الوقت - في كل عام، مع الإعلان عن قائمة أكبر مشتري الأسلحة والمعدات العسكرية من قبل معاهد البحوث، فإن أسماء الدول الخليجية كعملاء بارزين في هذا السوق الدولي الكبير، هي الحاضر الدائم في مثل هذه التصنيفات.
في هذه الأثناء، تمتلك السعودية، باعتبارها أكبر مالك لاحتياطيات النفط في العالم وأحد المنتجين والبائعين الرئيسيين لهذه السلعة الاستراتيجية، حصةً كبيرةً من هذه الدورة في منطقة الخليج الفارسي.
على مدى العقود الماضية، وبالاعتماد على استراتيجية شراء الأسلحة من أجل شراء الأمن، حاولت الرياض الحفاظ على توازن القوى واكتساب التفوق العسكري على منافسيها الإقليميين.
ومع ذلك، أثناء التغييرات في الهيئة الحاكمة السعودية وظهور جيل جديد من النخب السياسية في الأسرة السعودية المتمركزة في محمد بن سلمان، سعت الرياض إلى تقليل التبعية العسكرية والأمنية علی الخارج والتحرك في اتجاه الاكتفاء الذاتي الدفاعي، في إطار صياغة آفاق الخطط العسكرية للمستقبل.
وفقاً لهذا، أعلنت السعودية في وقت سابق من هذا العام أنها تخطط لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعتها العسكرية المحلية على مدى العقد المقبل كجزء من خططها لزيادة الإنفاق العسكري، وتسعى إلى تطوير وبناء المزيد من الأسلحة والأنظمة العسكرية المحلية، وتريد إنفاق 50 في المئة من ميزانيتها العسكرية داخليًا بحلول عام 2030. وقد تأسس مكتب الصناعات العسكرية لهذا البلد في عام 2017 في الاتجاه نفسه.
وفي هذا الصدد، أقامت السعودية، بقيادة محمد بن سلمان، تعاونًا عسكريًا مختلفًا مع دول أخرى في العالم في السنوات الأخيرة، لإنتاج جزء من احتياجات البلاد من الأسلحة.
في غضون ذلك، زعمت شبكة سي إن إن الأمريكية، نقلاً عن صور الأقمار الصناعية، أن السعودية والصين تتعاونان في بناء الصواريخ الباليستية. ونقلت سي إن إن في التقرير عن مصادر مختلفة قولها، إن بعض المشرعين أُبلغوا في الأشهر الأخيرة بمعلومات جديدة بشأن نقل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية بين السعودية والصين.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية، التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست في يناير 2019، وجود مصنع للصواريخ الباليستية في الدوادمي، غرب الرياض، عاصمة السعودية. واعتقد المحللون في ذلك الوقت أيضًا أن المصنع يبدو أنه يتماشى مع التكنولوجيا الصينية، كما هو موضح في الصور.
استراتيجية الصين في سوق السلاح بالمنطقة
أساس التعاون الصيني السعودي هو الطاقة، ولسبب وجيه: السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم، والصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم.
ولذلك، ليس من المستغرب أن يهتم البلدان بتعميق التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق(BRI) التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ وبرنامج "رؤية 2030" الذي قدمه الأمير سلمان.
کما تسعى الصين أيضًا إلى تحسين موقعها في منطقة غرب آسيا ومنطقة الخليج الفارسي الاستراتيجية.
وبالتالي، في حين أن التركيز الرئيسي للصين في الوقت الحاضر ينصب على إبرام عقود الاستثمار الاقتصادي الرئيسية المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق، ولا سيما مشاريع البنية التحتية والنقل، يبدو أيضًا أن بكين تولي اهتمامًا لأسواق الدفاع المربحة في المنطقة.
ويظهر أن تطوير الجيوسياسية في المنطقة، فضلاً عن السياسات الأمريكية غير الواضحة التي أثارت المخاوف الأمنية لحلفائها الإقليميين في الخليج الفارسي، قد دفعت الصين إلى تغيير استراتيجياتها السابقة بالاعتماد فقط على التعاون الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، ترى بكين فرصةً جيدةً لتعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع بعض دول الشرق الأوسط(وخاصةً الدول الغنية في الخليج الفارسي)، وتظهر تجارة الأسلحة في العديد من الحالات كبعد مهم.
إن نشر الوثيقة الاستراتيجية "سياسة الصين تجاه العرب" في يناير 2016، قبل أسبوع واحد فقط من زيارة الرئيس شي جين بينغ للسعودية ومصر وإيران، يشير على وجه الخصوص إلى ضرورة تكثيف التعاون العسكري الصيني مع الدول العربية، وكذلك "تعميق التعاون في مجال مختلف الأسلحة والمعدات والتكنولوجيات المتخصصة وإجراء مناورات عسكرية مشتركة".
وتنص الوثيقة على أن الصين ستواصل دعم تطوير الدفاع الوطني والقوات العسكرية للدول العربية للحفاظ على السلام والأمن في المنطقة.
من الواضح إذن أن الصين حريصة على إدراج التعاون العسكري والأمني، ولا سيما صفقات الأسلحة وإنتاج الأسلحة، كأحد أبعاد استراتيجيتها الشاملة في الشرق الأوسط. وما يزيد من ميزة ذلك التقدم التكنولوجي للصين في مجال البحث والتطوير الدفاعي(R & D)، ولا سيما في مجال الصواريخ والطائرات بدون طيار.
في غضون ذلك، تحاول السعودية تجنب وضع رهاناتها في عالم متعدد الأقطاب، بسبب القلق من وجود الأدلة على تراجع أهمية الوجود العسكري المباشر في المنطقة في الاستراتيجية العسكرية والسياسية الأمريكية في السنوات الأخيرة، وخاصةً عندما تبدو الولايات المتحدة أقل ميلًا للعب دور الضامن الأمني للسعودية.
تاريخ التعاون الصيني السعودي في صناعة الطائرات بدون طيار والصواريخ
الاهتمام الخاص لوسائل الإعلام الغربية بأنباء التعاون العسكري الصيني السعودي في قطاع الصواريخ، لا يعني أبدًا أن التعاون العسكري بين البلدين جديد، وتعود بداية تبادل الأسلحة بين بكين والرياض إلى عقود ماضية.
يعود تاريخ القوة الصاروخية الاستراتيجية السعودية إلى الثمانينيات، عندما سافر الأمير خالد بن سلطان، قائد قوات الدفاع الجوي آنذاك، إلى الصين لشراء صواريخ DF-3.
صاروخ "دونغفنغ 3" أو " رياح الشرق 3" الباليستي متوسط المدى(من 3000 إلى 4000 كيلومتر)، هو صاروخ أحادي المرحلة يعمل بالوقود السائل منخفض الدقة(بين 1000 و 4000 متر خطأ الإصابة)، وقادر على حمل السلاح النووي.
ومن الممكن أيضًا أن تكون السعودية قد اشترت صواريخ DF-21 الأكثر تقدمًا من الصين، والتي تتوافر في كلا النوعين التقليدي والنووي.
دونغفنغ- 21 هو صاروخ باليستي على مرحلتين يعمل بالوقود الصلب ويبلغ مداه أكثر من 1700 كم، ولديه دقة أعلى بكثير من دونغفنغ 3(هناك أنواع مختلفة لها أخطاء إصابة مختلفة تتراوح من 700 إلى 10 أمتار).
صواريخ دونغفنغ 21 أيضًا قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، ولكن يبدو أن هذه الأنواع من الصواريخ تم تسليمها أيضًا للسعوديين بعد التعديل والتأكد من أنها لا تستطيع سوى حمل رؤوس حربية تقليدية.
لم يكن الأمريكيون على علم ببيع صواريخ دونغفنغ 3 إلى السعودية في البداية، وحسب ما ورد في التقارير فقد أصبحوا قلقين للغاية وغاضبين عندما اكتشفوا ذلك.
ولكن مع ظهور تكنولوجيا الصواريخ الجديدة، توقع الكثير من السعوديين استبدالها في نهاية المطاف بعملية شراء أخرى من الصين أو حتى باكستان.
في عام 1999، قام الأمير سلطان وزير الدفاع آنذاك بزيارة مختبرات أبحاث كاهوتا في باكستان، حيث كان عبد القادر خان(والد الصناعة النووية الباكستانية) يقوم بتخصيب اليورانيوم وبناء نسخ من صاروخ نودونج الكوري الشمالي الذي تسميه باكستان غوري.
السعودية متكتمة للغاية بشأن شراء صواريخها الباليستية، وحتى أن الرياض أبقت زيارة خالد بن سلطان للصين في الثمانينيات سراً.
أخيرًا، شارك الأمير خالد تفاصيل هذه الزيارة في مذكراته عام 1996، تحت عنوان "محارب الصحراء". ويتحدث فيه عن قرار شراء الجيل الأول من الصواريخ السعودية سراً.
في هذا الكتاب، يسرد خالد بن سلطان ذكرى تظهر قلق السعودية الأولي بشأن الكشف عن معلومات سرية حول ترسانتها من الصواريخ الباليستية.
کما يصف كيف كشف جندي شاب موجود في مستودع للصواريخ الباليستية عن موقعه لوالده، ونتيجةً لذلك يضطرون لنقله إلى القاعدة حفاظاً على الأسرار العسكرية. باستثناء مذكرات خالد، لم تكشف السعودية حتى الآن بوضوح عن قوتها الصاروخية الاستراتيجية.
في عام 2010، افتتح خالد - نائب وزير الدفاع آنذاك - المقر الجديد للقوة الصاروخية الاستراتيجية في الرياض. إضافة إلى ذلك، منذ حوالي عام 2007، تقوم الصحافة السعودية بتغطية حفل تخرج مدرسة القوة الصاروخية الاستراتيجية بوادي الدواسر.
هناك تطوران مهمان في السنوات الأخيرة زادا من تعطش السعودية للصواريخ والطائرات بدون طيار: الحرب اليمنية وقدرات المنافسين الإقليميين مثل إيران في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة. وقد أظهر كلا المجالين ضعف السعودية في قطاع الدفاع.
تم شراء صواريخ دونغفنغ 3 في نهاية الحرب العراقية الإيرانية، في وقت كانت "حرب ناقلات النفط" جاريةً، وهذا ما هدَّد سفن الداعمين العراقيين وخاصةً الدول الخليجية بما في ذلك السعودية.
من ناحية أخرى، كانت حرب اليمن ساحةً مرعبةً لاختبار القدرات الدفاعية السعودية، حيث أعلنت السعودية، في منتصف كانون الأول(ديسمبر)، على سبيل المثال، عن قلقها من النضوب السريع لترسانتها الصاروخية الدفاعية، ولهذا السبب طلبت من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المساعدة في سد هذه الفجوة.
ووسط رغبة الرياض المتزايدة في تعزيز قدراتها في مجال الصواريخ والطائرات بدون طيار، اتخذ التعاون مع الصين أبعادًا جديدةً وأوسع. وفي هذا السياق، في مارس 2017، وقعت مدينة العلوم والتكنولوجيا السعودية وشركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية اتفاقيةً تعاون لإنتاج طائرة CH-4 بدون طيار، والتي تشبه الطائرة الأمريكية MQ-1 Predator.
السعودية، مثل العراق، تمتلك مثل هذه الطائرات بدون طيار منذ عام 2014. ومن المرجح أن تكون هذه المنشأة السعودية بمثابة "مركز دعم للبناء والخدمات لمشغلي CH-4 الآخرين في الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر والعراق والأردن."
لماذا الصين؟ وليس أمريكا!
كانت الولايات المتحدة دوماً أكبر مصدر للأسلحة والمورد الرئيسي للاحتياجات العسكرية السعودية، وكان التعاون العسكري جزءًا مهمًا من العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض طوال تاريخ تحالف البلدين.
ومع ذلك، بالنسبة للولايات المتحدة، تهدف مبيعات الأسلحة في المقام الأول إلى ممارسة التأثير والمكافآت لضمان الولاء، والذي يمكن تعليقه أو قطعه اعتمادًا على الديناميكيات السياسية وتفضيلات السياسة الأمريكية.
على سبيل المثال، كان شراء السعودية للصواريخ البالستية الصينية متوسطة المدى في عام 1988 بسبب إحجام الولايات المتحدة عن القيام بذلك بسبب المعارضة الإسرائيلية.
کذلك، منع نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ لعام 1987، وهو اتفاق غير رسمي بين 35 دولة، السعودية من شراء صواريخ باليستية من الولايات المتحدة وغيرها، في حين أن الصين لم تكن من الدول الموقعة.
في العصر الحديث، سمح وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض للسعوديين بمتابعة برامجهم الصاروخية والنووية السرية، وسط تجاهل البيت الأبيض المتعمد.
لكن مع خروج ترامب من البيت الأبيض، وقدوم الإدارة الجديدة لجو بايدن، التي اتخذت بادرة الضغط على حلفاء الولايات المتحدة، وخاصةً بين العرب، بشأن قضايا حقوق الإنسان والحد من التسلح لإقناع الرأي العام المحلي، تجد الرياض صعوبةً متزايدةً في تطوير برنامجها الصاروخي بدعم أمريكي.
ولكن على عكس النهج الأمريكي، تركز مبيعات الأسلحة الصينية فقط على "أولويات التجارة". إذ تنظر الصين إلى العالم العربي وغرب آسيا كسوق جديد للأسلحة منخفضة التكلفة والتقنية، وبالتالي تميل إلى بيع الأسلحة إلى أي دولة في المنطقة، بغض النظر عن سياساتها.
لكن على الرغم من جهود ابن سلمان، فإن الضعف التكنولوجي للسعودية قد جعل المراقبين متشككين بجدية بشأن إمكانية تشكيل صناعة محلية للصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الصاروخي والطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة العسكرية المتقدمة مثل الطائرات الحربية، ومازالوا يرون السعودية كمستهلك للأسلحة في المستقبل المنظور.