الوقت- بعد مشاركة روسيا القوية والجدية في ضرب معاقل و مواقع الجماعات الإرهابية في سوريا، والانتصارات البرية الكبيرة التي حققتها القوات السورية على هذه الجماعات في كثير من مناطق البلاد بدعم من مقاتلي حزب الله وإسناد المستشارين العسكريين الإيرانيين، لاحت في الأفق بوادر لحل الأزمة السورية سلمياً لاسيما بعد رضوخ الغرب وتنازله عن مطلب تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة كشرط لتسوية هذه الأزمة.
ومنذ بداية هذه التطورات سارعت أمريكا وحلفاؤها الغربيون لعقد اجتماعات في العاصمة النمساوية فيينا لبحث الأزمة السورية، لتحقيق هدفين أساسين تمثل الأول بمحاولتها الظهور بمظهر المدافع عن الحل الدبلوماسي لتسوية هذه الأزمة، فيما تمثل الثاني بمحاولتها لمنع روسيا من تحقيق انتصارات أكبر على الجماعات الإرهابية في سوريا.
ومن المعلوم أن الأزمة السورية تحولت منذ زمن طويل من كونها أزمة داخلية الى أزمة إقليمية ودولية بسبب انقسام مواقف الأطراف المعنية بين مؤيد لحكم الرئيس بشار الأسد وفي مقدمتها إيران وروسيا وبين داعم للجماعات الإرهابية وفي مقدمتها السعودية وقطر وتركيا ومن ورائهم أمريكا والدول الغربية الحليفة لها.
والتعقيد الذي تشهده هذه الأزمة على الصعيدين السياسي والعسكري نشأ في الحقيقة من صعوبة اجتماع هذه الأطراف على موقف موحد يمكن من خلاله التوصل الى حل لهذه الأزمة، بسبب تقاطع المصالح وإختلاف الأهداف فيما بينها سواء من حيث المبدأ أو من حيث الاستراتيجية.
وخلال مؤتمر فيينا الأخير إتفق المجتمعون على ضرورة محاربة الجماعات الإرهابية وتحديد جدول زمني لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا واجراء انتخابات حرة ولم يتم التطرق الى موضوع تنحي الأسد عن السلطة كشرط لحل الأزمة، وهذا الأمر يمثل بحد ذاته انتصاراً دبلوماسياً كبيراً لإيران وروسيا اللتان تؤكدان على أن الشعب السوري هو وحده من يجب أن يقرر مصيره بنفسه وليس لأي جهة خارجية الحق في التدخل بشؤونه.
وحول سبب تنازل أمريكا والدول الغربية والإقليمية الحليفة لها عن شرط تنحي الأسد عن السلطة الذي كانت تصر عليه في السابق أثيرت جملة من التساؤلات تتعلق بالأهداف التي تسعى لتحقيها هذه الأطراف من خلال ذلك؟!
والاجابة عن هذه التساؤلات تكمن بإلاشارة الى الحقائق التالية:
1 – تسعى الإدارة الأمريكية الى حفظ ما تبقى من ماء وجهها بعد افتضاح أمرها وانكشاف زيفها بعدم مصداقيتها وجديتها في محاربة الإرهاب، رغم مرور أكثر من عام على تشكيل ما يسمى "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن لهذا الغرض.
2 – أدركت واشنطن جيداً أن حلفاءها الإقليميين وفي مقدمتهم السعودية وقطر وتركيا غير قادرين على تحقيق هدفها الرامي الى تغيير نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد رغم الدعم المالي والتسليحي واللوجستي والاعلامي الهائل الذي قدمته هذه الدول للجماعات الإرهابية في سوريا.
3 – بعد الهزائم العسكرية المتلاحقة التي منيت بها السعودية في اليمن وبعد أن يئست من إمكانية اسقاط حكم الأسد، باتت الرياض تفكر بسحب قسم من الجماعات الإرهابية من سوريا وإرسالها الى اليمن لمساعدتها في عدوانها المتواصل على هذا البلد منذ نحو 8 أشهر، ولهذا لم تعد السعودية ومعها قطر وتركيا ومن ورائهم أمريكا والدول الغربية الحليفة لها تطالب في هذا الوقت بإزاحة الأسد عن السلطة والذي تمكنت قوات بلاده من تحقيق انتصارات كبيرة على التنظيمات الإرهابية خلال الأسابيع الماضية.
4 – باتت أمريكا والدول الغربية والإقليمية الحليفة لها تخشى من فقدان السيطرة على الجماعات الإرهابية التي منيت بخسائر كبيرة في العراق وسوريا، والتي هددت بمهاجمة بعض الدول الغربية، ولهذا وجدت الإدارة الأمريكية نفسها مضطرة للتخلي عن شرط تنحي الأسد عن السلطة في هذا الوقت بالذات، أي قبل أن تتمكن روسيا وإيران وحزب الله من القضاء على هذه الجماعات في سوريا والذي سيشكل بكل تأكيد انتصاراً استراتيجيا لطهران وموسكو ومحور المقاومة من جانب، وضربة قاصمة للمشروع الأمريكي المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" الرامي الى تقسيم المنطقة ونهب ثرواتها والعبث بمقدراتها لصالح الكيان الاسرائيلي من جانب آخر.
لكن رغم جميع هذه الحقائق لابد من التأكيد هنا على أن أمريكا لايمكنها أن تتخلى بسهولة عن جميع مكاسبها العسكرية والسياسية والاقتصادية في المنطقة والتي حققتها بعد احتلالها للعراق عام 2003، ولهذا يعتقد المراقبون أن تنازل واشنطن وحلفائها عن شرط تنحي الأسد عن السلطة والذي تجلى بوضوح في اجتماع فيينا الأخير يأتي في سياق التكتيك الذي تنتهجه الدول الغربية إزاء هذه الأزمة ولكنه يعد في الوقت نفسه مؤشراً واضحاً على أن هذه الدول بدأت تفكر بتغيير استراتيجيتها تجاه ما يجري في المنطقة خصوصاً بعد أن بدأت الهجمات الإرهابية تهدد بلدانها وتوقع بها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات كما حصل مؤخراً في فرنسا، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة لضرورة تظافر الجهود لمواجهة الإرهاب وحل الأزمة السورية سلمياً.