الوقت- بعد قرابة سبع سنوات على عودة القوات الأمريكية إلى العراق بحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وفي الجولة الرابعة والأخيرة من المحادثات الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد، تم الاتفاق على أواخر عام 2021 موعدًا للانسحاب الكامل للقوات الأمريكية. لكن في بيان صدر بين الجانبين، شدد الأمريكيون على استمرار وجودهم الاستشاري والتدريبي، الأمر الذي أدى إلى موجة واسعة من المعارضة قد تجعل العراق يدخل في حقبة جديدة من المواجهة بين الولايات المتحدة وقوى المقاومة.
الاتفاق النهائي على الخروج آخر عام 2021
في نهاية الجولة الرابعة من المحادثات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، اتفق الجانبان على سحب جميع القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية عام 2021. وأعلن هذا الاتفاق في بيان ختامي صدر مساء اليوم الاثنين في ختام الجولة الرابعة والأخيرة من المحادثات الاستراتيجية بين البلدين. ترأس وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين وفدي بغداد وواشنطن في الحوار الاستراتيجي الرابع والأخير، الذي بدأ في 11 حزيران / يونيو 2020، كجزء من اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 للصداقة والتعاون. كما حضر المحادثات ممثلون عن الحكومة العراقية، بمن فيهم ممثلون عن حكومة إقليم كردستان.
وحسب البيان المشترك، أكد الجانبان أهمية هذه القضايا التي تعزز الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد المحددة في اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وتركز على القضايا الرئيسية بما في ذلك الاستقرار الإقليمي، وقطاع الصحة، والبيئة، والطاقة، والسيادة. كما تمت مناقشة المساعدات الإنسانية والحقوقية والتعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي والتعليمي وغيرها من الموضوعات. وحسب البيان، جددت الحكومة العراقية التزامها بحماية أعضاء التحالف الدولي الذين يقدمون المشورة والتدريب لقوات الأمن العراقية، وشددت على أن جميع قوات التحالف التي تحارب تنظيم داعش تعمل في العراق بدعوة من الحكومة. كما شدد الوفدان على أن القواعد التي تستضيفها القوات الأمريكية وأعضاء آخرون في التحالف الدولي هي قواعد عراقية تعمل بموجب القانون العراقي الحالي وليس قانون التحالف الأمريكي أو الدولي، وأن الموظفين الدوليين موجودون في العراق فقط لدعم الحكومة العراقية في الحرب مع تنظيم داعش الإرهابي. بالإضافة إلى ذلك، اتفق الوفدان على أنه بعد مناقشات الفرق الفنية، يجب أن تقتصر العلاقات الأمنية تمامًا على تقديم المشورة والتدريب والتعاون الاستخباراتي، وأن تنسحب القوات الأمريكية من العراق بحلول 31 ديسمبر 2021. وبحسب البيان الختامي، تعتزم الولايات المتحدة الاستمرار في دعم قوات الأمن العراقية، بما في ذلك البيشمركة، من أجل زيادة قدرتها على الرد على التهديدات. كما أكد الوفدان عزمهما على الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية وتعزيزها في جميع القضايا الثنائية، بما يساهم، بالإضافة إلى المصالح المشتركة، في الاستقرار الإقليمي. وأكد البلدان أنهما سيستأنفان المحادثات من خلال لجان تنسيق الإطار الاستراتيجي.
الترحيب بالانسحاب الكامل للقوات الأمريكية
أثار الاتفاق النهائي بين واشنطن وبغداد لتحديد نهاية عام 2021 موعدًا نهائيًا للانسحاب من العراق ردود فعل واسعة من التيارات السياسية والمسؤولين. وفي هذا الصدد، غرد الرئيس العراقي برهم صالح على تويتر أن نتائج الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي كانت مهمة لاستقرار وتعزيز السيادة الوطنية للعراق، وأنه جاء نتيجة جهود مكثفة من حكومة مصطفى الكاظمي ودعمها. وأضافت سلطة الحكومة المركزية العراقية أن مصالح العراق تتطلب تقوية المؤسسات الحكومية ودعم قرار العراق الوطني السيادي والمستقل. كما غرد رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي على تويتر أن العراق يتخذ خطوات حازمة نحو التحقيق الكامل لقدراته، واصفا الاتفاق بنجاح دبلوماسي وسياسي في إطار متطلبات المرحلة الجديدة للعراق ومصالحه الوطنية. ووصف الاتفاقية بأنها تحقيق للسيادة الوطنية وبناء عراق قوي، وهنأ رئيس الوزراء العراقي وفريق التفاوض العراقي على هذا الإنجاز.
كما غرد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، شاكرا "المقاومة الوطنية" في العراق، مؤكدًا أن المحتلين أعلنوا اليوم انسحاب جميع قواتهم القتالية من العراق، مضيفًا أنه يجب علينا جميعًا انتظار اكتمال انسحاب هذه القوات. وأشاد بجهود التوصل إلى اتفاق، خاصة لمصطفى الكاظمي، ونوه بالشروط التي سبق أن ذكرها، مؤكدا ضرورة وقف جميع النشاطات العسكرية لمجموعات المقاومة وتعزيز القوات الأمنية العراقية بما في ذلك الجيش. وتعمل الشرطة على استعادة الأمن وتوسيع هيمنتها على الأراضي العراقية و "إزالة شبح الإرهاب والعنف". وشدد الصدر، مستخدما هاشتاغ "العراق يتجه نحو الاستقلال"، على أننا ننتظر "حكم وسلطة الحكومة". كما أصدر تحالف فتح (الفرع السياسي للحشد الشعبي) بيانا رحب فيه بانسحاب القوات المقاتلة الأجنبية من العراق، واصفا إياه بإنجاز وطني وخطوة إيجابية نحو تحقيق السيادة العراقية على الأراضي. ودعا التحالف إلى تنفيذ الاتفاق من قبل المسؤولين العراقيين المعنيين وشكر المفاوضين العراقيين على هذا "الإنجاز الوطني". كما أدلى السيد عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة العراقي بتصريحات حول نجاح رئيس الوزراء العراقي والفريق المفاوض العراقي الذي حقق، بدعم من القوى السياسية العراقية، انجاز دبلوماسي ووطني كبير في العراق، وهو سحب القوات الأجنبية المقاتلة. وقال نصر الشمري، نائب الأمين العام لـ "حركة النجباء"، لـ "الميادين": "العراق لا يحتاج إلى جنود أميركيين". الجرائم الأمريكية في العراق، وخاصة اغتيال القادة، نفذتها القوات الجوية الامريكية، نحن لا نثق في الأمريكيين. النجباء لا يتفق مع أي قوة في العراق.، نريد انسحابا كاملا للقوات الأمريكية. من يضمن عدم تعزيز القوات الأمريكية في العراق كمستشارين؟ المجال الجوي العراقي تسيطر عليه القوات الأمريكية. كما هنأ "شبل الزيدي" قائد كتائب الإمام علي (ع) في قوات الحشد الشعبي العراق حكومة وشعبا بإصدار بيانات إنهاء التواجد الأجنبي في العراق، مؤكدا أن في هذه القضية أن الشعب العراقي وللمرة الثانية يتمتع بالوطنية، ويثبت كرامته ويظهر أنه متحد ضد كل من لا يحسن إلى هذا البلد.
لجوء واشنطن إلى خدعة المستشارين
ولا شك أن أهم بند في الاتفاقية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق يمكن اعتباره مبدأ استمرار وجود المستشارين. وفي هذا الصدد، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أنه منذ إقرار مجلس النواب العراقي في كانون الثاني (يناير) 2020، حاولت الولايات المتحدة بشتى الطرق الالتفاف على القانون وعدم تنفيذ الأمر بمغادرة العراق دون أي عذر. في الوضع الجديد، يبدو أن الأمريكيين، ومن أجل إضفاء الشرعية على استمرار وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية كمستشارين ومسؤولي تدريب، فشلوا تمامًا في تسليم مسؤولية تنظيم وتدريب الجيش إلى الولايات المتحدة. في الواقع، كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي منذ سنوات مسؤولين عن تدريب وتجهيز الجيش الأفغاني من خلال إنفاق مبالغ كبيرة من المال، ولكن بعد وقت قصير من إعلان الناتو انسحابه من الحرب الأفغانية، تنازل الجيش الافغاني عن معظم مناطق سيطرته لمقاتلي طالبان. الآن تنوي واشنطن تكرار نفس السيناريو في العراق. وتجدر الإشارة إلى أن الشعب العراقي شهد هذه التجربة بشكل جيد في وقت صعود داعش، عندما لم يستطع الجيش الذي تدربه الولايات المتحدة مقاومة إرهابيي داعش، وتمكن التنظيم الإرهابي من السيطرة على أجزاء كبيرة من المدن والمناطق في وقت قصير، وارتكاب الجرائم البشعة. وحتى الآن، يبدو أن التيارات السياسية العراقية لا توافق ولن تتفق مع هذا السيناريو على الإطلاق.