الوقت- تستثمر ممالك الخليج الفارسي بشكل كبير في البنية التحتية والموانئ البحرية، لدرجة أن هناك الآن منافسة شديدة في هذا المجال بين هذه البلدان. وفي الوقت نفسه، أدى القرب الجغرافي للموانئ والتخطيط للتنمية الاقتصادية من خلال تطوير التجارة البحرية إلى دفع سلطنة عمان والإمارات (خاصة الإمارات الشمالية بما في ذلك عجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة) إلى زيادة الاوضاع التنافسية. ووفقا لصحيفة "القدس العربي"، دخلت عمان، باعتبارها واحدة من الدول المنتجة للنفط خارج "أوبك"، مؤخرا في منافسة مع ميناء "جبل علي" في الإمارات من خلال زيادة خدمات التزود بالوقود للسفن في ميناء "صحار" العماني.
المكانة الاستراتيجية لتطوير الموانئ في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية لسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة
في الإمارات الشمالية التابعة لدولة الإمارات (عجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة) وكذلك في سلطنة عمان، موجة من الاستثمارات والمشاريع لإعادة تصميم المشهد السياسي والأمني للمنطقة الواقعة في مفترق طرق استراتيجي بدأ من إفريقيا وإنتهاءً بجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. إن إنشاء المناطق الاقتصادية الحرة، والتنمية الحضرية، والخدمات اللوجستية والبنية التحتية البحرية، وتطوير الموانئ والتوسع السياحي على قدم وساق في هذه المدن الخليجية. ونتيجة لذلك، أصبحت سواحل الخليج الفارسي أكثر استراتيجية ليس فقط من حيث الموقع الجغرافي الطبيعي (مضيق هرمز وخليج عمان وبحر العرب)، ولكن أيضًا من حيث الوزن الجيوسياسي المتزايد. إن التركيز على تطوير الموانئ هو الدعامة الأساسية لمشاريع الرؤية في عدد من البلدان (على سبيل المثال، رؤية 2021 ورؤية 2071 في الإمارات العربية المتحدة ورؤية 2040 في عمان)، وهذه البرامج الوطنية التي يتم صياغتها من أجل احداث تغيير في الهيكل الاقتصادي لهذه البلدان، توفر أرضية مناسبة للتقدم والتطور الاقتصادي.
إن مسار التغيير الحكومي الذي اتخذته الإمارات العربية المتحدة (خاصة الإمارات الشمالية) وسلطنة عمان له، أولاً، أسباب اقتصادية هيكلية ومنها؛ إنه يجب على كلا النظامين إيجاد طرق لتقليل اعتمادهما على النفط لزيادة الإيرادات الحكومية وخلق فرص عمل، خاصة أنه مع أزمة كورونا وهبوط أسعار النفط، واجهت هذه الدول تراجعا في الإستثمارات الأجنبية. وفي غضون ذلك، تسعى الإمارات العربية المتحدة، التي اضطرت لقبول قيادة أبو ظبي ودبي بسبب موارد النفط والغاز الموجودة، إلى اكتساب المزيد من النفوذ السياسي من خلال تعزيز النمو الاقتصادي. ومن ناحية أخرى، ساعد حدثان في سلطنة عمان على تسريع استراتيجية التنويع الاقتصادي للبلاد وهما؛ الاحتجاجات الشعبية التي وقعت في عام 2011 في العديد من المراكز الحضرية في جميع أنحاء البلاد (صحار وصور في محافظة الباطنة الشمالية، وصلالة في جنوب ظفار، وكذلك في مسقط) وانخفضت أسعار النفط منذ عام 2014. ثانيًا، في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، هناك صلة مباشرة بين التجارة البحرية والسياسة، وهما ناقلان قديمان لبعضهما البعض في هذه المجتمعات الساحلية. في الواقع، لقد عزز القطاع البحري للتنمية الاقتصادية الهوية الوطنية في شمال الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.
المنافسة على جذب الاستثمار الأجنبي
بينما أطلقت الإمارات العربية المتحدة حملات عالمية بعنوان "لقد وجدت رسالة في إمارة الخيمة" منذ عام 2018 وذلك من أجل تحقيق بعض الأهداف لتنمية سوق السياحة، لا سيما في "رأس الخيمة"، تعمل عُمان على توسيع نطاق الاتفاقيات الخارجية التي تهدف إلى ترويج المنتجات والخدمات المصنوعة في عُمان (صنع في عمان) وفي هذا الصدد، زمنذ عام 2019، وقع المعهد العام للمدن الصناعية في سلطنة عمان اتفاقية مع وزارة التجارة الصينية في "قوانغتشو" تسمح للمستثمرين بالمشاركة في المعارض محليًا ودوليًا. ويأمل العمانيين أن تؤدي التجارة والصناعة على المدى الطويل إلى تعاون أوثق في المجالات الحساسة مثل الصناعة الدفاعية والخدمات اللوجستية والمنشآت العسكرية. ولقد أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لسلطنة عمان ومستورد رئيسي للنفط الخام العماني. وفي عام 2017، وافق بنك الاستثمار الآسيوي على تقديم قروض بنحو 300 مليون دولار لتطوير البنية التحتية لسلطنة عمان، وفي نفس العام، غطت بكين عجز الميزانية العمانية بقروض بقيمة 3.55 مليار دولار.
وفي الإمارات العربية المتحدة، يتم تشغيل الموانئ الرئيسية النامية في رأس الخيمة وعجمان وأم القيوين من قبل شركة موانئ "هاتشينسون" ومقرها هونج كونج (مثل ميناء صحار في عمان). وفي عام 2017، حصلت "هاتشينسون" على امتياز لمدة 25 عامًا لتشغيل ميناء "صقر" في رأس الخيمة، وميناء "أحمد بن راشد" في أم القيوين، وميناء عجمان. وفي عام 2019، شاركت موانئ رأس الخيمة في المعرض اللوجستي الدولي لطريق الحرير الجديد الصيني السادس، ووقعت مذكرة تفاهم مع ميناء "قوانغتشو" لإقامة علاقات تجارية رسمية. وفي عام 2019، دعمت منطقة عجمان الحرة المنتدى الاقتصادي المشترك الخامس للإمارات والهند. وفي غضون ذلك، وضعت عمان على جدول الأعمال التوقيع على اتفاقية مع الصين (مشروع لبناء حديقة صناعية) ومفاوضات مع الهند (عقد اجتماع من أجل الاستثمار في الدقم في نيودلهي) من أجل عدم التخلف عن دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن المقرر أيضًا أن تقوم مجموعة أسياد المحلية (مجموعة عمان العالمية للخدمات اللوجستية) بإجراء دراسة تقييمية حول تسويق الموانئ الصغيرة والمتوسطة الحجم في سلطنة عمان بهدف التجارة والسياحة. وهذه الموانئ ذات الأولوية هي: الضبعة (في محافظة مسندم)، ولوي والخوارة (شمال محافظة الباطنة)، والمصنعة (جنوب محافظة الباطنة)، وصور (محافظة الشرقية)، والماهوت(محافظة الفستا)، والشويمية، وسده وميربات ( ظفار) وجزيرة مصيرة الإستراتيجية التي من المقرر أن تصبح ميناء متعدد الأغراض يضم ميناء "صيد" بالإضافة إلى منشآت سياحية وتجارية.
زيادة المنافسة على نقل النفط وتخزينه
يعمل كلِ من ميناء الفجيرة (الإمارات العربية المتحدة) وميناء دقم (عمان) على تطوير قدرات النقل والتخزين في غرب المحيط الهندي كجزء من المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة. ويعتبر ميناء "جوادر"، الميناء الاقتصادي الباكستاني، هو أيضًا منافس لموانئ "دقم وصلالة والفجيرة". ومع ذلك، فإن الدور البارز للصين في تطوير عمان والبنية التحتية البحرية الباكستانية، وكذلك العلاقات التاريخية بينهما، قد يؤدي إلى الربط بين مينائي "إسلام أباد ومسقط"، خاصة بين ميناء "دقم" وميناء "جوادر". وتقع إمارة الفجيرة في وضع حرج في مضيق هرمز وذلك لأن خط أنابيب الفجيرة هو خط أنابيب النفط الإماراتي الوحيد الذي ينقل نفط أبوظبي الخام من مضيق هرمز، وبالتالي فهو حجر الزاوية للأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة ولهذا فقد زادت الفجيرة من أنشطة التزويد بالوقود على مستوى العالم، وذلك لأنها تتطلع إلى التنافس مع ميناء "دقم" في عمان.
إضافة إلى ذلك، وقعت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) عقدًا مع شركة SKEC الكورية الجنوبية في عام 2019 لبناء أكبر منشأة لتخزين النفط الخام في الإمارات العربية المتحدة بالقرب من الفجيرة. وفي المقابل، يخطط المسؤولون العمانيون لتطوير ميناء "صحار" كميناء لناقلات الحاويات والأوعية الغذائية والكيماوية في شبه الجزيرة العربية. ويمكن لميناء صحار أن يسلب فرص العمل من ميناء "جبل علي" في دبي بالإمارات العربية المتحدة نظرًا لموقعه الأفضل على ساحل المحيط الهندي من خلال زيادة خدمات التزود بالوقود للسفن أثناء عملية التفريغ والتحميل.