الوقت - في الوقت الذي انتشرت فيه أزمة الطاقة في الدول الغربية بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات النفطية على روسيا، تتجه أنظار هذه الحكومات أكثر من أي مكان آخر نحو الشرق الأوسط لتعويض هذا التحدي، إلا أن الوعد بالزيادة مستوى إنتاج الدول الكبرى غير كاف، ولتعويض عجز السوق وتخفيض الأسعار، أجبر منتج النفط السلطات الأمريكية على طرق أي باب للخروج من البئر التي حفروها.
صراع واشنطن للحصول حتى على بضع مئات الآلاف من براميل النفط الإضافية وصلت الآن إلى المحطة اليمنية، وفي هذا الصدد، وسائل الإعلام اليمنية، بعد زيارة السفير الأمريكي إلى اليمن الأسبوع الماضي ستيفن فاجن إلى محافظتي المهرة وحضرموت أعلن عن عقد بعض الاتفاقات النفطية مع مسؤولي حكومة عدن المستقيلة. إلا أنه عقب الكشف عن هذه الاتفاقيات، صرح "عبد العزيز بن حبتور"، رئيس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني اليمني، أنه تجب مواجهة تصرفات الولايات المتحدة التي تأتي في إطار محاولة واشنطن الهيمنة على آبار النفط اليمنية. وعقب ردود فعل السلطات اليمنية ، أشار "طارق سلام"، المحافظ المعين من قبل حكومة الإنقاذ الوطني لـ "عدن"، أيضاً إلى اهتمام الولايات المتحدة ومحورها التابع بموارد جزيرة "سقطري" المهمة. وقال إن في جزيرة سقطري ستة مراكز غنية بالنفط وذات مكانة مهمة ولهذا السبب تسعى الولايات المتحدة والدول التابعة لها للسيطرة عليها.
قصة النفط اليمني
منذ اكتشاف النفط في اليمن منتصف الثمانينيات، احتل تصدير هذا المنتج مكانة مهمة في اقتصاد البلاد بسبب مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي والميزانية العامة وميزان المدفوعات. وشهدت الصناعة نموا متزايدا منذ إعلان وحدة اليمن عام 1990، حيث ارتفعت من 69.1 مليون برميل عام 1990 إلى 160.1 مليون برميل عام 2001. وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية ، تمتلك اليمن احتياطيات هيدروكربونية مؤكدة تبلغ حوالي 3 مليارات برميل من النفط الخام و 17 تريليون قدم مكعب من الغاز. بلغت ذروة إنتاج النفط اليومي في اليمن 440 ألف برميل في بداية القرن الجديد ، ولكن منذ ذلك الحين، وبسبب الاعتادءات السعودية والأزمات الداخلية، انخفض مستوى إنتاج النفط بشكل تدريجي، حتى ما قبل بداية العقد الجديد. وبعدوان التحالف السعودي في نهاية عام 2014 وصل الإنتاج إلى 110 آلاف برميل يوميا، وفي عام 2015 توقف تماما بعد عدوان السعودية والإمارات. هذا البلد له تياران من النفط الخام ، حوض "مأرب" وحوض "المسيلة". كما توجد إمكانات نفطية في حوض "الربع الخالي" شمال شرقي اليمن وحوض "صنعاء" شمال غرب اليمن. بعد بدء الحرب، تم استئناف تصدير النفط اليمني ببطء أيضًا تحت إشراف الحكومة المستقيلة التابعة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث أوقفت حكومة عدن المستقيلة الإنتاج أولاً في منتصف أغسطس 2016. واستؤنف تصدير النفط من حقول المسيلة النفطية في محافظة حضرموت (شرق)، ولم تبدأ صادرات النفط من محافظة شبوة (محافظة نفطية أخرى في جنوب شرق اليمن) حتى يوليو 2018 أيضًا. ظلت صادرات النفط اليمنية ثابتة في الأشهر الأخيرة، حيث وصلت إلى 88 ألف برميل يوميًا في فبراير 2021، مقارنة بمتوسط 15 ألف برميل يوميًا في الأشهر اللاحقة، وفقًا لشركة تحليلات البيانات Kpler. وفقًا لبيانات Kpler، تعد الصين أكبر مشترٍ للنفط الخام اليمني، وتشتري أستراليا وتايلاند وإيطاليا والإمارات شحنات عرضية.
في غضون ذلك ، يربط كثير من اليمنيين تأخر استئناف صادرات النفط بجهود السعودية والإمارات للسيطرة على ثروة اليمن النفطية وبيعها بشكل غير رسمي لحسابهم الخاص واستخدامها لجذب تعاون القبائل والسكان المحليين. رغم أن المملكة العربية السعودية تمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، بينما تمتلك اليمن ما بين 3 و 4 مليارات برميل ، وهو ما يمثل أكثر من 1.5٪ من احتياطيات المملكة العربية السعودية. لكن بعض التقارير تشير إلى أن احتياطيات النفط اليمنية أكبر بكثير من التقديرات السابقة وأن الرياض تتطلع إلى توسيع أنشطة الاستكشاف في المناطق الغنية بالنفط في اليمن. في هذا الصدد ، يرى المحلل الاقتصادي اليمني نعيم السويدي أن اليمن بشكل عام "ليست دولة فقيرة، بل لديها الكثير من الثروة، ولكن خلال الخمسين عامًا الماضية، لم يكن لديها نخبة سياسية عقلانية للعمل من أجل الاستفادة من هذه الثروة ".
ويضيف السويدي في مقابلة مع الخليج أونلاين، إن دخول اليمن في حروب وصراعات داخلية منذ الستينيات ووجود نخب فاسدة على رأس حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لم يوفران فرصة لاكتشاف الثروة الحقيقية من النفط والذهب أو الغاز وغيرها من الموارد الطبيعية. ويرى هذا الخبير الاقتصادي أن هناك شركات واقتصاديين أوروبية وعربية يتفقون على أن هناك احتياطيات كثيرة من ثروة اليمن وأن ما يتم استخراجه يشكل 20٪ فقط من الموارد. وفي هذه الحالة ، يرى الباحث الاقتصادي محمد الروني أن اليمن "تمتلك احتياطيات نفطية كبيرة للغاية ، وكان هذا هو السبب الرئيسي لعدوان السعودية والإمارات على اليمن". توضح خريطة مراكز تمركز الأنشطة العسكرية السعودية في اليمن ، منذ إعلان الإمارات قرار إنهاء الوجود العسكري المباشر في الحرب، مناطق إنتاج النفط والغاز في شبوة ومأرب ، إضافة إلى حضرموت (الوادي والصحراء).
منافسة أمريكا مع شركات النفط الأجنبية في اليمن
وحسب ما تم الحصول عليه من التاريخ الوجيز لصناعة استخراج النفط في اليمن، فإن هذا البلد لا يزال "أرضاً عذراء" لأنشطة شركات النفط والغاز العالمية. قبل ثورة سبتمبر 2014، لم يكن يعمل هناك سوى عدد قليل من الشركات البارزة في قطاع النفط والغاز اليمني، أهمها شركة "توتال" الفرنسية. إلى جانب هذه الشركة كان هناك عدد من الشركات الأقل أهمية مثل "Hunt" الأمريكية و MOV النمساوية، و Nexen الكندية، و Sinopec الصينية، وشركة النفط الوطنية الكورية. حاليا أكبر شركة نفطية في اليمن هي شركة "OMV" النمساوية التي تمتلك الإمارات نحو 25٪ من أسهمها. كانت شركة Calvalley الكندية ، مشغل بلوك 9 في حوض المسيلة، ثاني شركة أجنبية تستأنف عملياتها في اليمن في عام 2019 بعد إغلاق عملياتها في عام 2015. شركة إندونيسية أخرى Medconergy ، بحصة 25 ٪ هي الشركة النشطة الأخرى في بلوك 9. الآن، في وضع هدأت فيه الحرب في اليمن إلى حد ما واحتمال وقف إطلاق النار ليس بعيدًا، ستضاعف زيادة السعر العالمي للنفط من دافع الشركات الغربية والشرقية الناشطة في حقل النفط اليمني للعودة إلى هذا الحقل. وفي هذا الصدد ، تعتقد كارول نخلة، الخبيرة الاقتصادية في مجال الطاقة ورئيسة شركة كريستول لاستشارات الطاقة: "على الرغم من أن الاستثمار في بلد مثل اليمن بعيد كل البعد عن كونه اقتراحًا جذابًا، مع ذلك من غير المرجح أن تغادر الشركات التي استثمرت بالفعل مبالغ كبيرة".
ومع ذلك ، فإن إبرام اتفاقيات سرية بين الولايات المتحدة وحكومة عدن المستقيلة يظهر رغبة واشنطن في الانخراط في أنشطة احتكارية في قطاع الموارد النفطية في اليمن، إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.