الوقت- تغيرات سياسية تركية كبرى تشهدها الساحة الدولية على صعيد استعادة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق ورغبة جامحة بإنهاء حالة الفوضى المنتشرة في الشمال السوري، هذه الرغبة التي دفعت تركيا لمطالبة الائتلاف السوري المعارض وقواته بالانسحاب من الأراضي التركية، ما أثار ضجة كبيرة في الأوساط المسلحة، وفي هذا الصدد أجرت مراسلة موقع الوقت التحليلي الإخباري مقابلة مع الإعلامي والمحلل السياسي "أحمد رفعت يوسف" وتناولت فيها الجوانب التالية:
الوقت: ما تعليقكم حول استمرار أنقرة في مساعيها لإعادة العلاقات مع دمشق؟
أحمد رفعت يوسف : كان واضحاً منذ بداية العدوان على سورية عام 2011 وانخراط نظام أردوغان الأخواني المباشر في هذا العدوان، أن تركيا قرأت ما يجري بشكل خاطئ، وبالتالي بنت عليها مواقف وسياسات خاطئة، فرأينا كيف حاولت التدخل بالشؤون الداخلية لسورية من خلال محاولتها فرض هوية خاصة للدولة السورية عن طريق محاولة إدخال الأخوان المسلمين في نظام الحكم في سورية، وفي فتح حدودها مشرعة لإدخال عشرات الألوف من المجموعات الإرهابية المسلحة إلى الداخل السوري وقيام جيشها وأجهزة استخباراتها بتشكيل مجموعات مسلحة تعمل بإمرتها المباشرة، وتبنيها لمجموعات أخرى مثل القاعدة التي غيرت اسمها إلى جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام، وفتح أبوابها لللاجئين السوريين وتجهيز مخيمات لجوء لهم حتى قبل أن يبدأ العدوان، ليس لأسباب إنسانية كما تحاول أن تروج، وإنما للمتاجرة بهم ولجعلهم قوة ضغط للتدخل في الحل السياسي من جهة، ولابتزاز المجموعة الأوروبية والعربية تحت ستار مساعدات اللاجئين من جهة ثانية.
كانت تقديرات تركيا وتحالف العدوان أن سورية ستسقط بيدهم خلال بضعة أشهر، لكن سورية والشعب السوري والجيش السوري خيبوا آمالهم، وصمدت سورية صمودا أسطوريا وغير متوقع، ومضت الأشهر التي حددوها ثم سنوات حتى بلغت حوالي أحد عشر عاما وسورية صامدة، ما أسقط مخططاتهم وأوهامهم، وسقطت معها مشاريعهم التي توهموها وخططوا لها في سورية والمنطقة، وفي مقدمتها مشروع "العثمانية الجديدة" الذي كان المشروع الحلم لنظام أردوغان.
وفي القاعدة العامة للصراعات والحروب أن الخاسر يدفع الثمن، وهكذا بدأت الارتدادات السلبية تنعكس على تركيا في كل المجالات، حيث تحولت سياسة صفر أعداء التي طرحوها قبل العدوان، وكانت العلاقات مع سورية نموذجاً لها إلى صفر أصدقاء.
وتحول اللاجئون السوريون من "فرصة ومشروع" إلى عبء على تركيا، كما أدى إغلاق البوابة السورية أمام البضائع التركية نحو الخليج الفارسي والعراق وبقية الدول العربية إلى مشاكل حقيقية للاقتصاد التركي، لتساهم لاحقا في تعرضه إلى أزمة عميقة كما نراها اليوم.
كما استنزف انخراط تركيا في تشكيل المجموعات الإرهابية ورعايتها، وفي الاعتداءات التي شنتها على سورية، الخزينة التركية حيث تقدر تكلفة وجود وحدات من الجيش التركي في سورية ملياري دولار سنوياً.
كما أدت التغيرات والتحولات في موازين القوى والقوة في المنطقة والعالم، إلى انخراط تركيا بالعمل المباشر مع روسيا وإيران، وهما أهم حليفين لسورية ومن الطبيعي أن تكون السياسات التركية الخاطئة في سورية أهم عقبة في تطوير هذه العلاقة.
هذه النتيجة وما رافقها من فشل وإحباطات في الأهداف والمخططات التركية، أوصلت النظام التركي إلى نتيجة تؤكد أن كل محاولاته لتصحيح علاقات مع دول المنطقة كما رأينا مع السعودية والإمارات ومصر والكيان الصهيوني لن تساوي شيئاً إذا بقيت نافذته السورية مغلقة.
كما تأكد لهذا النظام أن علاقاته مع القوى الصاعدة في المنطقة والعالم وفي مقدمتها روسيا وإيران والصين لن تكون مكتملة إذا لم يصحح علاقاته مع الدولة السورية ونحن تعرف أنه سمع هذا الكلام مباشر من قادة ومسؤولي هذه الدول.
كل هذه النتائج والخيبات والمشاكل التي انعكست سلباً على تركيا أجبرت نظام أردوغان على تغيير قراءته للأوضاع في سورية، والعمل على محاولة تصحيح سياساته وبمساعدة مباشرة من قبل الأصدقاء الروس والإيرانيين، وكانت الأخبار التي بدأنا نسمعها حول التحول في السياسة التركية، والحديث عن لقاءات أمنية وسياسية بين البلدين - وإن كانت على مستويات غير كافية حتى الآن - هي المؤشر الأهم على التغير في السياسات التركية، ونعتقد أن المستقبل القريب سيحمل الكثير من هذه الأخبار ولكن لا شيء دون ثمن.
الوقت : ما تفسيركم للإجراء التركي الأخير حول مطالبة "المعارضة السورية" مغادرة الأراضي التركية؟
أحمد رفعت يوسف : من الطبيعي أن يكون الإجراء الأول من قبل تركيا لتصحيح سياساتها الفاشلة تجاه سورية، يكمن في وقف دعم المجموعات الإرهابية المسلحة التي تعمل بإمرتها، وفي وقف دعم تنظيمات المعارضة التي تعمل بإمرتها أيضا، وفي مقدمتها الإئتلاف الوطني والأخوان المسلمين، وهو ما بدأنا نسمع بأن تركيا شرعت في تنفيذه، وخاصة في جانبها السياسي باعتباره الأسهل للتنفيذ، وتناقلت وسائل الإعلام أخباراً يبدو أنها صحيحة عن استدعاء أعضاء الائتلاف السوري وما يسمى الحكومة المؤقتة إلى تركيا وإبلاغهم بضرورة وقف نشاطاتهم في تركيا وبأنها ستخفض الدعم المالي المقدم لهم (كتلطيف لقرار وقف هذا الدعم) وبأن على المقيمين من هؤلاء في تركيا البحث عن مكان آخر للإقامة.
نعتقد أن هذا الإجراء هو خطوة أولى في مكانها الصحيح، وتؤكد وجود إرادة تركية لتغيير سياساتها كمقدمة لتحسين العلاقات السورية التركية، لأن هذا الأمر أصبح مصلحة تركية ملحة، ولن ترهن هذه المصالح لأجل أشخاص لم يكن دورهم أكثر من أدوات وبيادق وانتهت مهمتهم.
الوقت : ما هي المرحلة التي يجب أن تتوصل إليها هذه الإجراءات حتى تتمكن سوريا من اتخاذ إجراءات لتطبيع علاقاتها مع تركيا؟
أحمد رفعت يوسف: أعتقد أنه من المستحيل أن تشهد العلاقات السورية التركية تحسنا حقيقيا ما لم تتخذ أنقرة إجراءات جديدة وحقيقية وتطبقها على الأرض في موضوعين أساسيين، الأول هو وقف دعم ورعاية المجموعات الإرهابية المسلحة العاملة في ادلب وبعض مناطق الشمال السوري، التي تعمل بشكل مباشر بقيادة ورعاية الجيش التركي والاستخبارات التركية، وعلى تركيا أن تجد بنفسها الحل لهؤلاء لأنها كانت السبب بوجودهم، طبعا هذا الأمر بالتأكيد يتطلب تعاونا من سورية والأصدقاء وتحديداً الروس والإيرانيين، ولكن العمل الأساس بتوجب على تركيا أن تقوم به.
والخطوة الثانية التي يجب على تركيا أن تقوم بها هي وقف استضافة ورعاية بعض تنظيمات المعارضة وتحديدا الأخوان المسلمين والإئتلاف السوري، لأنه لا تنطبق على هؤلاء توصيف المعارضات، لأنهم مرتبطون بمشاريع ومخططات أجنبية معادية للدولة السورية والشعب السوري ودورهم مجرد أدوات بيد هذه المخططات.
وهذا يتطلب تلقائيا وقف الاعتداءات التركية، وانسحابها من المناطق التي توجد فيها بشكل غير مشروع.
كما يتطلب وقف التدخل التركي المباشر وغير المباشر بالسياسات الداخلية لسورية وخاصة في موضوع عمل اللجنة الدستورية، لأن هذا الموضوع شأن سوري داخلي بحت ولا علاقة لأحد به سوى الشعب السوري وخيارته الحرة في تحديد الهوية الوطنية والقومية للدولة السورية.
طبعا أعتقد أن الدولة السورية تدرك أن هذه الأمور معقدة ومتشابكة ومن المستحيل القيام بها بخطوة واحدة أو في زمن قصير وحتى من قبل تركيا بمفردها، وبالتالي يحتاج الأمر إلى وقت وإجراءات معقدة، وقد تحتاج في بعض المراحل إلى تدخل ميداني، ولكن لا بد من رؤية سياسية تركية واضحة وذات مصداقية، تؤكد وجود إرادة حقيقية من نظام أدوغان لتصحيح سياساته تجاه سورية، بالتالي أعتقد أن على أنقرة أن تلتزم بالقيام بخطوات محددة في هذا الاتجاه، وبأوقات زمنية متفق عليها، ودون أي مماطلة، كشرط لقبول الدولة السورية ببدء تطبيع علاقاتها مع تركيا، والحكم على ذلك سيكون على الأفعال وليس على الأقوال، لأن الثقة مفقودة بالنظام التركي.
الوقت: ما هي العواقب التي قد تترتب على انتقال هؤلاء المعارضين إلى السعودية أو الأردن بناءً على علاقات هذه الدول مع سوريا؟
أحمد رفعت يوسف: أعتقد أن أمر انتقال هؤلاء إلى الأردن أو إلى السعودية أو أي مكان آخر هو تفصيل هامشي وصغير أمام الخطوات الأخرى المطلوبة من النظام التركي لتصحيح علاقاته مع الدولة السورية، ولكن في حال تأكد قرار الطلب منهم مغادرة تركيا والبحث عن أماكن بديلة لاستضافتهم فستكون أحد المؤشرات العملية المطلوبة من تركيا لتأكيد رغبتها بتصحيح سياساتها تجاه سورية. عموما لا يزال الأمر مجرد أخبار غير مؤكدة، لكن على ما يبدو أنها ليست من فراغ،
أما اختيار الأردن أو السعودية لإقامة هؤلاء، فأعتقد أنه لن يكون بهذه البساطة لأن الأردن والسعودية معنيتان أيضاً بتصحيح علاقاتهما مع سورية.
ولكن في قراءة مؤشرات هذه الخطوة وبغض النظر عن المكان الذي سينتقل إليه هؤلاء فهو تأكيد على فشل الأهداف والمخططات العدوانية التي كانت تستهدف سورية، واتخذت من هؤلاء العملاء مجرد أدوات وبيادق محلية لتنفيذ مخططاتهم، وأعتقد أن الأردن والسعودية لن تكونا مرحبتين بهم ولا حتى أي دولة أخرى، لأن أدوراهم فشلت وانتهت واحترقت أوراقهم، وأعتقد أنهم سيبقون الآن متنقلين من مكان إلى آخر حتى تأتي لحظة تضيق الأرض بهم، ولا أعرف حينها ماذا سيكون مصيرهم، لكنه بالتأكيد لن يكون جيداً وسينتهون كما انتهى كل العملاء.
الوقت : إلى أي مدى تم إرساء أسس العلاقات السياسية بين سوريا وتركيا؟
أحمد رفعت يوسف: لا يزال الحذر والثقة المفقودة بالسياسات التركية هما المسيطران على سياسات الدولة السورية تجاه تركيا.
وعدم الثقة هذه لم تأت من فراغ وإنما جاءت من مسارين، الأول دور تركيا وانخراطها المباشر في العدوان على سورية، وفي تخريب الاقتصاد السوري، وسرقة المصانع وموجودات الشركات وخاصة من حلب، وفي الدعم المباشر الذي تقدمه للمجموعات الإرهابية المسلحة التي تعمل بإمرتها.
أما المسار الثاني لعدم الثقة السورية بالنظام التركي فقد جاء من المراوغة وعدم الالتزام بالأقوال والتعهدات التي ميزت السياسات التركية بشكل عام وتجاه سورية بشكل خاص، وهو ما رأيناه في التناقض بين ما توقع عليه تركيا في اجتماعات استانا مع الأصدقاء الروس والإيرانيين، وتحديدا في موضوع الالتزام بوحدة الأراضي السورية، وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، فيما الواقع على الأرض نرى سياسات وتصرفات مختلفة حيث نرى الاعتداءات التركية المتكررة على سورية، وبوجود وحدات من الجيش التركي في ادلب وبعض مناطق الشمال السوري، ورعاية ودعم المجموعات الإرهابية فيها، وفي استضافة تركيا لبعض جماعات المعارضة وخاصة الأخوان المسلمين والإئتلاف الوطني.
كما تجلى واضحا في عدم التزام أردوغان بما تعهد به واتفق عليه مع الرئيس الروسي بوتين خلال قمتي سوتشي وموسكو، حيث تم الاتفاق على خطوات محددة على تركيا أن تقوم بها لكن أردوغان كان مراوغاً ولم يلتزم بها ولم ينفذها.
هذه السياسات التركية جعلت عامل الثقة مفقود تماماً عند القيادة السورية، بكل ما تتعهد به تركيا وأدوغان شخصيا، وبالتالي سيبقى أي شيء يتم الاتفاق عليه مرهونا ليس بما يقوله أدوغان وتتعهد به حكومته، وإنما بما يتم تطبيقه على الأرض فقط، وأعتقد أن هذه السياسية هي التي ستحكم السياسة السورية تجاه تركيا، وما تقوله عن محاولات لتصحيح سياساتها في سورية.
وبالمحصلة هناك مؤشرات بتغير السياسات التركية، ليس حباً بسورية، أو بصحوة ضمير من أردوغان وحكومته، وإنما بسبب فشل مخططاتهم وسياساتهم ورهاناتهم وأوهامهم ولقراءاتهم الخاطئة للوضع في سورية.