الوقت- عمدت الصهيونية منذ الأزل، وسلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية احتلالها للأراضي الفلسطينية إلى استخدام كافة السبل والسياسات التي تستهدف السيطرة على كافة المقدرات التي حباها الله لفلسطين، بأرضها وبحرها وجوها وحجرها وبشرها وشجرها ومائها، ولم تستثن تراثاً فلسطينياً دون العمل لفرض ساديتها عليه، متدرعة بالقوة ومساندة القوى والدول التي تؤيد قهر الشعوب واستغلالها دون رادع من ضمير أو أخلاق أو قانون، متجاوزة كل محظور، وغير آبهة لأية ردود. وقد طالت هذه السياسة تاريخ هذه الأرض، واستهدفت شواهدها التاريخية الضاربة جذورها في عمق التاريخ لنزع الشرعية التاريخية التي سطرتها أيدي أجداد الفلسطينيين القدماء عبر فترات الزمن الغابر، والتي تثبت أن أرض فلسطين هي عربية فلسطينية بلا منازع؛ فاستهدفت المواقع الأثرية التاريخية التي تنتشر في كل أنحاء فلسطين من أقصاه إلى أدناه؛ وعمدت إلى تزوير الحقائق، واجتهدت في البحث عن آثار توراتية لفقتها أكف قاداتها الدينية لإثبات أي صلة تربط اليهود بهذه الأرض؛ فسخرت حكوماتها المتعاقبة موازنات ضخمة لتنفيذ مخططات تزور وجه الأرض؛ وها هم اليوم يوجهون عدوانهم صوب انتهاك المقابر بنبشها وتجريفها والمساس بحرمة الأموات في القدس المحتلة، في محاولة منه لتهويد المدينة وتغيير هويتها وطمس معالمها العربية والإسلامية، مما أثار غضباً فلسطينياً واسعاً ووقوع المواجهات أثناء تصديهم للاعتداء.
فقد واصلت جرافات الاحتلال أمس، ولليوم الثاني على التوالي، أعمال التجريف في المقبرة “اليوسفية”، التي تعد أحد أهم وأبرز المقابر الإسلامية في مدينة القدس، والمجاورة للمسجد الأقصى المبارك من الجهة الشرقية والملاصقة لأسوار البلدة القديمة وباب الأسباط، أهم مداخل البلدة القديمة، فضلاً عن أنها تضم قبوراً لشهداء فلسطينيين وجنود أردنيين وعرب استشهدوا دفاعاً عن القدس.
وأفاد “مركز معلومات وادي حلوة” الفلسطيني، بأن ما يسمى “سلطة الطبيعة” الإسرائيلية باشرت عمليات التجريف في المقبرة، وذلك بعد تفكيك بوابة المقبرة الرئيسية، بالإضافة إلى عمليات تجريف بآليات وجرافات ثقيلة، سوت خلالها القبور بالأرض.
وقد رفضت ما يسمى المحكمة الإسرائيلية طلباً تقدمت بها لجنة رعاية المقابر الإسلامية بالأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، لوقف أعمال التجريف ومواصلة أعمال نبش وانتهاك حرمة قبور الموتى، حيث سمحت باستمراره، نحو تجريف مقبرة “باب الرحمة” أيضاً، الواقعة شمالاً، بمحاذاة سور القدس الشرقي، لتهويد تلك المنطقة.
وسمحت محاكم الاحتلال، بتحويل قطعة الأرض إلى حديقة توراتية من أجل ضمان منع المسلمين من استحداث قبور جديدة فيها، ضمن مساعي تهويد القدس وتغيير تاريخها وجغرافيتها، وكجزء من مشروع للمستوطنين حول أسوار البلدة القديمة، ولتنظيم مسار للمستوطنين والسياح على رفات المسلمين الموجودين فيها.
وتنوي سلطات الاحتلال إقامة حدائق توراتية ومدرجات تطل على سفوح جبل الزيتون شرقي القدس على أرض المقبرة، فيما قامت خلال السنوات الماضية بتغيير المعالم المحيطة بها من خلال أعمال ادعت بأنها “عمليات ترميم”.
وتأتي أعمال التجريف بعد يوم واحد فقط من قيام آليات الاحتلال بطمس أجزاء من المقبرة “اليوسفية” وشواهد القبور، وذلك بعد تدمير عدد منها ونبشها، وذلك بهدف استكمال إجراءات إقامة حديقة توراتية على جزء من المقبرة، التي تعتبر من كبرى المقابر الإسلامية في مدينة القدس المحتلة.
وفي وقت سابق؛ جرفت آليات الاحتلال أجزاء من المقبرة، التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، حيث ظهرت أجزاء من رفات وعظام عشرات الشهداء والموتى، مما أثار غضباً واسعاً بين المقدسيين، الذين أعادوا بعد ذلك دفن رفات الشهداء والموتى في المقبرة، قبل أن تجدد سلطات الاحتلال أمس نبشها وطمسها بالكامل.
وتتعرض المقبرة منذ سنوات إلى هجمة من قبل سلطات الاحتلال وحفريات، وصلت إلى مداميك أثرية قريبة من عتبة باب الأسباط، حيث تعج برفات عموم أهل مدينة القدس وكبار العلماء والمجاهدين، إلى جانب مئات الشهداء الفلسطينيين والعرب.
وتعمل بلدية الاحتلال منذ فترة طويلة على محاصرة المقبرة وإحاطتها بالمشاريع التهويدية والمسارات والحدائق التلمودية على امتداد السور الشرقي لمدينة القدس وبمحاذاة المقبرة، بهدف إخفاء معالم الممرات والمواقع التاريخية الأصيلة المحيطة بالمقبرة.
رد فعل حماس
من جانبها، قالت حركة “حماس”، إن “تواصل اعتداءات الاحتلال على حرمات المقابر، وما يجري في المقبرة اليوسفية هو جريمة بشعة، تستهدف تزييف وإنشاء مقابر يهودية “وهمية” لا أساس لها، بما يعد دليلاً صارخاً على وحشية الاحتلال.
وقال الناطق باسم “حماس” في القدس، محمد حمادة، إن اعتداءات الاحتلال، طالت الأحياء والأموات من أبناء الشعب الفلسطيني، في سبيل تهويد القدس والسيطرة على المسجد الأقصى المبارك.
ودعا الشعب الفلسطيني إلى الانتفاض في وجه الاحتلال رداً على التغول المتزايد ضد القدس والأقصى، كما دعا أبناء القدس إلى الاحتشاد عند المقبرة اليوسفية لمجابهة التجريف، وردع الاحتلال عن مواصلة جريمته.
ويترافق ذلك مع التصعيد الإسرائيلي بالمسجد الأقصى، حيث اقتحم عشرات المستوطنين، أمس، باحاته من جهة “باب المغاربة”، بحماية قوات الاحتلال، ونفذوا جولات استفزازية وأدوا طقوساً تلمودية في الجهة الشرقية منه.
المفتي يحذر
وحذر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، من محاولات الاحتلال تغيير ملامح المسجد، عبر الاقتحامات المتكررة، وترميم الكنيس اليهودي المسمى (فخر إسرائيل)، إضافة إلى الحفريات المستمرة في محيطه وتحته، ما أحدث أضراراً في أروقته وجدرانه.
وقال الشيخ حسين، في تصريح أمس، إن سلطات الاحتلال وفي محاولة خطيرة لإغلاق فضاء الأقصى، ومحاكاة قبابه الإسلامية، شرعت بإعادة ترميم كنيس يهودي يقع غربي المسجد على بعد 250 متراً، بعد عقود من إقامته على أراض إسلامية في “حارة الشرف” بالقدس القديمة.
وأضاف أن الأقصى وحارات القدس وأحياءها تشهد هجمة إسرائيلية لم تتوقف، وزيادة محاولات تهويدها لتعزيز السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها، وإغلاق فضاء الأقصى وتطويقه بمعالم مستحدثة ومستجدة ذات دلالات يهودية، لتهويد المنظر الإسلامي العام في القدس القديمة بشواهد معبرنة.
وندد حسين بإعلان جماعات يهودية متطرفة عما يسمى باقتحامات الشتاء للمسجد الأقصى، برعاية عدد من الحاخامات اليهود المتطرفين الذين ينتمون إلى ما يسمى “جماعات الهيكل”، المزعوم، وذلك بهدف تثبيت ما أسموه بحق “الصلاة في جبل الهيكل”، على حد زعمهم.
وأضاف ان الاحتلال يسعى لتهويد القدس، من خلال مخططاته للسيطرة الكاملة على العقارات، وآلاف الدونمات، وتهجير آلاف الفلسطينيين، استنادًا إلى ما يسمى “بقانون أملاك الغائبين” الذي أقره “الكنيست” الإسرائيلي.
ودعا، العرب والمسلمين لاتخاذ موقف حاسم لحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة من عنصرية المحتل، واتخاذ الإجراءات العاجلة لمعاقبته على اختراقاته السافرة للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، والوقوف في وجه استبداده لحماية المسجد الأقصى من غطرسة الاحتلال وبطشه.
صمت عربي ودولي
من المؤلم أن نرى الدول العربية تسحب سفرائها من لبنان من أجل تصريح لرأي شخصي من قبل وزير اعلام هذا البلد ولا تقوم بطرد واغلاق السفارات التي افتتحتها مؤخراً للكيان الصهيوني في بلادهم، نعم يا سادة إنما الأعراب أشد كفراً فما نشهده من الكيان الاسرائيلي هو نتيجة للدعم الذي يتلقوه من الأعراب والضحية دائماً هو الشعب المقاوم المتشبث بأرضه وبوطنه.