الوقت- هل يمكن القول إن المياه عادت إلى مجاريها بين سوريا و الإمارات بعد أكثر من 11 عاماً من قطع الإمارات وباقي الدول الخليجية (باستثناء عُمان)، ومعظم الدول العربية، علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق في فبراير 2012، تزامناً مع تعليق جامعة الدول العربية عضوية سوريا، ودعم الدول الخليجية، بينها الإمارات، حليفة الولايات المتحدة في المنطقة، المجموعات المسلحة بأطيافها المختلفة في حراكها ضد الدولة السورية.
وبدأت التغيرات بعودة العلاقات الدبلوماسية وافتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وفي نوفمبر الماضي، التقى وزير الخارجية الإماراتي الأسد في دمشق في أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع إلى سوريا منذ بدء النزاع، وصولاً إلى زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للإمارات، ولقائه بنائب رئيس الدولة وحاكم أبو ظبي محمد بن زايد، ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم. كل ذلك يشير إلى مساعي الإمارات لأن تكون صانعة قرار في الشرق الأوسط، وأبعد من ذلك في أوراسيا، ويشمل ذلك أن تلجأ إليها كل أطراف النزاع باعتبار ها موضع ثقة.
و يظهر ذلك جلياً من خلال محاولة أبوظبي، الانفتاح على حكومات المنطقة، تزامناً مع تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإعادة تركيز اهتمامها على آسيا. من جهة أخرى يعتبر الأسد حليفاً أساسياً لموسكو ويرى الإماراتيون في ذلك فرصة للتفاوض على واقع جديد في الشرق الأوسط يُساهم في استقرار المنطقة، لأن الأسد ربح في حربه ضد الإرهاب، وهناك قوة نووية تدعمه بشكل كامل.
و من جانب آخر، في بلد يعيش تحديات اقتصادية كبيرة، و قد نزح وتشرّد أكثر من نصف سكانه ودُمّرت بنيته التحتية، تسعى دمشق أيضًا إلى إعادة الدفء لعلاقاتها مع دول المنطقة لإعادة إعمار البلاد التي مزّقتها الحرب.
تبادل مصالح
ويرى عدد من المحللين أن حكومة دمشق تحاول، من خلال التقارب مع الإمارات، الحصول على مكاسب اقتصادية، يمكن أن تساهم في انتشال الاقتصاد السوري من وضعه المتردي. فيما تنظر أبوظبي إلى تطور العلاقات السورية الإماراتية من منظور جيوستراتيجي. إذ تسعى الحكومة الإماراتية إلى استغلال علاقاتها مع الأسد للدخول في مساومات مع مختلف الأقطاب الإقليمية، كما أن سوريا قد تصبح في المستقبل معبرا لخط طاقة يصل إلى أوروبا، ويشكل بديلا للغاز الروسي.
من ناحيتها أبوظبي تنتهج، منذ أكثر من سنة، سياسة تصفير المشاكل مع مختلف الأقطاب الإقليمية، بهدف خلق شبكة علاقات آمنة، تحميها في حال حصل تراجع مفاجئ في الالتزامات الأمنية الأميركية حيال الدول الخليجية، إضافة إلى ذلك تخشى الإمارات من أن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران سيحرر عشرات المليارات الإيرانية المجمدة بسبب العقوبات الأميركية، ويجعل الغاز الإيراني بديلا للغاز الروسي. وهي تريد عرقلة ذلك، لأنها تعتبره مهددا للأمن القومي لدول الخليج الفارسي.
استثمارات اماراتية سابقة
كان للشركات الإماراتية قبل 2011 حضور قوي في السوق السوري، من خلال استثمارات ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات، إذ وصل حجم الاستثمارات الإماراتية في سورية إلى 20 مليار دولار أمريكي، حسب ما قاله وزير تطوير القطاع الحكومي في الإمارات، سلطان بن سعيد المنصوري، في يناير/ كانون الثاني 2008.
ومن أهم المشاريع التي كانت تستثمرها الشركات الإماراتية كان مشروع شركة إعمار الإماراتية وهو “البوابة الثامنة” في دمشق، ومشروع “خمس شامات” في منطقة يعفور بتكلفة مليار دولار، ومشروع “مدينة بنيان” الذي وُقع بين المستثمر السوري، شاهر محمد رياض التقي، و”مجموعة بنيان الإماراتية” لتطوير مشروع عقاري استثماري سياحي تقدر قيمته الاستثمارية بحوالي 15 مليار دولار بالقرب منطقة قطنا بريف دمشق، حسب ما نشرت صحيفة “البيان” الإماراتية.
إلا أن هذه المشاريع توقفت جميعها بعد اندلاع الحرب في سوريا، وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وسحب السفير الإماراتي من سورية. وبعد عودة العلاقات السياسية، عاد الحديث عن تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ زار وفد من شركة “داماك العقارية الإماراتية” العاصمة دمشق في 2018، لمناقشة إقامة مشاريع استثمارية جديدة في المرحلة المقبلة.
كما كشف معاون وزير السياحة السوري، أواخر 2021، عن اتصالات تجريها الوزارة مع شركة “الفطيم الإماراتية” لتفعيل مشروع “خمس شامات”.
وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 اتفق وزير الاقتصاد الإماراتي مع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، على خطط لتعزيز التعاون الاقتصادي واستكشاف قطاعات جديدة.
وقالت وزارة الاقتصاد الإماراتية حينها، إن أبو ظبي تُعد “أهم الشركاء التجاريين لسورية على المستوى العالمي”، مضيفة إن حصة الإمارات من تجارة سورية الخارجية تصل إلى 14%، كما أوضحت أن “حجم التجارة غير النفطية بين البلدين بلغ مليار درهم (272 مليون دولار) في النصف الأول من 2021”
وعود اقتصادية
بدأ الحديث عن إطلاق وعود انفراج اقتصادي من قبل رجال أعمال و اقتصاديين في سوريا عقب زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات حيث اعتبر محللون أن هذه الزيارة ستشجع المستثمرين الإماراتيين بشكل أكبر للبدء في تنفيذ المشاريع المشاريع المخطط تنفيذها في سورية، وخاصة في قطاعات الطاقة والزراعة والتطوير العمراني والصناعي.
إلا أن الباحث في الاقتصاد، فراس شعبو، يرى أن عودة العلاقات بين البلدين لن يغير شيئاً من الواقع الاقتصادي على الصعيد الداخلي في سورية، لأن الإمارات تسعى إلى كسب مواقف سياسية أكثر من مواقف اقتصادية.
ووصف شعبو الوضع الاقتصادي في سوريا بأنه “سيء جداً ويحتاج إلى مئات المليارات ولا يحل بعلاقةٍ مع دولة ما”، معتبراً أن الموضوع في سورية معقد والأمور تحتاج إلى إعادة هيكلة الاقتصاد قبل إعادة هيكلة العلاقات الخارجية. من جهته أكد مدير الأبحاث بمركز السياسات والعمليات ومدير برنامج سورية في مرصد الشبكات الاقتصادية والسياسية، كرم شعار، أن المكاسب الاقتصادية من عودة العلاقات، في حال وجدت سوف تكون “منافع محدودة”. لأن المستثمرين الإماراتيين يتخوفون من السوق السوري بسبب قانون قيصر.
لكن يمكن تلخيص المنافع الاقتصادية التي تطمح الإمارات للحصول عليها إلى جانب مصالحها السياسية في سوريا بمحاولتها المشاركة في إدارة خطوط أنابيب الغاز المتفق على إنشائها في المستقبل من قطر وإيران إلى سورية فالبحر المتوسط، أما الهدف الثاني فإن سورية تعتبر بوابة لإعادة إعمار العقارات في منطقة الشرق الأوسط.الهدف الثالث، هو محاولة استثمار ميناء اللاذقية ولبنان، إضافة إلى بناء شبكة طرقات وبنى تحتية تصل ما بين تركيا والخليج الفارسي وشمال إفريقيا، في حين أن الهدف الخامس هو محاولة إعادة استثمار النفط في سورية ومشاريع الطاقة المتجددة، وهذه مشاريع قديمة كانت تتواجد الإمارات بها قبل اندلاع الحرب. أما المصالح السورية فهي واضحة حيث تنطوي على الاستفادة من علاقاتها مع الإمارات الدولية لإعادة توظيفها من أجل تعويم البلاد وفك الحصار عن أمواله وتقبله سياسياً.
ختام القول، هناك قول مأثور قديم في العالم العربي وهو "لا يمكنك خوض الحرب دون مصر أو صنع السلام دون سوريا". واليوم بعد عقد من اندلاع الحرب في سوريا، تبدو هذه الكلمات صحيحة بالنسبة للعديد من القادة العرب. وترى أبوظبي أنها إذا نجحت في ترميم صورتها مع دمشق فإن ذلك سيجعلها أقوى قوة إقليمية عربية.