الوقت - دخل الدستور التونسي الجديد حيز التنفيذ بعد إعلان هيئة الانتخابات عن النتائج النهائية لاستفتاء يوليو.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مساء الثلاثاء، النتائج النهائية للاستفتاء وهو ما يعني دخول الدستور الجديد الذي أعده الرئيس قيس سعيد حيز التنفيذ، وفق مقتضيات الفصل 139 منه.
وأعلن رئيس الهيئة، فاروق بو عسكر، في ندوة صحفية، عن النتائج النهائية للاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد، حيث بلغت نسبة التصويت بنعم 94.6 في المئة (مليونان وستمئة وسبعة آلاف وثمانمئة وأربع وثمانون)، فيما بلغت نسبة الإجابة بلا 5.40 في المئة (148 ألفاً و723).
وأكدت الهيئة بشكل رسمي قبول نص الدستور الجديد للجمهورية التونسية، و”ذلك بعد استيفاء البت ابتدائياً واستئنافياً في الطعون في النتائج المقدمة من قبل منظمة “أنا يقظ” وحزبي آفاق تونس والشعب يريد، على أن يتم نشر نصه كاملاً بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في غضون الساعات القليلة القادمة”.
وأشار بو عسكر إلى أن الاستفتاء ”دار في الداخل وفي الخارج بشكل محكم، رغم حملات التشكيك ومحاولات الإرباك من قبل بعض الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية، مؤكداً أن “القضاء الإداري بسط رقابته على كامل عملية الاستفتاء”.
وأضاف: “الاستفتاء تم في أجواء ديمقراطية وشفافة، وحملة الاستفتاء لم تشهد مخالفات مؤثرة على مجرى نتائج الاستفتاء. واستهداف الهيئة لم يحبط عزيمة أعضائها في إنجاز الاستفتاء بطريقة شفافة ونزيهة بمشاركة أكثر من 7 آلاف مراقب وطني وأجنبي”.
وقال بو عسكر إن الهيئة تستعد لتنظيم المواعيد الانتخابية المقررة في الدستور الجديد في مواعيدها “في انتظار إصدار قانون الانتخابي الجديد واستكمال تركيبة الهيئة بعد استقالة عضو وقرار المجلس تجميد عضو ثان (سامي بم سلامة) بسبب ما وصفه بوعسكر بارتكابه جملة من الخروقات”.
وقال المتحدث باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري، إن “الهيئة لا يمكنها الآن ضبط روزنامة المواعيد الانتخابية المقبلة في غياب قانون انتخابي جديد”.
ودعا إلى تسريع إصدار نص القانون الانتخابي الجديد، مشيراً إلى أن “رئيس الجمهورية أعلن 17 كانون الأول/ديسمبر 2022 موعداً للانتخابات التشريعية التي ستفرز الغرفة التشريعية الأولى، أي مجلس نواب الشعب الجديد، في انتظار ضبط موعد الانتخابات الخاصة بمجلس الجهات والأقاليم”.
وأضاف: “الهيئة أحالت 43 شكاية جزائية على القضاء من أجل الإشهار السياسي وتعليق اللافتات في غير أماكنها المخصصة”.
ورفضت المعارضة الاعتراف بالدستور الجديدة، حيث كتب رفيق عبد السلام، القيادي في حركة النهضة: “الرئيس الفرنسي ماكرون في اتصال هاتفي مع قيس اعتبر أن الاستفتاء على دستور سعيد خطوة في الاتجاه الصحيح، بينما قاطعه 75 في المئة من التونسيين (هذا إذا سلمنا بنتائج هيئة الانتخابات المزيفة أصلاً) ورفضته كل الأحزاب السياسية تقريباً، باستثناء حركة الشعب التي تعودت على امتطاء العربات العسكرية لكل الانقلابات في المنطقة”.
وأضاف: “هذا يعني أن الشعب التونسي اعتبر الاستفتاء على دستور كتبه شخص واحد وعدله شخص واحد وأخرجه شخص واحد واحد، هو ردة للوراء وخطوات إلى ما خلف الخلف، بينما يعتبره الرئيس الفرنسي ماكرون خطوة إلى الأمام. تفسير ذلك أن الفرنسيين يريدون دعم سياسة الأمر الواقع التي يفرضها قيس سعيد بقوة الأجهزة، ولكن مع طلب شيء من التجميل والتزويق على طريقة سيسي مصر، من قبيل استدعاء المعارضة لجلسات الحوار، بما يتيح لهم تسويق انقلاب قيس سعيد وادعاء إنقاذ الديمقراطية المغدور بها في تونس”.
وكتب عضو جبهة الخلاص الوطني، سمير ديلو: “سيبقى دستور المغالبة (الذي انفرد بكتابته شخص وحيد) ساري المفعول ما بقي كاتبه قائماً على حراسته بهراوة السّلطات المجتمعة”.
وأضاف عبد اللطيف المكي، أمين عام حزب “العمل والإنجاز”: “الحل هو في استعادة البلاد من الانقلاب حتى لا يستقر نظام فردي استبدادي وعقيم، ثم إصلاح مسارنا الديمقراطي من نقائصه في ما قبل 25 جويلية 2021، وهو ما يتطلب نفَسا قوياً وربماً طويلاً”.
ورفضت المحكمة الإدارية في مرحلة الاستئناف، صباح الثلاثاء، الطعن الوحيد المقدم من حزب "آفاق تونس"، بعد أن رفضت في المرحلة الابتدائية ثلاثة طعون كانت قد قدمتها منظمة (أنا يقظ) وحزبا آفاق تونس والشعب يريد.
ويري المحلل السياسي التونسي، برهان العجلاني، أن رفض الطعون المقدمة يؤكد أنها "لا ترتقي للتأثير على نتائج الانتخابات في مجملها".
ويشير العجلاني إلى توحيد "الدستور الجديد" للسلطة التي كانت مشتتة داخل النظام البرلماني ما تسبب في "تنازع وصراع على الصلاحيات" خلال الفترة الماضية.
ويرى أن إقرار الدستور جاء لـ"تصحيح المسار الديمقراطي في البلاد، ووضع عنوان واضح للحكم في تونس، والحفاظ على جملة من المكاسب للشعب التونسي وفقا لضوابط جديدة".
من جهته، يؤكد الكاتب الصحفي التونسي، فرح شندول، أن "الدستور أصبح أمرأ واقعا ملموسا" بعد دخوله طور التنفيذ في تونس ليسطر بذلك النظام السياسي الجديد في البلاد، وفقا لحديثه لموقع "الحرة".
ويرى الكاتب الصحفي التونس، محمد بوعود، أن النظام السياسي الجديد يبدأ أولى خطواته كـ"أمر واقع"، بعدما أضفى عليه "الاستفتاء الشعبي" الشرعية.
في وقت سابق، أعلنت المعارضة "رفضها للاستفتاء وشككت في نتائجه"، وخرجت تظاهرات في عدة مدن تونسية منددة باحتكار قيس سعيد لكامل السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ 25 يوليو 2021.
وحسب حديث شندول فلم يبق أمام القوى المعارضة للرئيس أي ذريعة سياسية أو قانونية لمعارضة الدستور، لكنها تمتلك خيارات أخرى.
ودأبت قوى المعارضة على اتهام الرئيس التونسي بـ"تكريس الديكتاتورية والاستئثار بالسلطة"، وهي مازالت "مصرة على مواقفها"، وفقا لرأي شندول.
وتنظم تلك القوى المسيرات والاحتجاجات للتعبير عن رأيها، وأصبح مجال تحركها في نطاق "الشارع والمنتديات ووسائل الإعلام"، حسب شندول.
وتوقع استمرار المعارضة في تنظيم الاحتجاجات، لكن يشير إلى "ارتباط ذلك بمدى تأثيرها على الشارع التونسي"، مؤكدا أن تحركات المعارضة لم تعد تستقطب "حشودا جماهيرية كبيرة يمكنها التأثير في قرارات السلطة السياسية".
ويتحدث بوعود عن خيار آخر أمام المعارضة، وهو "المشاركة في الاستحقاقات القادمة وأبرزها الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 ديسمبر القادم".
ويمكن للمعارضة "حشد قواها للفوز بالأغلبية البرلمانية"، لكن في حال اختيارها "المقاطعة" فقد لا تمتلك أي حظوظ في المشهد السياسي بالبلاد.
ويحذر بوعود من "مغبة مقاطعة تلك القوى للانتخابات البرلمانية"، ما قد يضفي على تونس "مشهداً سياسياً أحادي الجانب" دون وجود توازن بين سلطة حاكمة ومعارضة قوية.
ويتحدث العجلاني عن تعقد المشهد السياسي في تونس "نتيجة تشتت قوى المعارضة وغياب العناصر القيادية التي توحد مجهوداتها في إطار مشروع سياسي واضح المعالم".
ويشير إلى غياب أكثر من 7 ملايين ناخب عن الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على الدستور، مرجعا ذلك لـ"فشل كل المكونات السياسية في إقناع هؤلاء بالانخراط في العمل السياسي".
ويؤكد شندول أن الشارع "ملك الجميع في تونس سواء معارضين أو مؤيدين"، مشيرا إلى أن "الأيام القادمة سوف تكشف قراءات واستراتيجيات قوى المعارضة للرد على الدستور الجديد".