الوقت- أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، يوم الأحد عن استدعاء سفيرها لدى الرباط "فورا للتشاور"، على خلفية إعلان سفير المغرب في الأمم المتحدة عمر هلال لأول مرة دعم "حركة استقلال منطقة القبائل"، التي تصنفها الجزائر كمنظمة إرهابية.
وفي بيانها الأحد، قالت الخارجية الجزائرية "لقد أشار البيان الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، يوم 16 يوليو (تموز) 2021، إلى ضرورة توضيح المملكة المغربية لموقفها النهائي من الوضع البالغ الخطورة الناجم عن التصريحات المرفوضة لسفيرها بنيويورك".
وأضاف البيان "نظرا لغياب أي صدى إيجابي ومناسب من قبل الجانب المغربي، فقد تقرر اليوم (الأحد) استدعاء سفير الجزائر بالرباط فورا للتشاور. كما لا يستبعد اتخاذ إجراءات أخرى، حسب التطور الذي تشهده القضية".
وبدأت الأزمة الجديدة بين البلدين خلال أعمال اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد عن بعد يومي 13 و14 يوليو الجاري، حيث أثار وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قضية الصحراء المغربية.
واستنكر المغرب من خلال سفيره في الأمم المتحدة عمر هلال في مذكرة وزعها على أعضاء منطمة عدم الانحياز، إثارة قضية الصحراء في الاجتماع، ثم أثار من جهته موضوع حق تقرير المصير لشعب القبائل، معلنا لأول مرة دعمه حركة استقلال منطقة القبائل ومقرها باريس وهي مصنفة في الجزائر كمنظمة إرهابية.
ودعا هلال، خلال الاجتماع إلى حق تقرير المصير للشعب القبائلي، مشيرا إلى أن الجزائر ينبغي ألا تنكر ذلك بينما تدعم حق تقرير المصير في الصحراء المغربية.
وقال هلال، في معرض رده على وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إن الذي يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير ينكر هذا الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي.
وأضاف الدبلوماسي المغربي، إن تقرير المصير ليس مبدأً مزاجيا؛ ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير.
غضب جزائري عارم
وأثارت مذكرة السفير المغربي موجة غضب عارم في الجزائر بدأت ببيان شديد اللهجة لوزارة الخارجية الجمعة، تبعته ردود فعل الأحزاب.
حيث وصف كتاب جزائريون ما قام به المندوب المغربي بأنه "سقطة غير محسوبة العواقب" وبأن المغرب يحاول "تصدير مشاكله إلى الخارج" وأن تقرير المصير إنما ينطبق على منطقة الريف المغربي.
ويصف ناصر جابي، في "القدس العربي" اللندنية، تصريحات السفير المغربي بأنها "سقطة... غير محسوبة العواقب".
ويرى أن هذا التصرف "يمكن أن ينسف ما تبقى من أواصر أخوة بين الشعبين الجزائري والمغربي، في هذا الظرف الإقليمي المضطرب الذي يراد فيه للجنوب الجزائري التحول إلى بؤرة توتر ومجال للاختراقات".
ويصف عبد الحميد عثماني، في "الشروق" الجزائرية، ما ورد في الوثيقة بأنه "تحريض حاقد على الجزائر".
ويضيف الكاتب: "أسقط نظام المغرب، بمجاهرته بالسعي المدحور للنيل من وحدة الجزائر، كل تلك الحجج الضعيفة التي ما فتئ الطيِّبون يلوكونها باسم الأخوَّة القومية والإسلامية، آملين في تجاوز التوترات التي لم يستوعبوا عمقها الاستراتيجي ودوافعها الباطنة".
ويضيف: "لم تعد مُجدية بعد الآن دعوات الطوباويين والرومانسيين إلى مصالحة مستحيلة مع نظام وظيفي، اختار طواعية منذ الستينيات أن يكون عدوًّا للجزائر، بتحالفاته مع الإمبرياليّة الغربية والاستعمار القديم والصهيونية العالميّة".
ويقول عبد الملك بلغربي، في "الشعب" الجزائرية: "يحاول النظام الملكي المطلق تصدير مشاكله إلى الخارج، محاولا إخفاء جبهته الداخلية المشتعلة والملتهبة، نظرا للتهميش والإقصاء والحرمان والمضايقات والاعتقالات والانتهاكات التي يتعرض لها المغاربة، ولا سيما في الريف المحروم من أدنى شروط وأساسيات الحياة".
ويضيف إن المغرب "يهاجم مرة أخرى الجزائر، في اعتقاد منه أن بإمكانه زعزعة الاستقرار الداخلي، وهو وسادته يعلمون أن بلادنا أخذت استقلالها بقوة السلاح بعد ثورة عظيمة وصل صداها إلى كل العالم، حيث التحم فيها العربي والأمازيغي والشاوي والترقي والميزابي ووو... من أجل استقلال ووحدة شعب يعرف كيف يرد على من يصطاد في المياه العكرة".
ويرى الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري، حكيم بوغرارة، أن "التصعيد المغربي، المرفق بخريطة الجزائر مبتورة من منطقة القبائل يدخل في سياق الرد على دعم الجزائر للقضية الصحراوية في المحافل الدولية، وخاصة بعد ما حدث في قضية ترحيل الرئيس الصحراوي وزعيم جبهة البوليساريو إلى إسبانيا لتلقي العلاج وعودته للجزائر".
ويصف محمد علي ربيج، أستاذ العلوم السياسية في المدرسة العليا للعلوم السياسية بالجزائر، الخطوة المغربية بأنها "خرق للأعراف الدوية والاتفاقيات الدولية سواء في الأمم المتحدة، أم الجامعة العربية وحتى في الاتحاد الإفريقي، لأنها تخرق بندا من بنود هذه الاتفاقيات وهو ضرورة التزام الدول العضوة بسيادة الدول ووحدتها الترابية".
الأستاذ الجامعي الجزائري، محمد سي بشير، اعتبر بدوره، أن ما قامت به الممثلية الدبلوماسية المغربية بنيويورك، "تجاوز للخطوط الحمراء".
ويضيف سي بشير أن قضية القبايل في الجزائر، هي قضية وحدة ولا تعرف الجزائر قضايا انفصال بل هناك تعدد عرقي وثقافي.
تصريحات المغرب إعلان للحرب
بدورهم اعتبر كتاب مغاربة ما قاله المندوب المغربي بأنه ليس "زلة لسان" وإنما "دق ناقوس لإعلان الحرب" مع الجزائر باستعمال نفس الأدوات التي تستعملها الأخيرة في حديثها عن "تقرير مصير الصحراء" و "الشعب الصحراوي".
ويقول نورالدين اليزيد، في "هسبريس" الإلكترونية المغربية: "يبدو أن طاقة وقدرة الدولة المغربية على الصبر وتحمل تحرشات النظام الجزائري، ما عادت تنفع للتشبث بالدبلوماسية الهادئة، والاحتكام إلى منطق ضبط النفس والجنوح إلى التهدئة".
ويعتبر الكاتب كلام المندوب المغربي بأنه "لا يعتبر زلة لسان أو كلاما عابرا، ولكنه دق ناقوس لإعلان 'الحرب' على النظام الجزائري، ودون هوادة، باستعمال نفس أدوات ووسائل حربه ضد مملكة محمد السادس، وهو شعار 'تقرير المصير' و'الشعب الصحراوي' و'الاستقلال'".
ويقول أبو إكرام المغربي، في "الأحداث" المغربية، إن تصريح المندوب المغربي "كان يتوقع ألا يتلقاه حكام الجزائر ببرودة الدم التي يتقبل بها المغرب طعناتهم في ملف الصحراء منذ أكثر من 46 عاما"، واصفا إياه بأنه "يضع حدا لعقود من الصبر والاحتساب".
ويضيف: "موازين القوى الإقليمية، وأواصر القرابة، التي جعلت المغرب صامتا لعدة عقود من الزمن قد تغيرت".
ويقول: "جيران الشرق اعتدوا على المملكة في الصحراء الشرقية وأطلقوا هجمات البوليساريو من 'الناحية العسكرية الثالثة'، والآن ما عليهم إلا أن يبحثوا عن الدفاع عن استمرار كيانهم أمام أبناء القبائل، في الناحية العسكرية الأولى".
ويقول لحسن العسبي في "الجريدة" المغربية: "ليس هناك في المغرب (دولة ومجتمع) من هو طامح أو سعيد لأي فكرة لتقسيم الجزائر الشقيقة، عكس النظام الجزائري الذي يعمل ميدانيا وبمليارات الدولارات منذ 1974 على محاولة تنفيذ تقسيم وحدة التراب الوطني المغربي. وهو المشروع الذي فشل وسيفشل دوما... لأن المسألة مغربيا مسألة وجود لا مسألة حدود".
ويرى أن "الحكمة" في وثيقة المندوب المغربي "ليس فقط في أنها تؤشر على حقوق القبائليين الجزائريين، بل إنها تطرح المسألة ضمن مرجعية قانونية حقوقية دولية لتقرير المصير، الذي من ضمن مخارجه، ليس بالضرورة نهاية التقسيم والتجزئة والاستقلال، بل شكل تدبيري يقدم المغرب نموذجا رفيعا... في صحرائه الغربية الجنوبية، هو حل 'الحكم الذاتي'. فهو في المحصلة شكل من أشكال تقرير المصير في القوانين الدولية".
وكانت السلطات الجزائرية، صنفت قبل أشهر من الانتخابات، المنظمة الانفصالية "حركة استقلال منطقة القبائل"على قائمة "المنظمات الإرهابية" في إجراء أمني جديد.
وتتخذ الحركة من باريس مقرا لها، علما أن نشاطها محظور تماما في الجزائر. وتأسست في أعقاب ما يعرف بـ"الربيع الأمازيغي" سنة 2001، وتتهمها السلطة الجزائرية بأنها "حركة انفصالية" وعنصرية ضد العرب.
ما هي حركة استقلال منطقة القبائل؟
الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل هي عبارة عن تنظيم سياسي يسعى إلى المطالبة بالحكم الذاتي لمنطقة القبائل بالجزائر. وتمّ تأسيس الحركة من قبل المغني الشعبي فرحات مهني بعد أحداث "الربيع الأسود" عام 2001. ويعيش معظم قادة الحركة في فرنسا.
وتطالب هذه الحركة باستقلال منطقة القبائل عن الجمهورية الجزائرية، أعلنت هذه الحركة سنة 2010 في باريس، عن تشكيل حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل يرأسها فرحات مهني، الذي يعتبر أن حركته هي الأولى من نوعها تجاه الدولة الجزائرية الاتحادية.
وتصنف حركة استقلال منطقة القبائل نفسها على أنها المتحدثة باسم الأقلية القبائلية التي تعاني "التهميش" بسبب "مساعي" السلطات الجزائرية لاستيعاب الأقلية المعربة في صفوف الأمازيغ.
ووضعت السلطات الجزائرية قبل أشهر "حركة استقلال منطقة القبائل" الانفصالية على قائمة "المنظمات الإرهابية" في إجراء أمني جديد بعيد الإعلان عن تفكيك خلية "انفصالية" تتبع "حركة استقلال منطقة القبائل".
وأكدت السلطات الجزائرية أن الخلية كانت تخطط لتنفيذ تفجيرات وسط مسيرات الحراك الاحتجاجي.
وأفاد بيان لوزارة الدفاع بأنها كشفت عن الإعداد "لمؤامرة خطيرة" تستهدف البلاد وتقف وراءها حركة انفصالية، وأن الكشف عن هذه "المؤامرة" جاء ضمن استكمال تحقيقات أمنية مستمرة منذ مارس-آذار الماضي.
وأكد البيان تورط شخصيات تنتمي إلى الحركة الانفصالية في التخطيط لتنفيذ تفجيرات وأعمال إجرامية وسط مسيرات وتجمعات شعبية بعدة مناطق من الجزائر، ولكن الحركة نفسها نفت ذلك مراراً.
وكثيرا ما حذر الخبراء في الجزائر من إشعال فتيل التوتر وزرع العنف عن طريق الدعم الخارجي لحركة استقلال منطقة القبائل الانفصالية حيث يرى الخبراء أن الدول التي هي على خلاف مع الجزائر تقدم الدعم للحركة لتنفيذ أجندات سياسية تناسب مصالحها.