الوقت- تلعب السعودية على وتر تجميع عناصر القوة الاقتصادية في المنطقة بعد الإعلان عن شركة طيران جديدة للمنافسة على جذب الملايين من المسافرين، وذلك ضمن رؤية ولي العهد محمد بن سلمان التي تعمل على تقليص اعتماد البلاد على إيرادات النفط وخلق بدائل اقتصادية من خلال التركيز على قطاعات السياحة والترفيه والنقل وجذب الشركات العالمية الكبرى.
ويبدو أن ظهور الشركة الجديدة قد يزيد من حدة التنافس بين شركات الطيران الإقليمية على الفوز بثقة مسافري الترانزيت الذين يقصدون المنطقة.
الشركة الجديدة قد تتحمل خسائر كبيرة!
ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن تأسيس أي شركة طيران يحتاج إلى رأس مال كبير، ويحذّر الخبراء من أنه إذا كان طموح المملكة العربية السعودية هو التنافس على الرحلات العابرة، فقد تضطر إلى تحمل الخسائر المتوقعة لسنوات.
"مع استهداف شركة طيران جديدة لحركة النقل الدولي، فإن عدد السكان الكبير في المملكة العربية السعودية سيولد حركة نقل مباشرة يمكن أن تخفف من الخسائر المتوقعة"، بحسب مستشار الطيران، جون ستريكلاند.
وعلينا ألا ننسى الخسائر الكبيرة التي تكبدتها "طيران الإمارات" حيث وصلت إلى مستويات قياسية بلغت 5.5 مليارات دولار، مع إجبار الوباء دبي على التدخل لتقديم دعم حكومي بقيمة 3.1 مليارات دولار.
فيما قلصت "الاتحاد للطيران" طموحاتها، بعد أن أنفقت مليارات الدولارات لتنافس في نهاية المطاف دون جدوى على بناء مركز رئيس في أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة.
توقع أشخاص مطلعون على الأمر، أن يكون المقر الرئيس لشركة الطيران الجديدة في العاصمة الرياض، وأن يقوم صندوق الاستثمارات العامة بالسعودية بتأسيسها.
تهديدات الشركة الجديدة للدول الخليجية
من شأن الخطوات السعودية الجديدة أن تهدد المنافسين التقليديين في المنطقة مثل شركة الطيران العمانية ومشروع الدقم (الميناء اللوجستي) في سلطنة عمان، وكذلك طيران الإمارات ومدينة دبي كمقر للشركات وجبل علي للوجستيك. كما من شأنها أيضا أن تنافس الخطوط القطرية وموانئ أقيمت بحجة كأس العالم لكنها الآن ستكون محدودة الأثر.
بالمقابل، لا تأثيرات مهمة للاستراتيجية السعودية الجديدة على البحرين والكويت لأنهما في الأصل تعملان بإمكانات متواضعة في مختلف المجالات السابقة.
ويهدد التوسع السعودي بزيادة حدة المعركة على الركاب في الوقت الذي تضرر فيه السفر بفعل جائحة كورونا. ومن المتوقع أن تستغرق الرحلات طويلة المدى مثل تلك التي تشغلها طيران الإمارات والخطوط القطرية وقتا أطول لكي تتعافى.
خطة ابن سلمان ليست جديدة!
عمل ابن سلمان منذ عام 2017 على فكرته في تأسيس شركة طيران تنافس الإمارات وقطر حيث استضافت المملكة العربية السعودية في عام 2019 أول معرض جوي دولي لها، في وقت كانت تسعى فيه إلى تحويل شركة الطيران الوطنية إلى لاعب عالمي ومنافس حقيقي للثلاثة الكبار في المنطقة، الاتحاد والإماراتية والقطرية.
وتتمتع السعودية بطموحات كبيرة لقطاع الطيران، بموجب خطة يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتنويع الاقتصاد بعيدا عما أطلق عليه "إدمان النفط"، لكن هذه الجهود أصبحت أكثر تعقيدًا بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي أضر بسمعة الحكومة السعودية دولياً.
لدى السعودية بالفعل سوق سفر جوي حيوي، حيث يخدم 27 مطارًا سكانها الذين يزيد عددهم على 30 مليونًا، وحشود الحجاج الذين يسافرون إلى البلاد كل عام لزيارة أقدس مواقع الإسلام.
ويريد محمد بن سلمان أن تصبح الخطوط الجوية العربية السعودية، والمعروفة بإسم "السعودية"، شركة طيران دولية قادرة على منافسة الخطوط الجوية القطرية وشركتي الخطوط الجوية الكبرى في الإمارات العربية المتحدة، الاتحاد للطيران وطيران الإمارات.
وفي هذا السياق قال محمد بن سلمان في مقابلة مع التلفزيون السعودي الرسمي عام 2017: "لقد عمل إخواننا في الإمارات وقطر بشكل جيد لتطوير خدمات الطيران في الشرق الأوسط، يجب أن يكون لشركات الطيران السعودية حصة أكبر في سوق الطيران في المنطقة".
أن إمكانات السوق السعودي وشركة الطيران المحلية هائلة، إذ يعتبر سوق الطيران المحلي كبيراَ في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى كونها وجهة سياحية دينية ما مكن شركة الطيران السعودية، من منافسة أفضل شركات الطيران في المنطقة من حيث عدد المقاعد المعروضة.
السعودية ستقارع الثلاثة الكبار في الشرق الأوسط
وغالبًا ما يُشار إلى طيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط الجوية القطرية باسم "الثلاثة الكبار" في الشرق الأوسط، والتي نمت بسرعة خلال العقد الماضي، بالاستفادة من موقعها الجغرافي لبناء مراكز تربط آسيا بأوروبا وأمريكا الشمالية. كما استولوا على حركة المسافرين من خلال تقديم أحدث البنية التحتية والخدمات الحائزة على جوائز.
وقال روب واتس، الرئيس التنفيذي لشركة إيروتاسك لاستشارات الطيران: "على أساس المقاعد، وحجم الخطوط الجوية، يمكن القول إن الثلاثة الكبار يجب اعتبارهم الأربعة الكبار ".
وأضاف: "لدى المملكة العربية السعودية مزيج أكثر تنوعًا من حركة المسافرين مقارنة بالثلاثة الكبار، وبالتالي فهي أقل تعرضًا لتقلبات الاقتصاد العالمي، وهو أمر يمثل تحديًا دائمًا لطيران الإمارات والاتحاد للطيران والقطرية".
لكن لا يزال يتعين على الحكومة السعودية القيام بعدد من الأمور قبل أن تتمكن شركة الطيران الوطنية من الحصول على النوع نفسه من السمعة الدولية مثل منافسيها الإقليميين.
وأردف واتس: "لكي تستثمر السعودية بالفعل في هذا السوق وتضع نفسها بجانب الشركات الكبرى الثلاث كشركة طيران عالمية، هناك الكثير مما يجب القيام به لتحسين الرؤية الدولية للبلاد، وهو مجال تحقق فيه تقدم كبير ولكن يجب أن يكون هناك المزيد يتم القيام به لتحفيز المسافرين على اختيار الخطوط السعودية مقارنة بأقرانها ذوي الكفاءة العالية".
يبدو أن فشل مخططات ابن سلمان الاقتصادية كلها بسبب حماقته في ارتكاب جريمة قتل الخاشقجي التي قضت على أي آمال اقتصادية وآمال في تحسين صورة المملكة على الساحة الدولية، فكل الشركات تمتنع من الوجود في السعودية فهل ستنجح السعودية للطيران في إقناع الأتراك مثلاً أو الفرنسيين بركوب طيرانها بدلاً من شركات الإمارات وقطر؟! لا اعتقد أن الأمر بهذه السهولة لأن اسم السعودية بات محفوراً في الأذهان لدى الرأي العام الدولي وهو مرتبط بالعنف والقتل والجريمة وانتهاك حقوق الانسان وهذه أكبر التحديات التي ستواجه الشركة التي لم ترَ النور بعد.