الوقت- كشف حزب اليسار في البرلمان الأوروبي ومؤسسة “ومندوبات” (Mundubat)، عن تقريرهم الأسود حول عدد من الشركات الأوروبية، النشطة والعاملة في إقليم الصحراء الغربية، المتنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو منذ سنة 1975.
وجاء في الاستنتاج الرئيسي للتقرير، الذي خص الشركات الأوروبية و”انتهاكها للقانون الدولي” في الصحراء الغربية “أصبحت الشركات الأوروبية شركاء ضروريين في جرائم الحرب، من خلال استغلال موارد الصحراء الغربية المحتلة بشكل غير قانوني، والربح من الأعمال التجارية التي ينفذها المغرب بشكل غير قانوني، وتوظيف السكان المغاربة الذين تم حشدهم في الأراضي المحتلة”.
بعد مرور عدة أشهر على أزمة سبتة، ومرور عام من قيام البوليساريو بتعليق وقف إطلاق النار في نزاع الصحراء، وبعد 46 عامًا بعد توقيع اتفاقيات مدريد الثلاثية؛ بين إسبانيا، المغرب وموريتانيا؛ تعود العلاقات بين بروكسل والرباط إلى صفائها.
وعلى الرغم من أن لحظات معينة، مثل تلك التي شهدتها مدينة سبتة قبل بضعة أشهر، أثارت التوتر بين الجانبين، يبقى المغرب كقاعدة عامة، أحد الشركاء ذوي الأولوية والمفضلين للاتحاد الأوروبي، الذي يمنح أموالًا كبيرة للبلد المغاربي؛ وللشركات الأوروبية التي تعمل في الصحراء الغربية.
وعلى الرغم من خرق وقف إطلاق النار، “استمرت الشركات الأوروبية في نهب موارد الصحراء المحتلة، وارتكبت جرائم حرب، لأنها، من بين أسباب أخرى، تستفيد من معبر الكركرات الحدودي غير الشرعي لتنفيذ عملياتها؛ إنهم يربحون من الأعمال التجارية التي ينفذها المغرب بشكل غير قانوني؛ وهم يشجعون احتلال السكان غير الصحراويين للأراضي”، يؤكد عضو البرلمان الأوروبي من مجموعة “أنتي كابيتاليستاس” (ضد الرأسمالية) ميغيل أوربان، المروج للتقرير.
ما هي هذه الشركات؟
الشركات الفرنسية والإسبانية والألمانية هي الأكثر حضوراً في الأراضي الصحراوية؛ حسب القطاعات، والأكثر شيوعًا هي تلك المتعلقة بالطاقة المتجددة والتعدين والموارد الزراعية والبحرية والمتخصصة في البناء.
ويشير التقرير مباشرة إلى شركة “إندرا” (Indra) الإسبانية ،وشركة “سيمينس إنرجي” (Siemens Gamesa Renewable Energy)، متعددة الجنسيات، وشركة “إنيل غرين باور” (Enel Green Power) الإيطالية، وشركة “إنغييد” (Engied) الفرنسية و”سيما سيجيم” (CMA CGM)، وشركة “هايدلبيرغ سيمنت” (HeidelbergCement AG)، الألمانية باعتبارها مسؤولة عن الاستثمار في “الأراضي المحتلة التي تنتهك القانون الدولي” من خلال أموال من الاتحاد الأوروبي لدعم أنشطته.
ومن بين 28 شركة تستثمر أو تنشط في الصحراء الغربية، هناك عشر شركات إسبانية، جلها للاستثمار في البناء، بينما يركز الفرنسيون وجودهم في مجالات الزراعة وصيد الأسماك.
ويقول التقرير المذكور أعلاه؛ أن الشركات التي تتاجر أو تستثمر في هذا الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي، “عليها التزام قانوني باحترام حقوق الإنسان”.
وقبل كل شيء، عليها “الحصول على موافقة صريحة من السكان الصحراويين وجبهة البوليساريو، الممثل المعترف به من قبل الأمم المتحدة، لاستغلال مواردهم الطبيعية، وإلا فإن هذه الجرائم ستكون مخالفة للقانون الدولي” يقول التقرير.
وعليه، خلص التقرير إلى أن هذه الشركات “شريكة في جميع انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها المغرب”، لأنها “تساهم بأفعالها في تطبيع وإدامة الاحتلال غير الشرعي وعرقلة عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة”.
التقرير الأسود ليس الأول من نوعه
أصدرت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي في أواخر شهر سبتامبر قرارها بعدم قانونية اتفاقيتي الصيد البحري والتبادل التجاري بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي تشمل أراضي ومياه الصحراء الغربية. ومن المنتظر أن يحمل الحكم انعكاسات مقلقة على جودة العلاقات بين الطرفين.
واعتبر الحكم، وفق مصادر قضائية أوروبية، بعدم قانونية هذه الاتفاقيات نظرا لضمها مناطق لم يتم بعد الحسم في سيادتها من طرف الأمم المتحدة وتوجد رهن نزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو.
وكان الحكم مرتقبا نسبيا بحكم وجود سابقة في هذا الشأن، حيث ألغت المحكمة الأوروبية الاتفاقيات نفسها مرتين خلال السنوات الماضية، لكن كان هناك أمل لدى الرباط في ربح هذه القضية بعدما قبلت ببنود تميز نسبيا منطقة الصحراء عن باقي مناطق المغرب ومنها تخصيص ميزانية من التعويض المالي للاتفاقية، حالة الصيد، لساكنة الصحراء، ثم دعم كل مؤسسات الاتحاد الأوروبي وبعض الدول مثل فرنسا وإسبانيا للاتفاقيات بل نصبت محامين لهذا الغرض.
وكانت جبهة البوليساريو قد اعتمدت منذ سنوات استراتيجية التنديد بما تعتبره استغلال المغرب غير الشرعي لثروات منطقة متنازع على سيادتها. وبدأت حملات دولية، سواء سياسية أمام البرلمانات أو قضائية أمام محاكم بعض الدول لمنع صادرات مثل الفوسفاط أو التشكيك في الشرعية القانونية لاتفاقيات الصيد البحري التي تمتد لمياه الصحراء الغربية.
وسيحمل هذا الحكم بدون شك انعكاسات سلبية على العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وهي العلاقات التي فقدت الكثير من جودتها بسبب ملفات مثل الهجرة ونزاع الصحراء، وآخرها انتقادات الرباط لمواقف الأوروبيين ثم بيان البرلمان الأوروبي خلال يونيو الماضي الذي يتحفظ على المغرب في ملف الهجرة ويؤيد مساعي الأمم المتحدة في الصحراء.
قضية الصحراء الغربية الشائكة
الصحراء الغربية هي موضوع نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر، وهي منطقة تصنفها الأمم المتحدة بين “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”.
تطالب جبهة بوليساريو مدعومة من الجزائر بإجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية بإشراف الأمم المتحدة التي أقرته عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المتحاربين في أيلول/سبتمبر 1991.
في حين يعتبرها المغرب، الذي يسيطر على ما يقرب من 80% من مساحتها، جزءًا لا يتجزأ من أراضيه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.
وتدعو الأمم المتحدة أطراف النزاع إلى استئناف المفاوضات من أجل “حل سياسي” للنزاع. غير أن كل محاولاتها باءت بالفشل حتى الآن. ومنذ استقالة آخر مبعوث للأمم المتحدة، توقفت المفاوضات الرباعية التي تضم المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا.
الاتحاد الأوروبي وموقفه من قرار ترامب السابق
دعت وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة "آنا بلاسيو" الاتحاد الأوروبي إلى القيام بدور أكثر فعالية ورئيسي في المفاوضات بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) في ملف الصحراء الغربية المتنازع عليها.
آنا بلاسيو كانت تشغل منصب وزيرة خارجية إسبانيا في عام 2002 مع بدأ الأزمة بين المغرب وإسبانيا حول جزيرة ثورة، والتي كادت أن تؤدي إلى حرب بين البلدين، وحينها قامت واشنطن بدور الوساطة من أجل تهدئة الطرفين والدخول في مفاوضات أشرف عليها حينها وزير الخارجية الأمريكي كولن باول. بلاسيو أيضاً كانت من أشد وزراء خارجية الاتحاد الأوربي دفاعاً عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وزيرة الخارجية السابقة نشرت مقالاً تحت عنوان: “قنبلة الصحراء الغربية” في موقع “بروجيكت سيندكات” وهو يعتبر مصدر رئيسي تعتمد عليه كبرى الصحف الدولية في مقالات الرأي والتحليل، وكان المقال يتحدث عن تاريخ الصراع في الصحراء الغربية و دور إسبانيا كقوة استعمارية هناك.
كما ركزت وزيرة الخارجية السابقة آنا بلاسيو في مقالها على فكرتين رئيسيتين، الأولى وهي احتمالية عدم تراجع إدارة بايدن الجديدة عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء رغم الدعوة التي وجهها الرئيس جو بايدن إلى بدأ مفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تحكم الصحراء الغربية. وتؤكد الوزيرة أن أوروبا تنتظر موقفاً مختلفاً من البيت الأبيض، ألا وهو التراجع عن قرار الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، وهذا الأمر قد لا يحدث.
وهذا ما دفع الوزيرة آنا بلاسيو لانتقاد الاتحاد الأوروبي ومطالبته بلعب دور فعال من أجل المساهمة في البحث عن حل للنزاع في الصحراء الغربية حيث تقول: “الاتحاد الأوروبي مطالب بدور ريادي، فالعلاقات بين أوروبا والصحراء الغربية والقيم الأساسية للاتحاد الأوروبي لن تتطلب أقل من ذلك”.
آنا بلاسيو لا تشغل أي منصب رسمي في الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، إلا أن رأيها الشخصي يصب في نفس الإطار مع الموقف الرسمي للحكومة الإسبانية الحالية بين التحفظ أو رفض قرار واشنطن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء ثم التشديد على لعب الاتحاد الأوروبي دوراً رئيسياً في المفاوضات بين المغرب والصحراء الغربية.
يذكر أن دولة أوروبية أخرى وهي ألمانيا أعلنت رفضها لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والذي اعترف من خلاله بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية، وهذا الرفض فجر أزمة دبلوماسية بين الرباط وبرلين، حيث أعلنت ألمانيا تجميد منح التأشيرات للرعايا المغاربة رداً على قرار الحكومة المغربية وقف الاتصالات الدبلوماسية مع برلين.
توازن شبه مستحيل!
موقف الشركات في الصحراء الغربية يسير بالتوازي مع موقف بروكسل، إذ يقيم الاتحاد الأوروبي توازنًا شبه مستحيل في علاقته بالمغرب، خصوصًا في المستعمرة الإسبانية السابقة.
دفاع الإتحاد عن العلاقات الجيدة مع الرباط، يكسر تماسك الإتحاد الأوروبي؛ فمن ناحية يدعم عملية التفاوض التي ترعاها الأمم المتحدة ولا يعترف بسيادة المغرب على الصحراء.
ومن ناحية أخرى، لا يتبنى مصطلح “الأراضي المحتلة” الذي تستعمله البوليساريو، لكنه يشير إلى الصحراء الغربية على أنها “بحكم الواقع إقليم غير مستقل يديره المغرب”.
إذاً يمكن اعتبار رأي اليسار الأوروبي هو محاولة من الاتحاد الأوروبي لتحقيق التوازن الذي يلعبه مع المغرب والصحراء الغربية حيث أنه يلعب لعبة الحزم واللين مع الجانبين المغربي والبوليساري وهمه الوحيد تحقيق أهدافه.