الوقت_ في الأيام الأخيرة، كثف الإعلام العبريّ التابع للعدو من تغطياته الإخباريّة حول احتماليّة وقوع حربٍ بين الكيان الصهيونيّ والمقاومة اللبنانيّة، أيْ على الجبهة الشماليّة، وقد أطلقت سلطات العدو العنان لوسائل الإعلام الإسرائيليّة بالحديث عن هذا الموضوع، في وقت تحوّل فيه حزب الله اللبنانيّ إلى قوّة تملك من الجهوزية والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لم تمتلكه بعض الدول، وقد عمد الإعلام الإسرائيليّ مؤخراً إلى الحديث تصعيدٍ جديد مع المقاومة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة، فيما يعترف ضباط في "إسرائيل" بأنّها لن تكون قادرة على خوض حرب متعددة الجبهات على الصعيد العسكريّ أو حتى على صعيد الجبهة الداخلية، بل ستتعرض لضربة هائلة قد يقتل فيها الآلاف باعتقادهم.
تغطية مكثفة
تغطية الإعلام العبريّ المركّزة على هذه القضية، فتحت الباب أما سببين لذلك، إما أنّ تل أبيب تقوم بتفعيل ماكينتها الدعائيّة في إطار الحرب النفسيّة التي يخوضها بشراسةٍ ضدّ حزب الله اللبنانيّ، وسوريا، والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وجميع فصائل المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، وفي مقدّمتها حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلاميّ"، أو إنّ القرار الإسرائيليّ بالحرب قد تمّ اتخاذه فعلاً في قيادات العدو أو من قبل المقاومة اللبنانيّة، حيث إنّ التغطية الإسرائيليّة المُكثّفة بشأن اندلاع مواجهة قريبة مع حزب الله، يهدِف لتحضير الرأي العّام في كيان الاحتلال لهذا الاحتمال.
ومراراً، أعرب العديد من الخبراء والمُختصين والمُحللين للشؤون العسكريّة في "إسرائيل" عن خشيتهم العارمة من قوّة سلاح البريّة في جيش الاحتلال، موضحين أنّ المعركة الأخيرة التي خاضتها القوات الإسرائيليّة كانت في حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973، ومؤكّدين على أنّ قادة العدو يمتنعون من أيّ حرب جديدة خشية الثمن الباهِظ من استخدام جيش البريّة في الـ”عمليات” التي يقومون بها ضدّ الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة، وبما أنّ المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في "حزب الله" حققت انتصارات كبيرة على "إسرائيل" وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية.
وبالاستناد إلى القوة العسكريّة بأبعادها العقائدية والماديّة، والتي أحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة، يسود الاعتقاد بأنّه إذا صحّت الانتقادات ضدّ الوحدات البريّة في جيش الاحتلال، فهذا يعني أنّ كلّ الأحاديث عن قوّة البريّة الإسرائيليّة لا أساس لها من الصحّة، وأنّ "إسرائيل" ليست قادرةً على حسم المعركة لا ضدّ حزب الله على الجبهة الشماليّة للأراضي الفلسطينة المحتلة، ولا ضدّ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزّة المحاصر منذ عقد ونصف.
وفي ظل النقلة النوعيّة في قدرات حزب الله على الصعيد العسكري، إذ زادت ترسانته من الأسلحة من نحو 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ حسب بعض التقديرات، ومنها تقدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكذلك الإعلام الاسرائيلي ومسؤوليه، وقد زاد عدد مقاوميه من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب حسب التقديرات نفسها، يعترف كبار قادة المؤسسة الأمنيّة بأنّ الجبهة الداخليّة للكيان الصهيونيّ ليست جاهزة وليست حاضرة للمواجهة، كما أنّ المجتمع الإسرائيليّ يُعاني من عقدة عدم الانضباط والتصرّف وفق تعليمات الجبهة الداخليّة، ناهيك عن أنّ "إسرائيل" اعترفت في أكثر من مناسبة أنّ الترسانة العسكريّة التابعة لحزب الله بات أقوى، كمًا ونوعًا، من ترسانة العديد من دول الناتو (حلف شمال الأطلسيّ).
وفي الوقت الذي بات فيه العدو الإسرائيليّ بات العدويضع سيناريو يُرجّحه للحرب المقبلة في لبنان، وهو ثلاثمئة قتيل إسرائيليّ خلال تسعة أيام، وليس هذا فحسب بل تتوّقع تل أبيب أنْ يُطلق ما معدّله 1500 صاروخ يوميًا من لبنان، كما كشفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة قبل مدّة، نقلاً عن الجنرال أفيف كوخافي القائد العّام لجيش الاحتلال، لذلك لم يكُن مفاجئًا أبداً أنْ يتحدث أحد المصادر الأمنيّة الإسرائيليّة الرفيعة أنّ التوتّر على الحدود مع لبنان يزيد من إمكانية أنْ تحصل حادثة أمنية كبيرة في الشمال الفلسطينيّ، مضيفاً: "إنّ ذلك لا يُشعر به على الأرض، لكن السخونة تزداد في العمق، إذ إنّنا نحتاج فقط إلى الشرارة التي ستشعل المنطقة”.
إجراءات عمليّة
لا يخفى على أحد أنّ قوة المقاومة اللبنانية العسكرية تستند بالدرجة الأولى على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وتستخدم استراتيجية الحزب عادةً القذائف والصواريخ كأسلحة هجومية، إضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والدروع المضادة للدروع، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، وقد بيّن الإعلام العبريّ قبل مدّة أنّ مدى تأثير حزب الله على التدريبات الإسرائيليّة السابقة، وكيف أنّ هاجسه بالنسبة للكيان الاحتلال ما يزال كما كان في السابق، أيْ نفس الهاجس، الذي يقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً ومستوطنين.
واليوم، قرر الإسرائيليون إقامة مجموعة جهوزية في (كريات شمونة)، وهي قرية الخالصة الفلسطينيّة، وذلك للمرة الأولى منذ إنشاء السرطان الإسرائيليّ عام 1948، كما أنّ المدينة الشمالية تجند في هذه الأيام سكاناً منها لتقديم جواب أمنيٍّ عند الحاجة، حيث تم تجنيد 20 عضواً في الحي الشمالي (يوفليم) في (كريات شمونة) ضمن مجموعة جهوزية، ويصل عدد سكان المدينة يصِل إلى 22 ألف شخص، معظمهم من الّذين تمّ جلبهم من الدول العربيّة في شمال أفريقيا، وعلى نحو خاصٍّ من المملكة المغربية.
ووفقاً لوسائل إعلام عبريّة، يتم التخطيط في المستقبل لإنشاء مجموعة جهوزيّة إضافية ترتكز على مقاتلين من المدرسة الدينية الواقعة في المدينة وتعطي جوابًا لبقية أجزاء المدينة، ونقلت عن ضابط أمن البلدية قوله: “نحن ندرك الحاجة العملانية، على ضوء التطورات من الشمال عندما يكون هناك تهديدات باحتلال مستوطنات والتسلل إلى داخلها”، كما نُقل عن رئيس البلدية آفيحاي شترن قوله “في سنوات الـ70 تسلل مخربون وقتلوا 16 شخصًا من سكان المدينة، من بينهم أبناء عائلتي”، مضيفًا: المتسللون الذين يتسللون من لبنان يأتون إلى مستوطنة (مرغليوت) المتاخمة، وكذلك من المنحدرات إلى (كريات شمونة)، لكننا في ساعة الحقيقة من المهم أنْ نستطيع إعطاء جواب أوليٍّ، لأنّ ردّ الجيش سيستغرق وقتًا، وهؤلاء المقاتلون يمكنهم تقديم جواب على حادثة في بدايتها”، على حد تعبيره.
وتقضي الخطة الإسرائيليّة الجديدة بأن تجهز أعضاء مجموعة الجهوزية في (كريات شمونة) بأسلحة، وسترات واقية وأجهزة اتصال، إضافة إلى ذلك سيتم تأهيل الطواقم أيضًا على تقديم مساعدة طبية أولية والمساعدة في حال حصول هزات أرضيّة، إضافة إلى أنّ تعزيز الجهوزية لا يتلخص فقط في (كريات شمونة)، بل تجري مناورة ستستمر لعدّة أيّامٍ، وستختبر مجموعات الجهوزية في المستوطنات الحدوديّة سوية مع كتائب فرقة (برعام)، وسيتم اختبار الجواب على سيناريوهات كثيرة مرتبطة بالحدود الشمالية ومن بينها التسلل إلى المستوطنات.
تهديد الصواريخ
بالتزامن مع حديث تقارير إعلامية كثيرة أنّ حزب الله يمتلك كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، فضلًا عن آلاف من القذائف المضادة للدبابات التي يتمتع عناصره بمهارات في استخدامها، وتشمل نقاط القوة التكتيكية لحزب الله التغطية والإخفاء، والنيران المباشرة، وإعداد المواقع القتالية، فيما ترجح تقديرات العدو أن لدى المقاومة اللبنانية 45000 صاروخ قصيرة المدى تصل إلى 40 كم، من دون قذائف الهاون التي يمتلكها التنظيم إلى جانب 80000 صاروخ متوسط وطويل المدى يتميز بدقته.
وفي هذا الشأن، قال نائب وزير الأمن السابق التابع للعدو، إفراييم سنيه، والذي تبوأ مناصب أخرى كثيرة بالمؤسسة الأمنيّة وفي الكنيست، إنّ التهديد الذي يُكثرون الحديث عنه في الفترة المتضية هو تهديد الصواريخ الدقيقة، إضافة إلى الطائرات المُسيّرة المُهاجمة التي تُحلِّق على ارتفاعاتٍ قليلة، ولكنّ التحدّي الذي لا يتناولونه، هو التهديد الإقليميّ المُتمثل بالصواريخ الهايبر، التي تفوق سرعتها بعدّة مرّات سرعة الصوت، وإنّ هذا النوع من الصواريخ يختلِف عن الصواريخ العابرة للقارّات، لأنّ أهدافها ومسارها ليسا متوقّعين، أي منذ انطلاق هذه الصواريخ، وحتى إصابتها الهدف.
وبالتالي، إنّ قدرات حزب الله العسكريّة تفوق القدرات التي يعرفها العالم عنه، وهي في تزايد مستمر، الشيء الذي يجعل العدو الصهيونيّ مداوماً على إنشاء خطط محتملة لخوض حرب ضد المقاومة اللبنانيّة، رغم أنّ المسؤولين العسكريين الإسرائيليين مُتردّدون بشأن إعداد وتجهيز الإسرائيليين لحرب مستقبلية مع حزب الله، فهناك سيناريو مرجعي من جهة يتحدث عن وابل من الصواريخ والإصابات التي لم يشهدها الكيان منذ إقامة الدولة الطائفيّة على أنقاض شعب فلسطين في النكبة، ومن ناحية أخرى لا يرغبون في التسبّب في الذعر بين الجمهور، على حدّ تعبيرهم، حيث إنّ اللّواء احتياط في جيش الكيان، والمسؤول السابق لملف تلقّي شكاوى الجنود، يتسحاق بريك، قال إنّ وضع قوات العدو في تدهور، وأنّه منذ 1965 لم يشهد الجيش مثل هذا التراجع، مُشدّدًا في الوقت ذاته على أنّه طالب بتشكيل لجنة تحقيقٍ خاصّةٍ بذلك، لكن دون جدوى.
في الحقيقة، يعترف الإسرائيليون بأنّ الأراضي التي يسيطرون عليها باحتلالهم العسكريّ في فلسطين باتت بالكامل في مرمى صواريخ المُقاومة، بما في ذلك مفاعل ديمونا النوويّ، وجميع المنشآت الحساسّة في "إسرائيل"، حيث تحوّل "حزب الله" إلى تهديد حقيقيّ لكيان الاحتلال الغاشم عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ نتيجة، تجعل العدو الإسرائيلي يحسب ألف حساب قبل الدخول في أيّ حرب، في وقت تتحدث فيه بعض الدراسات أنّ حزب الله يعد أضخم قوة عسكرية خارج إطار الجيوش النظامية في العالم، و يمتلك ترسانة هائلة من المدفعية الصاروخية، إضافة إلى صواريخ باليستية، ومضادات للطائرات، وأسلحة مضادة للدبابات إضافة إلى القذائف المضادة للسفن قادرة على ردع العدم أكثر مما يتخيل، وهنا تظهر المقاومة في لبنان كقوة هامة تُخيف الصهاينة بشدّة، بالمقابل، يظهر العدو الصهيونيّ بمواقفه عاجزاً عن إدراك وتفسير حجم تنامي وثبات المقاومة في لبنان وغيره، مقدماً للداخل الإسرائيلي على وجه الخصوص، انتصارات مخجلة ومكشوفة للتغطية على فشله الحقيقيّ وارتباكه وضعفه، فيما تسجل المقاومة في أكثر من دولة حضوراً مهماً يبرهن على قوتها وثباتها في مواجهة العصابات الصهيونيّة وداعميها.