الوقت- "مايك بومبيو"، الذي أصبح وعد الانتقام الإيراني كابوسًا بالنسبة له، يستخدم الخطاب ضد طهران من وقت لآخر لتهدئة هذا الخوف والقلق، وهذه المرة منحته المانبر الاعلامية السعودية فرصة لتكرار هرائه المعتاد. "بومبيو"، أحد المرشحين الجمهوريين المحتملين في انتخابات عام 2024، يحاول بالفعل أن يكون مثل سيده ترامب، الذي "استغل السعوديين" وأفرغ جيوب القادة السعوديين بمثل هذه التصريحات. ويحلم باتباع هذا الإجراء ضد إيران، لكي يجتذب الدعم المالي من السعوديين للفوز في الانتخابات الداخلية الحزبية.
جاءت اتهامات بومبيو قبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية، حيث قيل إنه يعمل على اصلاح العلاقات بين الرياض وواشنطن، ولهذا يبدو أن انتقادات بومبيو لسياسات بايدن في الشرق الاوسط واستهدافه لبرنامج إيران النووي يصب في بوتقة إرضاء الرياض. وخلال فترة وجودهما في البيت الأبيض، تمكن بومبيو ودونالد ترامب، بدعمهما القوي لجميع السياسات السعودية في المنطقة، من تحويل مليارات الدولارات من الخزانة السعودية إلى الولايات المتحدة من خلال العقود العسكرية، وهذه المرة وضعوا السياسة نفسها على جدول الأعمال، ويريدون إخبار السعوديين أنهم إذا استعادوا السلطة في البيت الأبيض، فإنهم سيستمرون في دعم الرياض وابن سلمان نفسه.
بومبيو، الذي يعيش في خوف منذ اغتيال الجنرال سليماني، والذي يُظهر سلوكه غير العادي وتغيير حالته الجسدية أن الخوف قد سيطر على كيانه بالكامل، مع ذلك يدعي أن إيران سوف تقوم بالانتقام للشهيد سليماني. ويأتي هذا الادعاء في الوقت الذي يأخذ فيه ترامب وبومبيو وعد إيران بالانتقام على محمل الجد، حيث كانا يخضعان لأقوى حماية أمنية منذ عامين. وعلى الرغم من مغادرة البيت الأبيض، يبدو أن بومبيو نسي الضربات الصاروخية الإيرانية على قاعدة عين الأسد ردًا على اغتيال سليماني، والتي يقول المسؤولون الإيرانيون إنها كانت الضربة الأولى للأمريكيين، والضربات الصاروخية وبالطائرات المسيرة من قبل جماعات المقاومة على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، الأمر الذي أصبح حدثًا يوميًا، والموافقة على طرد القوات الأمريكية من العراق في البرلمان العراقي تظهر أن إيران وحلفاءها تصرفوا بصرامة انتقامية أكثر مما يزعم بومبيو.
بومبيو يطلب من الأمريكيين عدم رفع العقوبات وإعطاء الأموال لإيران، وحقيقة أنه لم يتمكن من مغادرة الولايات المتحدة في العامين الماضيين تظهر أنه يؤمن بوعد الانتقام من الإيرانيين، وأن خطابه مليء باليأس والرعب الذي عم كيانه كله. من ناحية أخرى، نجح طرد الولايات المتحدة من المنطقة كهدف استراتيجي لإيران في الانتقام لدماء الجنرال سليماني في العامين الماضيين، ويشير الهروب المهين للأمريكيين من أفغانستان في أيام قليلة فقط، إلى أن خطط المقاومة لطرد المحتلين الأمريكيين يتم تنفيذها خطوة بخطوة، الأمر الذي سينتج عنه في نهاية المطاف رحيل ذليل للامريكيين من العراق وسوريا والخليج الفارسي. وعلى الرغم من خطاب بومبيو، فإن الضغط الأمريكي على إيران لم ينتج عنه سوى الهزيمة، وحقيقة أن جو بايدن يحاول تشكيل تحالف من العرب والنظام الصهيوني يظهر أن جميع المحاولات السابقة لإضعاف إيران قد باءت بالفشل.
ما قاله بومبيو ليس جديدا، فهو كرر ما قاله عدة مرات، وفي كل مرة يقول شيئا مختلفا عما قاله في المرة السابقة، فالرجل معروف عنه انه اكبر كذاب في تاريخ وزارة الخارجية الامريكية على الاطلاق، بشهادة الامريكيين انفسهم، لذلك فهو ينسى ما قاله سابقا، فالكذاب كما هو معروف ضعيف الذاكرة، لذلك استحق وبجدارة ان يكون وزير خارجية رئيس مثل ترامب، لا يستطيع ان يتحدث دون ان يكذب، وهذا بشهادة الامريكيين انفسهم، الذين رصدوا لبومبيو وترامب عشرات الالاف من الاكاذيب في وقت قياسي.
إن بومبيو، لا يرى في الكذب شيئا سيئا، بل الكذب جزء لا يتجزأ من مجد امريكا، فالعالم كله يتذكر، الكلمة التي القاها امام طلبة جامعة "اي اند ام" بتكساس، في نيسان / ابريل عام 2019، والتي برر فيها علاقة ادارة سيده ترامب الحميمة ، بشخص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حتى بعد الكشف عن تورط الاخير بقتل الصحفي جمال خاشقجي، حيث قال ما نصه: "كان شعار جامعة ويست بوينت (جامعة عسكرية في امريكا) هو: لا تكذب، لا تخدع، لا تنهب، ولا تتحمل الذين يرتكبون هذه الامور. ولكن عندما كنت رئيسا لـ"سي آي ايه"، كذبنا، وخدعنا، ونهبنا. لقد تلقينا دورات تدريبية شاملة، وأرى ان هذه الامور تمثل تجربة المجد الامریكي".
من الواضح ان ظهور بومبيو على شاشة قناة "العربية" السعودية، في هذا التوقيت بالذات، والحديث عن جريمته الجبانة، جاء بطلب من القناة السعودية، مقابل ملايين من الدولارات، وهو ظهور يؤكد على ان كل ما قيل عن ان السعودية في عهد محمد بن سلمان قد انقلبت على سياستها التقليدية، المحكومة بالتبعية المطلقة للسياسة الامريكية، وتقربها من روسيا والصين والدخول في مفاوضات مع ايران، ليس صحيحا، فالسعودية اثبتت ان بقاءها مرهون بالحماية الامريكية، بل ان السعودية اثبتت وبشكل لا لبس فيه ان شرعية نظامها مُستمدة من التأييد الامريكي حصرا، وإلا ما كانت صورة سيلتقطها ابن سلمان مع الرئيس الامريكي جو بايدن، خلال زيارة الاخير المرتقبة للسعودية، اواسط شهر تموز/ يوليو القادم، ستقلب كل توقعات المراقبين وعنجهيات الاعلام السعودي، حول شجاعة الامير الشاب، واستقلالية السياسة السعودية، رأسا على عقب، وستُبقي السعودية في مربعها الاول، مربع المصلحة الامريكية. الادهى ان السياسة السعودية في نسختها الجديدة، والتي بدات مع ظهور القاتل الكذاب بومبيو على قناتها الرسمية، ستكون اكثر تبعية لامريكا، واكثر حضوراً بمخططاتها، والصق بالتطبيع مع "إسرائيل"، والابعد عن مصالح دول الاقليم وشعوبه.