الوقت - بعد حوالي شهرين من سيطرة طالبان على كابول في 15 أغسطس 2021، لا تزال الحرکة تكافح من أجل تشكيل حكومة جديدة والاعتراف بها كحكومة شرعية على المسرح الدولي؛ ومع ذلك، فإن أقرب حليف لطالبان، أي باكستان، لم تعترف بها رسميًا بعد.
في غضون ذلك، وفي أحدث الجهود، ترأس أمير خان متقي، القائم بأعمال وزارة خارجية طالبان، وفدًا سياسيًا إلى تركيا في 14 أكتوبر 2021.
هذه الزيارة، التي تعتبر واحدة من أولى الرحلات الدبلوماسية لقادة طالبان بصفتهم الحكام الجدد لأفغانستان، لها أهمية خاصة.
ومع ذلك، فإن الطريقة التي رحبت بها تركيا بالوفد واستضافته، والتي كانت ظاهريًا باردةً ولم تأخذ في الاعتبار الإجراءات اللازمة للزيارات الدبلوماسية الرسمية، كانت لها رسائلها الخاصة لحكومة الإمارة الإسلامية.
وفي ظل هذه الظروف، فإن سبب اختيار طالبان تركيا كوجهة لوفدها الدبلوماسي، وما أنجزته الرحلة لوفد طالبان وكذلك الجانب التركي، هو أمر يمكن تحليله بالنظر في الأبعاد المختلفة للزيارة.
أهداف طالبان من السفر إلى تركيا
فيما يتعلق بأهداف الوفد السياسي لحركة طالبان من زيارة تركيا، يمكن ذكر محورين هامين.
الخروج من العزلة الدبلوماسية ومحاولة اكتساب الشرعية: لا شك في أنه في الوضع الحالي، فإن أي تحرك سياسي ودبلوماسي لطالبان في الخارج، يمكن قراءته في سياق جهود الحرکة لاكتساب الشرعية الدولية. وفي هذا الصدد، أجرت طالبان في الأيام الأخيرة محادثات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودبلوماسيين غربيين في الدوحة. ودعت طالبان في هذه المحادثات إلى الإفراج عن أموال البنك المركزي والمساعدات الإنسانية والتفاعل مع الحكومة المشكلة حديثًا. ولذلك، يمكن اعتبار زيارة الوفد السياسي لطالبان إلى تركيا الآن، بأنها محاولة جادة لاكتساب الشرعية الدولية.
خلفية أردوغان في دعم الجماعات السلفية وآمال طالبان المعقودة علی قناة الاتصال مع أنقرة: على صعيد آخر، فإن أحد الأهداف الرئيسية لزيارة طالبان لأنقرة يتعلق بخلفية أردوغان في دعم الجماعات السلفية والتعاون معها. لقد أقامت الحكومة التركية، بقيادة رجب طيب أردوغان، مستوی واسعاً من التعاون الاستراتيجي والتكتيكي مع الجماعات السلفية والحركات التكفيرية في السنوات الأخيرة. حتى أن هناك أدلةً على التعاون بين تركيا وداعش والقاعدة والعديد من الجماعات المتطرفة في سوريا، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي كإرهابيين. وعلى الرغم من السيطرة على كابول ومعظم أفغانستان، إلا أن طالبان غير معترف بها دوليًا كحاكم لأفغانستان حتی الآن. ولذلك، هناك الآن توقع بين طالبان بأنه، بالنظر إلى الخلفية العقلية والعملية لأردوغان، ستتبع أنقرة سراً سياسة دعم الحرکة.
سياسة أنقرة الحذرة في التقارب مع طالبان
إن سلوك الحكومة التركية في مواجهة الوفد السياسي لحركة طالبان، أي الاستقبال البارد أمام الكاميرات ولكن مفاوضات جادة خلف الكواليس، ينبع في حد ذاته من نوع من الازدواجية المتجذرة في السياسة الخارجية التركية.
في الواقع، تحاول تركيا من ناحية أن تُظهر للمجتمع الدولي، وخاصةً أوروبا والولايات المتحدة، من خلال الظهور بمظهر متنور وديمقراطي، أنها تتعامل بحذر مع جماعة مثل طالبان، وتريد مقارنة إجراءات الحرکة مع معايير حقوق الإنسان العالمية الحديثة.
على سبيل المثال، بعد لقائه بوفد طالبان، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: "حتى الآن، أوضحنا للمجتمع الدولي أهمية التعامل مع حكومة طالبان الحالية. وقد أدركت دول العالم هذا الأمر وهي على اتصال مع طالبان، سواء بشكل محايد أو منحاز".
وعلاوةً على ذلك، أضاف جاويش أوغلو: "لقد أطلعت طالبان مرةً أخرى على توصياتنا بشأن تعليم الفتيات وتوظيف النساء". تشير هذه التصريحات بوضوح إلى أن تركيا تعتزم تقديم نفسها على أنها داعمة لحقوق الإنسان في أفغانستان.
في الواقع، تحاول تركيا أن تظهر نفسها ملتزمةً بالتعاون مع الغرب في أفغانستان، وتبرئ نفسها من اتهامها بالعمل عن كثب مع طالبان أو التقارب معها؛ بحيث لم يجر أي استقبال رسمي من الخارجية التركية لطالبان، ويتم الاکتفاء بنشر بعض الصور البسيطة.
لکن من ناحية أخرى، كانت الإسلاموية والبحث عن عمق استراتيجي في العالم الإسلامي جناحًا آخر لنهج السياسة الخارجية لتركيا بقيادة أردوغان.
من خلال دعوة طالبان إلى تركيا، يعتزم أردوغان وأنقرة تقديم نفسيهما على أنهما الأخ الأكبر في المجتمع الإسلامي. وفي الواقع، إن حلم لعب دور الخلافة الإسلامية هو موضوع يسعى إليه الرئيس التركي في شكل السياسة الحديثة.
لقد رحبت معظم الجماعات الإسلامية في المنطقة بالهزيمة العسكرية الأمريكية في أفغانستان، ولا شك في أن الميل إلى التعاون مع طالبان هو رسالة ترحيب أنقرة بهذا الأمر. ويتماشى ذلك مع إعلان جاويش أوغلو، بأن الهلال الأحمر التركي سيرسل شحنةً من 33 ألف طن من المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان عبر باكستان.
کما تتطلع تركيا أيضًا إلى الفوائد الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية الأخرى من تعزيز موطئ قدمها في أفغانستان.
أولاً، الدول الناطقة باللغة التركية، والتي تسميها تركيا بـ "العالم التركي"، موجودة على الحدود الشمالية لأفغانستان، وتتطلع تركيا إلى تعزيز قدرات أفغانستان لتعزيز نفوذها في هذه المنطقة.
وثانيًا، تقع أفغانستان بالقرب من حدود الصين والهند وباكستان، باعتبار هذه الدول وجهةً للبضائع التركية وشركاء تركيا الاقتصاديين الرئيسيين في المستقبل.