الوقت- تظاهرت حشود غاضبة في مناطق متفرقة في البحرين مساء السبت تنديدًا بالإعدامات الجماعية التي قامت بها سلطات آل سعود، والتي طالت 41 شخصًا من أهالي محافظة القطيف على خلفية التظاهرات المناوئة للنظام.. وردد المتظاهرون هتافات منددة بالنظام السعودي والبحريني.
وحسب ما تناقلته وسائل إعلام معارضة، فقد دانت المعارضة البحرينية (تيار الوفاء الإسلامي، تيار العمل الإسلامي، جمعية العمل الإسلامي أمل، حركة خلاص) في بيان مشترك، صدر في وقت سابق السبت، عمليات الإعدام الجماعية في السعودية، ودعت شعب البحرين للتظاهر وإعلان التضامن مع اخوتهم في بلاد الحرمين.
وقال البيان: إن "الجريمة المروعة والشنيعة التي أقدمت عليها سلطات آل سعود الوحشية وبدم بارد تجاه ثلة من أبناء المنطقة الشرقية وبلاد الحرمين هي جريمة مدانة ومستنكرة بأشد عبارات التنديد والرفض".
وشدّد البيان على أن "هذه السياسات الوحشية لم يكن ليجرؤ عليها ابن سلمان لولا الغطاء الغربي له ولجرائمه الشنيعة".
واعتبر البيان أن "اليد التي أقدمت على جريمة إعدام أبناء بلاد الحرمين هي نفسها التي استباحت دماء البحرينيين واليمنيين".. وقال: إن "هذه الدماء البريئة المراقة من غير وجه حق تعجل من زوال هذه العائلة وكل عوائل الحكم الاستبدادي البغيض من الحكم والتسلط وتسرع من وتيرة حتفهم ان شاء الله".
وبدوره أدان ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير في البحرين ارتكاب السلطات السعودية جريمة جديدة، مستغلاً انشغال المجتمع الدولي والإعلام العالمي بالأزمة الروسية الأوكرانية.
واصدر ائتلاف ثورة 14 فبراير البحريني بيانًا أوضح فيه ارتكاب النظام السعودي الإرهابي جريمة مروعة جديدة بدم بارد وفي وضح النهار، مستغلاً انشغال المجتمع الدولي والإعلام العالمي بالأزمة الروسية الأوكرانية، إذ أقدم على إعدام 81 معتقلًا بينهم 41 من خيرة شباب المنطقة الشرقية من أبناء الحراك السلمي المطلبي، وذلك بعد إلصاق صفة الإرهاب واعتناق الفكر الضال بهم زورا وبهتانًا وتضليلاً، حسب ما زعمته وزارة الداخلية السعودية.
واعتبر أن هذه المجزرة الوحشية تكشف من جديد بشاعة سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الإجرامية وأبيه، وتدحض كل مزاعم الانفتاح والتنوع وحقوق الإنسان التي يتبجح بها مجرم الحرب ابن سلمان، بل تكشف مستوى متقدمًا من الإجرام لم يصله قبله غيره من السفاحين.
ورأى البيان أنه "بقلوب يملؤها الأسى، نرسل من البحرين باسم ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير إلى عوائل الشهداء في المنطقة الشرقية عزاءنا ومواساتنا، وفي الوقت نفسه نعرب عن فخرنا بالتحاق هذه الثلة المؤمنة بركب الشهداء، سائلين الله تعالى أن يصبر قلوب ذويهم ويثبتهم على موقف الحق الذي من أجله استشهد فلذات أكبادهم، ونطالب كل أحرار العالم بأن يقفوا موقف عز نصرة لأهلنا المظلومين في نجد والحجاز، وألا يبقوا على الحياد، وندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته بلجم المجرم ابن سلمان وأبيه عن ارتكاب مثل هذه الجرائم، وأن يعاملهما كمجرمي حرب، تلطخت أيديهما بالدماء في أكثر من قطر عربي.
المجزرة الثالثة
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصف ناشطو ومنظمات حقوق الإنسان الإعدام الجماعي بأنه "مجزرة ثالثة" تُضاف إلى إعدام 47 شخصاً مطلع عام 2016، وقطع رأس 37 غالبيتهم من الشيعة في نيسان/ أبريل عام 2019.
ولفت الكثيرون إلى أن عدد المعدومين هذه المرة تجاوز عدد القتلى البالغ 63 شخصاً أعدموا في كانون الثاني/ يناير 1980 عقب استيلاء مجموعة من المتطرفين السعوديين على المسجد الحرام واحتجاز مصلين رهائن فيه نحو أسبوعين، قبل إعادة السيطرة على الموقع من قبل قوات الأمن في عملية عسكرية.
واقترح الحقوقي السعودي علي الدبيسي، رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن يكون "انشغال العالم بوضع غير اعتيادي (الحرب الروسية على أوكرانيا)، والعطلة الأسبوعية للمؤسسات الإعلامية والحقوقية، دفع المجرمين اليوم لتسريع وتنفيذ أكبر وثالث مجزرة في عهدهم"، مشدداً على أن "قتل العشرات دفعة واحدة كافٍ لتتويجهم على رأس أمراء الإرهاب في العالم".
ترهيب الأهالي ومنع العزاء
وبعد يومين على تنفيذ الإعدامات، اتهم ناشطون السلطات السعودية بـ"ترهيب" أهالي المعدومين الشيعة ومنعهم من تقبل العزاء فيهم أو رؤية جثامينهم أو دفنها، مع إشارة إلى أن 41 منهم على الأقل اعتقلوا على خلفية مشاركتهم في "احتجاجات شعبية" بالقطيف والعوامية، فيما لُفقت لهم تهم إرهاب وانتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب أو أجبروا على التوقيع على بياض، بحسب قوله.
وأفاد حساب "ناشط قطيفي"ويتابعه 13 ألف شخص عبر تويتر: "جهاز المباحث العامة يمنع عوائل الشهداء الـ41 من إقامة مجالس العزاء والفاتحة على أرواح شهدائهم، بما في ذلك افتتاح ‘مجموعة واتساب‘ لاستقبال التعازي، ويفرض عليهم الجهاز الصمت التام تحت التهديد والوعيد".
وزاد في وقت لاحق: "تشهد بلدة العوامية حركة استنفار عسكرية شديدة، تتخللها حركة كثيفة للدوريات ولمركبات جهاز المباحث العامة بغية مراقبة بيوت عوائل شهداء المجزرة الثالثة بغرض منع المعزين من الوصول إليها".
ولفت الحساب الحقوقي إلى تعمد السلطات السعودية دفن المعدومين "في مقابر جماعية سرية" لإخفاء ما تعرض له المُعتقلون من "تنكيل وتمثيل" قبل تنفيذ الحكم، ودلل على ذلك بحرص السلطات على عدم إعلام ذويهم بأماكن دفن الجثامين أو كيفية دفنها.
واعتبرت الناشطة الحقوقية الخليجية فاطمة يزبك، من معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان، أن "التعذيب النفسي الذي ينتهجه محمد بن سلمان وسلطاته بحق أهالي شهداء المجزرة الثالثة وحرمانهم من وداع جثامين أبنائهم وتقبل العزاء، حتى على مواقع التواصل، هو شاهد حي على النزعة الوحشية والرغبة في الانتقام لترهيب المواطنين حتى لا يتجرأ أحد على انتقاد هذه الممارسات والسياسات الدموية".
من جهته قال عضو لقاء المعارضة في الجزيرة العربية حمزة الشاخوري عن آخر ما ألم بأبناء بلده. من موقعه كشقيق لشهيد (الشهيد محمد علوي الشاخوري) سقط في المجزرة الأخيرة يستعيد المُصاب، فيُشير الى أن أخاه احتُجز في نيسان/أبريل 2017، قضى الشهور الأولى من الاعتقال رهن السجن الانفرادي حيث تعرّض فيها للتعذيب الشديد والضرب والركل والحرمان من العلاج وعدم تسليمه الأدوية التي كان يرسلها له الأهل، فظلّ يعاني من آثار التعذيب حتى فترة قريبة (قبل 6 أشهر من الارتقاء).
الصبر واضح في كلام الشاخوري، فهو يقول "الحمد لله أننا انتمينا الى هذه القافلة المُباركة لعوائل الشهداء والتي نسأل أن يجعل بركات وثمار دمائهم الخلاص من السلطة السعودية الغاشمة في بلاد الحرميْن التي تُذيق أمتنا العربية والاسلامية ويْلات وصنوف المؤامرات".
حسب الشاخوري، لم تكن لدى ذوي المعتقلين هناك أيّ معلومات أو إشارات مُسبقة عن إمكانية تنفيذ هذا الحجم من الإعدامات، وجميعهم علِموا من الأخبار عبر الإعلام والتلفزيون الرسمي ما جرى، وهو ما حال دون أن يحظوا بنظرة وداع أو وصيّة أخيرة لأبنائهم، ودون أن يعرفوا كيف حصل الإعدام ولا متى ولا أين دفنوا ولا بأية طريقة تمّ اذا ما كان في قبر جماعي أو اذا ما غسّلوا وصُلّي عليهم.
ويضيف الشاخوري أن بعض من تم إعدامهم لم تنتهِ اجراءات محاكمته، ولم تصدر حتى أحكام نهائية بحقّه، كما أن بعضهم كانت أسرته تنتظر نتيجة رفع الحكم الى المحكمة العليا من أجل التمييز، وهذه الاجراءات كلها لم تعلن عنها السلطة في الأصل.
وعليه، يرى الشاخوري أن "النظام السعودي لا يقيم وزنا لأية حقوق للمعتقل وأية اعتبارات إنسانية. القضاء غير مستقل، والمحاكمات سرية والمحامي أشبه بالمراسل ما بين أُسرة المعتقل والسلطات القضائية. المحكمة تمثل السلطة وتنفذ رغباتها وطلباتها ولا تتيح للمحامي أن يترافع بالشكل المطلوب، فيما تعطي كل الفرص للمدعي العام الذي تقبل منه تقديم أدلة منتزعة تحت التعذيب، فيما ترفض كل المستندات التي يرفعها السجين".
الأقسى في كل الحكاية هو تجدد القمع. كل من يقيم عزاء الشهداء بات هدفا لأجهزة السلطة. الشاخوري يلفت في هذا السياق الى أن "الأمر تم تدريجيا لأننا تراخينا وتهاونا في رفض اجراءات السلطة والقفز عليها ومواجهتها، فهي تخالف جميع الأعراف الانسانية والحقوق، وليس هناك شرعة وضعية أو دينية تبيح لأي سلطة أو حاكم أن يصادر جثمان الشهيد أو المعدوم حتى لو كان يستحق القتل"، غير أنه يجزم بأن "النظام أصبح يمنع مجالس العزاء لأنه يخشى أن تتحول لتعبير شعبي رافض لحكم التجريم الذي صدر بحق من أُعدموا، ما يعني أنها اذا أقيمت ستصبح رسالة اعتراض على عملية الإعدام نفسها وسياسات السلطة وهذا ما يدفعه الى ملاحقة كل من يفتحها".
النظام يخشى مسيرات التشييع
السؤال المطروح هنا لماذا لا تعيد السلطات جثامين الشهداء؟ يعزو الشاخوري الأمر الى خشيتها من أن تتحوّل مسيرات التشييع الى مظاهرات اعتراض واحتجاج وفرصة للتعبير عن المطالب الشعبية، فهي رصدت في مرات سابقة حين سلمت جثامين شهداء سقطوا في ميادين التظاهر أو اغتيلوا في المداهمات في القطيف والأحساء، كيف تحولت قبورهم الى رموز ومشاعل، وأضرحة شهداء الانتفاضة الأولى عام 1979 لا تزال الى اليوم معالم تزار ويهتدى بها، وشهداء تلك المرحلة حاضرون بين الناس بسيرهم وتضحياتهم ومؤثرين كنهج، وعليه هذا ما يتخوف منه النظام أن يتحول الشهيد الى منهج، لذلك يتوقع أن يقضي على قضية الشهداء مع تغييب جثامينهم وعدم تسليمها ويتوقع أيضا أن يطوي الزمان قضيتهم وهو ما لا يمكن أن يتم. هذه سياسة فاشلة والأهالي يلتفون عليها عبر الحضور الرمزي والإحياء السنوي للذكرى في أماكن التجمع المغلقة والحسينيات وفي الخارج أيضاً.
ويتجدد شعار هيهات منا الذلة في كل زمان ومكان فالظالم يعرفه القاصي والداني والمظلوم أصبح واضحاً وضوح الشمس ولا يزال ظلم الظالم للمظلوم منذ أن خلقت الأرض أمراً مزموماً ولكن ما يصبر الأهالي والمظلومين هو قوله تعالى: " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم إلى يوم تشخص فيه الأبصار ".