الوقت- تستمر قضية إرسال قوات أمريكية إلى الشمال السوري بالتفاعل، لاسيّما بعد أن بات التحالف الدولي أمريكي الهويّة مع مغادرة بريطانيا سماء سوريا، الأمر الذي دفع بواشنطن للإعلان عن تكثيف الغارات الجويّة الأمريكية داخل الأراضي السورية.
اليوم، تتحدث واشنطن وعلى لسان وزير الدفاع اشتون كارتر عن نيتها إرسال قوات إلى سوريا بهدف دعم ومساندة "المعارضة المعتدلة" التي تقاتل ضد تنظيم داعش الإرهابي عبر معلوماتٍ استخباراتية، ودعمٍ جوي وغير ذلك، خاتماً كلامه بعبارة " هذه هي استراتيجيتنا". فما بين تكثيف الغارات وإرسال القوات البريّة، ما هي إستراتيجية كارتر الحقيقية في سوريا؟
الإستراتيجية الأمريكية
لطالما كان الهدف الرئيسي لواشنطن في المنطقة ضرب سوريا، الحلقة الوسطى في محور المقاومة والمعقل الروسي الأخير في منطقة الشرق الأوسط، لذلك إتحذت علنياً، منحى حيادي في الحرب التي يخوضها الجيش السوري وحلفائه ضد الجماعات الإرهابية، إلا أنه وبعد التدخل الروسي بمؤازرة الحليف الإيراني، وجدت واشنطن نفسها مجبرة على رسم إستراتيجيتها من جديدة في سوريا.
الإستراتيجية الجديدة يمكن تلخيصها في نقطتين رئيسيتين، الأولى علنية عنوانها مواجهة تنظيم داعش الإرهابي جوياً عبر الغارات، وبرياً حسب ما متوقع عبر نشر بعض القوات الخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد شمال شرق سوريا. وأما النقطة الثانية، فهي غير معلنة إعتدنا عليها من الجانب الأمريكي منذ بدء الأزمات في المنطقة سواء في سوريا أو العراق. وتتمثل هذه النقطة بالدعم العسكري والإستخباراتي لتنظيم داعش الإرهابي في مواجهة الروس، وبالتالي إفشال المخطط السوري الإيراني الروسي في القضاء على الجماعات الإرهابية في المنطقة.
عند الدخول في تفاصيل التدخل الأمريكي الذي لن يفضي إلى حل الأزمة، بل تعقيدها أكثر كما يحصل في العراق في كل جبهة تشارك فيها واشنطن، بخلاف الجبهات العراقية بإمتياز التي تقتصر على الجيش العراق والحشد الشعبي، يتّضح أن واشنطن لا تريد أن تخسر شيئاً من التدخل الروسي الذي يؤسس للقضاء على داعش الإرهابي، لذلك "إن تكثيف واشنطن لنشاطها في سوريا هو قبل كل شيء رد على العمليات الروسية، ورد فعل على الانتقادات التي وجهت إلى إدارة أوباما بسبب عدم فعالية سياساتها في منطقة الشرق الأوسط"، كما يوضح رئيس قسم الدراسات العسكرية والسياسية في معهد الولايات المتحدة وكندا فلاديمير باتيوك.
إلا أن هدف واشنطن الأولي هو اللعب في ورقة داعش لضرب النظام وطرد الروس وعزل إيران ومحاصرة حزب الله في لبنان، لذلك ليس من المستغرب أن يتكّرر سيناريو عين العرب أو تكريت في إلقاء أسلحة "عن طريق الخطأ" للتنظيم الإرهابي من قبل الطائرات الأمريكية التي تتغنى بقدرتها على ضرب أهداف مع هامش خطأ لا يتجاوز السانتيمترات المحدودة، فلماذا تتكرّر الأخطاء الأمريكية دائماً، ولماذا يكون المستفيدة تنظيم داعش الإرهابي فقط؟
من متناقضات السلوك الأمريكي في الأزمة السورية مؤخراً، هو الإعتراض على الضربات التي يوجهها الحلف السوري الإيراني الروسي، إضافةً إلى حزب الله ضد تنظيم داعش الإرهابي وبقيّة التنظيمات الآخرى في سوريا، ما يؤكد غياب استراتيجية أمريكية متماسكة، بل تعتمد واشنطن حالياً سياسة "الحافر والمسمار". فلو كانت واشنطن محقّة في ضرب داعش الإرهابي فلتتعاون مع النظام السوري بغية القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، حتى لو بقيت تدعم في الجبهات الأخرى بقيّة الجماعات الإرهابية، التي تصف بعضها بالمعتدلة وآخرى بالإرهابية.
حالياً، طرأ متغيّر جديد على الواقع الميداني في سوريا، متغيّر لا يخلو من ألاعيب الإستخبارات الأمريكية، حيث حضر سيف العدل الضابط المصري المنشق وصديق بن لادن والقائد العسكري في تنظيم القاعدة إلى إدلب منذ أسابيع، بناءً على أوامر شيخ القاعدة أيمن الظواهري الذي يحلم بمصالحة إخوة الجهاد والتحالف مع داعش ضد الروس.
العقبات كبيرة أمام هذه المصالحة التي تهدف لإنشاء أكبر جيش تكفيري قوامه بين العشرين والثلاثين ألف مقاتل، خاصةً أن المعارضة كبيرة من الطرفين. في النصرة أبو ماريا القحطاني وصف المصالحة مع داعش بالخيانة لدماء السنة، في داعش أبو محمد العدناني هدد بتشتيت الفصائل وتحرير المحرر منها، ولكن لا يصعب على الإستخبارت الأمريكية حلحلة مثل هذه الأمور.
قد نشهد في المرحلة المقبلة ضربات أمريكية لقيادات داعشية كبيرة تعارض المصالحة مع النصرة، وبذلك تستفيد واشنطن من هذه الخطوة إعلامياً من ناحية، وتمهّد الأرضية المناسبة للمصالحة بين داعش والنصرة من ناحية آخرى. يُراد لسوريا أن تتحوّل إلى بؤرة للجماعات التكفيرية، بديلة عن أفغانستان، بإعتبار أن الإستراتيجية الأمريكية المقبلة تولي آسيا الوسطى أهمية أكبر من منطقة الشرق الأوسط.