الوقت- إن الخطر الأكبر الذي يواجه الشعب الفلسطيني اليوم هو ما يمرره الاحتلال من مخططات اخترقت كل المحرمات وتجاوزت كل الخطوط الحمراء التي اعتاد الشعب الفلسطيني على الانتفاض من أجل عدم المساس بها أو تجاوزها.
فالكيان الإسرائيلي تخطى منذ زمن الحرمات والقواعد والخطوط الحمراء، واليوم أصبح كل شيء مباحاً بالنسبة لهم، وهذه ليست أول مواجهة حقيقية تتم في مدينة القدس على وجه التحديد.
إن تخطي الخطوط الحمراء بدأ منذ أن طرد الاحتلال الفلسطينيين من منازلهم داخل البلدة القديمة وحول القدس، وعمليات الهدم التي تتم بشكل قسري، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى التي أصبحت بشكل يومي إضافة إلى أداء الصلوات اليهودية داخل الساحات، واجراء تقاليد دينية مثل الأعراس.
التهويد أولوية حكومة بينيت
تشغل سياستا التهويد والاستيطان في القدس المحتلة أولوية مهام الحكومة الإسرائيلية، بعيداً عن الانتقادات العربية والدولية، وذلك بهدم المنازل وتهديد 600 مقدسي أمس بالطرد والتهجير، بينما ستشرع قريباً في تنفيذ 8 مخططات استيطانية جديدة بعدما صادقت عليها مؤخراً.
ويبدو أن حكومة الاحتلال، برئاسة “نفتالي بينيت”، تسارع خطا التهويد في المدينة، إزاء الخشية من تغير قد يصيب أفق الائتلاف الحكومي اليميني الهش، إذ أعطت، أمس، الضوء الأخضر لما تسمى “بلدية الاحتلال” بالقدس، لهدم 58 منزلاً في “وادي ياصول” ببلدة سلوان، لصالح الاستيطان.
وذلك؛ فإن نحو 600 فلسطيني، من بينهم أطفال ومرضى وكبار في السن، مهددون بالطرد من منازلهم، بما يشكل “قراراً إسرائيلياً جائراً وغير منصف”، وفق عضو لجنة حي ياصول ببلدة سلوان بمدينة القدس المحتلة، خالد شويكي.
واعتبر شويكي أن هذا القرار “يعد تهجيراً قسرياً من منازلهم” ولكنه لن يثني المقدسيين عن صمودهم وتمسكهم بأرضهم وبيوتهم، لافتاً إلى التوجه للمنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان للتحرك لجهة الضغط على الاحتلال لوقف عدوانه ضد الشعب الفلسطيني.
لقد تصاعدت في الفترة الأخيرة عمليات إخلاء وهدم المنازل في القدس المحتلة، بحجة أنها غير مرخصة، في إطار سياسة التضييق على السكان لإجبارهم على الرحيل أو الطرد لصالح تهويد المدينة وإحلال المستوطنين المتطرفين فيها.
تقارير أمية تؤكد ارتفاع معدلات الهدم
وفقاً لتقرير نشره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد ارتفع معدل هدم ومصادرة منازل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ العام 1967 بنسبة 21 % في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020.
كما قدر التقرير الأممي عدد المنشآت الفلسطينية، التي صادرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية هذا العام وحتى الآن بنحو 311 منشأة.
ويصاحب التهويد عادة مشاريع استيطانية تساهم في تغيير الوقائع على الأرض؛ أسوة بمصادقة ما تسمى “الإدارة المدنية” في جيش الاحتلال على 8 مخططات استيطانية جديدة بالضفة الغربية، وهي قيد التنفيذ راهناً.
مخططات استيطانية جديدة
من جهته قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن سلطات الاحتلال أقرت ثمانية مخططات استيطانية جديدة لإقامة وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، غير عابئة بموقف المجتمع الدولي الذي يعارض الاستيطان بوصفه مخالفاً للقانون الدولي وعقبة أمام جهود إحياء عملية السلام.
وأشار، في تقرير أصدره أمس، إلى مخطط اقامة 1058 وحدة استيطانية جديدة ومنشآت عامة ومؤسسات وذلك عبر توسيع مستوطنة “عيلي”، المقامة على أراضي قريتي “الساوية وقريوت” ضمن مساحة 403 دونمات، لإقامة 628 وحدة استيطانية.
ويستهدف المشروع توسيع مستوطنة “معاليه مخماس”، الإسرائيلية المقامة على أراضي قرية دير دبوان ضمن مساحة 800 دونم لإقامة حي استيطاني جديد، ومستوطنة “كرني شمرون”، المقامة على أراضي قريتي “دير استيا وكفر لاقف” ضمن مساحة 18.5 دونماً، لإقامة 82 وحدة استيطانية.
ويرمي المخطط الاستيطاني إلى توسيع مستوطنة “هار براخاه”، المقامة على أراضي قرية “بورين” في نابلس، ضمن مساحة 88,6 دونماً، لإقامة 286 وحدة استيطانية، ومستوطنة “بدوائيل” الجاثمة بأراضي بلدة “كفر الديك” ضمن مساحة 4,7 دونمات، لإقامة 20 وحدة استيطانية.
ويدخل في المشروع الإسرائيلي أيضاً، مستوطنة “معاليه مخماس”، المقامة على أراضي “قرية دير ديوان” ضمن مساحة 5.2 دونمات، لاقامة 14 وحدة استيطانية، ومستوطنة “بركان” المقامة على أراضي “قرية قراوة بني حسان” ضمن مساحة 10.8 دونمات، لإقامة 28 وحدة استيطانية، ومستوطنة “كفار أدوميم” على أراضي قرية “عناتا” ضمن مساحة 74 دونماً لإقامة منشآت استيطانية.
جاء ذلك في سياق مخطط الاحتلال إقامة مستوطنة كبرى على أرض مطار القدس الدولي، في قلنديا شمال مدينة القدس المحتلة، الأسبوع المقبل، بحيث تضم إقامة 9000 وحدة استيطانية على أنقاض المطار الذي اغلقه الاحتلال العام 2000.
وتتواصل عمليات الاستيطان ومشاريع التهويد في القدس المحتلة بدون توقف، إذ تعتزم سلطات الاحتلال البدء بمشروع استيطاني يتضمن إقامة 2000 وحدة استيطانية على أراضي “جبل المشارف”، كامتداد لمستوطنة التلة الفرنسية، التي تجثم في المنطقة الغربية من العيساوية، المتصلة مع حي الشيخ جراح المقدسي.
ومن المقرر أن تكون إقامة الوحدات الاستيطانية الجديدة بالقرب من محور القطار التهويدي الخفيف الذي يمر في عدة مناطق من وسط القدس وغربها، ومنها شعفاط والمالحة وحي البقعة، في إطار مساعي الاحتلال لفصل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني.
فيما تصاعدت اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، وارتفعت وتيرة هجماتهم بحقهم، ولا سيما خلال موسم قطف الزيتون، مستخدمين المناشير والمجزات والمعاول، حيث يواجه المزارعون كل عام تهديدات مختلفة من المستوطنين، بما في ذلك التخويف والاعتداءات والتدمير واقتلاع وتخريب أشجار الزيتون الخاصة بهم، وسرقة المحاصيل وأدوات الحصاد.
وحسب بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد تم تدمير أكثر من 9300 شجرة في الضفة الغربية، بين آب (أغسطس) 2020 وآب (أغسطس) من العام الحالي.
ميليشيات يهويدية قيد التأسيس
من جهتها حذرت منظمة العدل والتنمية من تشكيل ميليشيات يهودية متطرفة من المستوطنين اليهود ومسلحة لاستهداف الفلسطينيين داخل القدس لتهجير الفلسطينيين تمهيدا لتهويد مدينة القدس بشكل كامل.
وقال المتحدث الرسمي للمنظمة والباحث السياسي زيدان القنائي إن جيش الاحتلال والاجهزة العسكرية الاسرائيلية تقوم بحماية الميليشيات اليهودية المتطرفة. وحذر من تشكيل ميليشيات يهودية مسلحة داخل اسرائيل والقدس قد تستهدف الفلسطينيين وعرب الـ48 على غرار مشهد الطوائف اليهودية المسلحة عام 1948.
إلى ذلك، أعلن «المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان» أن حكومة الاحتلال واصلت أنشطتها الاستيطانية في مدينة القدس المحتلة، وصادقت على مخططات جديدة. وقال المكتب في تقرير نُشر أمس السبت: إن «سلطات الاحتلال أجلت الأسبوع الماضي، المصادقة على أحد أخطر مخططاتها الاستيطانية، وهو مخطط البناء الاستيطاني على أرض مطار قلنديا الدولي شمال القدس المحتلة».
ووفقاً للتقرير، فإن التأجيل جاء في أعقاب ضغوط أميركية ودولية على «إسرائيل»، دفعت حكومتها اليمينية المتطرفة للإعلان عن تأجيل مصادقة «اللجنة التابعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية» على مخطط لبناء 9 آلاف وحدة استيطانية على أرض المطار، البالغة مساحتها 1243 دونماً.
يستغل الاحتلال “الإسرائيلي” تشتت العالم عن القضية الفلسطينية بسبب انشغاله بصراعات وحروب إقليمية ودولية عديدة، وبذلك أتيحت الفرصة أمام هذا المحتل لتكثيف مشاريعه الاستيطانية والاستفراد بالفلسطينيين، وتهويد المدينة المقدسة.
أسباب تمادي الاحتلال في التهويد
وهناك العديد من الأسباب التي تجعل من الاحتلال يتخطى الخطوط الحمراء:
على الصعيد الدولي: الساحة الدولية اليوم مشتعلة بالكثير من القضايا، الحروب في المناطق المحيطة، اللاجئين في الكثير من المناطق في العالم، وغير ذلك، ولذلك أصبحت القضية الفلسطينية على الرف.
وعلى الصعيد العربي: من جهة أخرى فإن قضايا التطبيع التي حصلت، أزالت الكثير من الخطوط الحمراء، ففي السابق كان هناك شعار أن لا سلام ما دام الاستيطان قائماً وما دام احتلال القدس موجود كل هذه الشعارات
وعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني: فإن الانقسام هو السبب الأساسي في تمادي الاحتلال في مخططاته في القدس، وهذا الأمر يستغله الاحتلال بشكل مباشر، كون الجبهة الفلسطينية جبهة غير متفقة في أمرها بل يعمل الاحتلال على تكريس هذا الانقسام من خلال بعض الاغتيالات من هنا وهناك وبعض الأفعال التي تظهر بوضوح لمسته الاستخباراتية فيها وهو ما يعطيه فرصة للقيام بأمور كثيرة منها اتخاذ خطوات أحادية الجانب دون الرجوع إلى الجانب الفلسطيني؛ لأن الاحتلال دائماً ما يتحجج بأنه لا يوجد جهة فلسطينية تستطيع الاتفاق معها.
مخططات التهويد ضد القدس لم تتوقف عبر التاريخ ولكنها الان تشهد وتييرة متسارعة وعلى كامل أطياف الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة أن يصحوا لهذه المحاولات ويهبوا لنصرة القدس التي باتت غريبة بين أهلها.