الوقت- على الرغم من مرور سبعة واربعين يوماً على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وعقد ست جولات من المحادثات بين ممثلي موسكو وكييف، تستمر المعارك في ساحة المعركة.
وفي غضون ذلك، كانت هناك، في الأيام الأخيرة، موجة من الدعاية الإعلامية ومواقف غريبة من المسؤولين الغربيين حول ارتكاب الجيش الروسي لجرائم حرب في أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، تحاول الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إعداد وثائق تحت عنوان جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا. حيث وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مرارًا فلاديمير بوتين بأنه مجرم حرب واتهما روسيا بارتكاب جرائم حرب، مؤكدين أن تصرفات موسكو في أوكرانيا لن تمر دون عقاب.
ولكن على الرغم على ارتفاع الأصوات المنددة من قبل قيادة الغرب في واشنطن ولندن والتي أصمت العالم بأسره، فمن المهم ملاحظة أن بريطانيا والولايات المتحدة دولتان، على الأقل في السنوات التي أعقبت انهيار المنطقة الشرقية، كان لديهما عدوان عسكري ضد دول أخرى ورفضتا دائمًا إجراء أي تحقيق مستقل في الجرائم التي ارتكبتهما هذه الدول. وفي هذا الصدد، ذهبت هاتين الحكومتين إلى حد فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.
جرائم الحرب البريطانية الأمريكية في أفغانستان والعراق
أصبحت الولايات المتحدة وبريطانيا من القابلات المحبوبات أكثر من الأمهات فيما يتعلق بحالة حقوق الإنسان وجرائم الحرب في العالم ولكن هاتين الدولتين لديهما قضايا سوداء تتعلق بجرائم حرب، والتي يمكن رؤيتها في أفغانستان والعراق. وفيما يتعلق بحرب العراق، على سبيل المثال، بينما لم تشكل بغداد أي تهديد للولايات المتحدة، شارك قادة البيت الأبيض في التخطيط والاستعداد للغزو، بينما أطلقوا تصريحات كاذبة في وسائل الإعلام تبرر غزوهم للعراق واحتلاله.
وفي أماكن أخرى، هناك أدلة واسعة النطاق على ارتكاب الولايات المتحدة وحليفتها البريطانية جرائم حرب في العراق، بما في ذلك قتل المدنيين، وانتهاك الأحكام العرفية، وإساءة معاملة أسرى الحرب، ونهب الممتلكات العامة والخاصة، وتدمير البلدات والقرى وقتل مدنيين معظمهم من النساء والأطفال، وتنفيذ ضربات جوية دون سابق إنذار، والقيام بغارات جوية على تجمعات مدنية مثل الأعراس والجنازات، واستخدام قنابل غير قانونية مستنفدة لليورانيوم وقنابل فسفورية، وتعذيب سجناء في سجون عراقية مثل سجن أبو غريب ونحو ذلك وليست هذه الجرائم سوى جزء من جرائم الحرب الأمريكية البريطانية في العراق. وحتى العراق خسر 60 في المئة من البنية التحتية لشبكة المياه، و 75 في المئة من البنية التحتية الطبية و 80 في المئة من البنية التحتية لشبكة الكهرباء نتيجة للحرب الأمريكية ضد البلاد. وحسب التقارير الرسمية، فقد نحو مليون ونصف المليون عراقي حياتهم خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق والاحتلال اللاحق لهذا البلد.
وحسب الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 32 ألف مدني في الصراع العسكري في أفغانستان على مدار الـ 18 عامًا الماضية. ولكن الآن بعد أن ظهرت الجرائم الأمريكية في اليوم الأخير من وجودها في أفغانستان، أصبح من الواضح أنه لم يتم التحقق من جميع مزاعم استهداف الإرهابيين على مدار العشرين عامًا الماضية ومن المحتمل أنها كانت الضحية الرئيسية لتجارب الأسلحة الأمريكية، مثل الهجمات التي قتلت المدنيين، وخلاصة القول إنه لا يمكن مقاضاة أي من جرائم الجيش الأمريكي.
إن جرائم واشنطن في أفغانستان ودول أخرى إما خضعت للرقابة من قبل وسائل الإعلام الغربية أو تم حظرها في حالة اتخاذ أي إجراء قانوني. وهنا يتعين على المرء الآن أن يسأل عن الرقم القياسي الذي تحاول واشنطن ولندن عرضه لجرائم الحرب الروسية على المجتمع الدولي.
دعم أمريكي وبريطاني لجرائم الحروب الوحشية للسعودية والكيان الصهيوني
يأتي اتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا في الوقت الذي تغض فيه بريطانيا والولايات المتحدة الطرف في السنوات الأخيرة عن الجرائم الإنسانية التي ارتكبها حلفاؤهما العرب في القضية اليمنية أو جرائم الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين.
الأزمة اليمنية هي أكبر أزمة إنسانية في العالم منذ عام 2015، عندما شن تحالف العدوان بقيادة السعودية هجمات جوية وبرية على البلاد. القصف الأعمى للمدن اليمنية من اماكن الحداد والأعراس والحافلات الطلابية والأماكن المدنية مثل المستشفيات والمساجد والسجون والملاجئ يحدث بشكل يومي وعلى نطاق واسع من قبل مقاتلات الجو السعودية على مدى السنوات السبع الماضية.
ولكن ليس فقط النظام السعودي لم تتم ملاحقته دولياً على هذه الجرائم، بل استمر الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا في بيع الأسلحة العسكرية وتقديم الدعم السياسي للحرب المستمرة والحصار اللاإنساني على اليمن، إنه نهج يُنظر إليه أكثر فأكثر في حالة الكيان الصهيوني.
وتأتي مخاوف الغرب بشأن المدنيين الأوكرانيين في وقت يهاجم فيه المسلحون الصهاينة مخيمات للاجئين في الأراضي الفلسطينية المحتلة والضفة الغربية، ويقتلون الناس العاديين ، لكن لا أحد في الغرب يهتم بارتكاب جرائم.
اللاعبون غير المؤهلين قانونيا للتعبير عن مواقفهم!
يمكن رؤية مظهر آخر من مظاهر عدم الكفاءة القانونية لواشنطن ولندن في التعليق على قضية الحرب الروسية في أوكرانيا في سلوكهما غير القانوني والعدائي تجاه المؤسسات الإجرامية النشطة في مجال جرائم الحرب.
خلافًا لمزاعمهم وشعاراتهم في الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الأمريكيين والبريطانيين كانوا منذ فترة طويلة غير مبالين بآراء وقرارات المحاكم الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان في مواقف تتعارض مع مواقفهم ومصالحهم، بل اتخذوا نهجًا عدائيًا تجاه هذه المؤسسات. وفي مقدمة هجومهم على العدالة الدولية كان قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض عقوبات على فاتو بنسودا، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وفاكيسو موشوتشو، المدعي العام الكبير الآخر.
ولقد أعلن ترامب أن تحقيقهم في جرائم الحرب الأمريكية في أفغانستان والجرائم الإسرائيلية في فلسطين يعتبر حالة طوارئ وطنية، وإضافة إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو أن الولايات المتحدة قد قيدت إصدار التأشيرات لبعض الأفراد والمحققين في المحكمة الجنائية الدولية والذين يقومون بالتحقيق مع افراد القوات الأمريكية. ولقد رفع الرئيس الأمريكي جو بايدن عقوبات بلاده ضد المحكمة الجنائية الدولية، لكن إدارته تواصل إدانة ومعارضة تحقيقها في جرائم الحرب المتعلقة بالصهيونية.
كما عملت بريطانيا باستمرار على تقويض التحقيقات الجنائية الخاصة بها. في الواقع، اليوم، هناك دول تطالب بالعدالة الدولية لسلوك الجنود الروس ولكن هي نفسها قد قوضت وأخرت باستمرار التحقيقات في جرائم الحرب الموثقة التي ورد ذكر أسمائهم فيها، وعلى سبيل المثال، في 14 مايو 2018، عندما قُتل أكثر من 60 فلسطينيًا أعزل برصاص القوات الإسرائيلية خلال مظاهرة بالقرب من السياج الحدودي حول قطاع غزة، أدارت بريطانيا أنظارها بعيدًا.
وتقع جرائم الحرب في الأراضي المحتلة كل أسبوع تقريبًا مع قتل القوات الإسرائيلية للفلسطينيين. ووصف جونسون تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في حرب غزة عام 2014 والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بأنها هجوم على إسرائيل.
