الوقت - لم يكن قرار شركة المثلجات العالمية "بن آند جيريز" منع بيع منتجاتها في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية، كعشرات القرارات المشابهة التي صدرت خلال السنوات الماضية عن شركات أخرى. فالشركة أمريكية، كما أن بن كوهين وجيري غرينفيلد اللذين أسسا الشركة عام 1978 في الولايات المتحدة هما يهوديان.
ففي 19 يوليو/ تموز الماضي، قالت شركة “بن آند جيريز” العالمية، في بيان، إنها ستنهي بيع المثلجات في المستوطنات الإسرائيلية “كون ذلك يتعارض مع قيمها”.
وأضافت الشركة: “لدينا شراكة طويلة الأمد مع المرخص له (الوكيل)، الذي يصنع آيس كريم بن آند جيريز في إسرائيل، ويوزعه بالمنطقة، لكننا أبلغناه أننا لن نجدد اتفاقية الترخيص عندما تنتهي صلاحيتها نهاية العام المقبل”، من دون ذكر متى بدأت عملها هناك.
وأغضب القرار المدير العام لـ “بن آند جيريز” في إسرائيل آفي زينغر وأيضا الحكومة في تل أبيب التي اعتبرته معاديا لإسرائيل. ولكن قرار الشركة العالمية في الولايات المتحدة لم يكن وليد حدث معين، وإنما نتاج ضغط مارسه مؤيدون للقضية الفلسطينية على مدى فترة طويلة.
وقال محمود نواجعة، المنسق العام للجنة المقاطعة الوطنية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “بي دي إس”، إن “الشركة أعلنت إنهاء تورطها في بيع منتجاتها بالمستوطنات بعد ضغط استمر سنوات”. وأضاف: “قرار الشركة كان حاسما، وعليه فإننا لا نتوقع نجاح الضغوط التي تمارس عليها الآن من جانب إسرائيل ومؤيديها للتراجع عن قرارها”.
وتابع: “أهمية القرار ينبع من أنه صادر عن شركة أمريكية وليس أوروبية أو آسيوية حيث حالات التعاطف مع الفلسطينيين أوسع”. واعتبر نواجعة أن القرار “تسبب بحالة من الهلع في إسرائيل، ولكنها ليست جديدة، فهي تتفاقم بشكل كبير منذ سنوات مع فشل تل أبيب في وقف التضامن مع الفلسطينيين”.
ولفت في هذا الصدد، إلى أنه “شهدنا خلال السنوات الأخيرة الكثير من قرارات المقاطعة وسحب الاستثمارات من جانب الكثير من المؤسسات والشركات والصناديق الاستثمارية حول العالم”.واعتبر أن “حديث إسرائيل عن تحجيم المقاطعة كلام دعائي، فما يحدث على أرض الواقع يخالف هذه المزاعم، إذ إن المقاطعة تزداد”.
وأشار إلى أن التقارير التي صدرت عن عدد من المؤسسات الحقوقية، وبخاصة هيومن رايتس ووتش، باعتبار إسرائيل “دولة فصل عنصري” (أبارتهايد) ساهمت في تعزيز قوة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “بي دي إس”. وقال: “النجاحات مستمرة في كل أنحاء العالم وكل القوانين التي صدرت في عدد من الدول، وبخاصة في ولايات أمريكية، قد باءت بالفشل”.
ورأى نواجعة أن شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت إلى حد كبير في إيصال رسالة التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى كل أنحاء العالم. وقال: “الحكومة الإسرائيلية تعمل على مستوى الحكومات. أما نحن، فنعمل على مستوى الشعب. وبلا شك، فإن ما عزز وصولنا إلى الشعوب هي وسائل التواصل الاجتماعي”.
وكانت إسرائيل اعتبرت أن القرار معاد لها، ولكنه في الوقت عينه أعاد مسألة احتلال أراض فلسطينية إلى الواجهة.
وفي هذا السياق، كتب اليساري عكيفا الدار في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، الاثنين، إن “أصحاب شركة “بن آند جيريز” نجحوا في إعادة الاحتلال إلى جدول الأعمال”.
ورأى نداف تمير، المدير العام لمنظمة “جي ستريت” الأمريكية في إسرائيل، إن قرار “بن آند جيريز” هو تعبير عن رفض الاحتلال.
وكتب في صحيفة “معاريف”، الأحد، في إشارة إلى صاحبي الشركة: “هذان الرجلان مثال على الأغلبية الساحقة من يهود الولايات المتحدة، الذين يبتعدون عن إسرائيل ليس بسبب الـ بي دي إس، بل لأن إسرائيل تبتعد عن قيمهم”.
وأردف: “أولئك اليهود يعبرون عن انتقادهم الذي ينبع في الغالب من قلق عميق على مستقبل الدولة القومية للشعب اليهودي”.
وحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها هي حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
وتتناول مطالب حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) طموح وحقوق كافة مكونات الشعب الفلسطيني التاريخية من فلسطينيي أراضي العام 1948 إلى قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، إلى المخيمات والشتات، والذي شرذمه الاستعمار-الاستيطاني الإسرائيلي على مراحل.
لقد نجحت (BDS) في بداية عزل النظام الإسرائيلي أكاديمياً وثقافياً وسياسياً، وإلى درجة ما اقتصادياً كذلك، حتى بات هذا الكيان يعتبر الحركة اليوم من أكبر "الأخطار الاستراتيجية" المحدقة بها. ونرى ان تأثير (BDS) يتصاعد بشكل ملموس بفضل الحملات الممنهجة والاستراتيجية حول العالم.
وستشكل أحداث المقاطعة المتراكمة مرتكزا حيويا في مراكمة الإنجازات التي يمكن البناء عليها مستقبلًا، سواء في التأثير على القرارات الإسرائيلية الاستراتيجية أو في تقييد عمل الشركات الأجنبية (وخاصة الأوروبية) في مستوطنات الضفة الغربية. فتراكم إنجازات المقاطعة يمكن أن يُحدث اضطرابًا في السوق الإسرائيلية أو في تدفق الاستثمارات الموجهة إليها، وهو ما سيشكِّل خطوة أولى يمكن أن تؤدي مع الوقت إلى تصاعد المقاطعة ضد إسرائيل بكافة أشكالها، ويحدّ من قدرة الشركات الإسرائيلية والمستثمرين الأجانب على الاستخدام الفعّال والأمثل لموارد السوق.
وفي مثل هذا الوضع، تجد إسرائيل صعوبة في التخفيف من مخاوف المستثمرين، والتي من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض قيمة الشركات المستهدَفة أو تدفع مزيدًا من الشركات إلى المقاطعة، خاصة تلك التي تتخوّف من الملاحقة القانونية في بلدانها إذا أقامت علاقات تجارية مع إسرائيل، لاسيما في أوروبا. فإذا توقعت الشركات أنها سوف تكون عُرْضة للمقاطعة، فإنها يمكن أن تُحجِم منذ البداية على الاستثمار أو الدخول في شراكات متوسطة أو طويلة الأمد في إسرائيل، وخاصة أن 17 دولة أوروبية نصحت شركاتها ومواطنيها بعدم التورط في مشاريع إسرائيلية بالأراضي المحتلة.
كما ان اسرائيل تخشى من إن نجاحات الحركة المتتالية سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأكاديمي، ستؤدي إلى زيادة في زخم التغطية الإخبارية لنشاطات الحركة وإنجازاتها، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرا كبيرا على نجاح الحركة، وذلك أن التغطية الإعلامية المستمرة والمتزايدة يمكن أن تؤدي تدريجيًّا إلى زيادة اضطراب بعض الشركات الإسرائيلية وإمكانية اختلالها وإبراز قدرة الحركة على فرض أجندتها على الساحة الدولية وزيادة الوعي والتوسع في تعبئة المؤيدين للمقاطعة، وحشد أنصار جدد وإعطاء زخم إضافي للحركة، وبالتالي تشجيع مزيد من الشركات على المقاطعة.
ومن هنا ندرك ان تراكم نضالات الحركة هو الذي يدفع إسرائيل وحلفاءها إلى زيادة وتيرة الهجوم عليها، خاصة وان المقاطعة اصبحت مكلِّفة من الناحية الاقتصادية. ويظهر ذلك وبوضوح الآن، حيث تحاول إسرائيل وحلفاؤها في الغرب تشويه الحركة ومهاجمتها واتهامها بمعاداة السامية؛ وذلك لفض الحلفاء من حولها.
من الواضح أن تنامي قوة حركة "بي دي إس" في العالم وخاصة في الغرب، قد شكَّل مصدر إزعاج رئيسي للقيادة الإسرائيلية التي بدأت تتخوّف من فقدان مكانتها في العالم. كما زادت من قلق القيادة الإسرائيلية التغطية الإعلامية المتزايدة التي بدأت تحظى بها الحركة من قِبل وسائل إعلامية مختلفة ومؤثِّرة مثل الـ بي بي سي، ونيويورك تايمز، والغارديان وغيرها، وهو ما أسهم في شرحٍ أوسع لأهداف الحركة واستراتيجياتها، وبالتالي زيادة الوعي بأهداف الحركة وإمكانية جذب أنصار جدد.