التغيير في هذا البلد".
نصيب النساء من انتهاكات آل سعود
لا يتوقف النظام السعودي عند حدّ. ولا ينكفئ عن ممارسة سياسة التمييز بحق أبناء المناطق الشيعية في شبه الجزيرة العربية في الدمام، القطيف والأحساء وغيرها. هذه المرة تمثلت الوجهة المستهدفة والمطلوب قمعها وترهيبها بالهيئات والمجموعات النسائية التي تمارس دورا إرشاديا تثقيفيا وتحيي المناسبات الدينية في المناطق المذكورة آنفًا.
وفي التفاصيل، فقد استدعت المديرية العامة للمباحث عددا من النساء والفتيات من أهالي الأحساء والدمام وكذلك جزيرة تاروت والقطيف خلال الأسابيع القليلة الماضية حيث تركز التحقيق معهن بالسؤال عن زوجات المعتقلين في السجون السعودية، وعن الدور الذي تلعبه بعض الناشطات لناحية إلقاء المحاضرات والدروس، كما تم إجبارهن على توقيع تعهدات تضمنت عدم نشر وترويج أي منتج ثقافي أو ديني يخص النشاط الشيعي النسائي في البلاد.
ويشير مراقبون إلى أن هذه الحملة الشرسة من الاستدعاءات والتحقيقات المستمرة من قبل المباحث التي دُشنت منذ يوم الثلاثاء 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 تستهدف السلطة من خلالها تجفيف الأنشطة النسوية الشيعية ومحاربة المظاهر والبرامج الدينية التي تتكفل بتنشئة الأجيال الصاعدة على النهج الاسلامي الأصيل وتحصنهم من آفات وتبعات ما تشهده المملكة من تهتك أخلاقي وسلوكي تحت مسمى الانفتاح والتجديد.
كثيرة أوجه الإرهاب الممارسة ضد الناشطات خلف القضبان من قبل أذرع الحكم السلماني، فقد تعرضت الناشطة إسراء الغمغام لإخفاء قسري منذ لحظة اعتقالها، وقبل عرضها على المحكمة، ما أثار الغضب من النظام المستبد الذي يتعامل مع المواطنين على طريقة العصابات المسلحة والحركات الإرهابية، التي تنكّل بالأفراد بصورة وحشية، وكل ما تعرضت له الغمغام ولا تزال تعانيه، يمارس في ظل نظام آل سعود الذي يدّعي حاكموه “أن دستورهم القرآن”، لكن ممارساتهم لا تقترب من الدين والأخلاق والمعايير المدنية والمحلية والدولية. الناشطة الغمغام تركت تكابد الاعتقال والظروف السيئة خلف الزنازين، والمحاكمة المسيسة، والكثير من المعاناة والممارسات القاسية التي تعمد إلى الانتقام من دورها وزوجها في انتفاضة الكرامة الثانية القطيف.
في الوقت الذي يدعي محمد بن سلمان أمام العالم أنه يعمل على “الإصلاح” والتحسين في سجل حقوق الإنسان، إلا أن واقع الأمر والحقائق تدحض ادعاءاته وتبرز أن “السعودية” تواصل قمع النشطاء وأصحاب الرأي والمدافعين حقوق الإنسان ليس في القطيف فقط بل في عموم البلاد، حيث تقوم على الحكم بحد السيف والانتقام والعمليات الاستبدادية الرافضة للرأي الآخر، وتمارس ضده انتهاكات قاتلة، تجعل من قضايا النشطاء أساسا جوهريا ملزما في نفس كل إنسان حر أن يطالب ويتحرك في الأروقة العالمية من أجل المطالبة بالإفراج عنهم.