الوقت- بعد ستة أيام من الأزمة غير المسبوقة في الأراضي المحتلة، يمكن اليوم مناقشة هذا الحدث من زوايا مختلفة، وخاصة أن التطورات الميدانية والتوترات المتزايدة في المدن الصهيونية المختلفة تُظهر أن ميزان القوى في هذه المنطقة قد تغير بين السكان الرئيسيين و كيان الاحتلال الصهيوني. ورغم أن هذه التطورات دفعت المجرمين الصهاينة إلى ارتكاب الكثير من الجرائم، وخاصة في غزة، إلا أن هذا القدر من الجرائم ليس له سبب سوى اليأس والخروج عن سيطرة هذا الكيان الغاصب. ولقد تم نشر العديد من التقارير والتحليلات حول ماذا ولماذا وكيف وقعت الأحداث الأخيرة، ولكن ما يجب معالجته الآن هو ظهور أبعاد جديدة للضعف الهيكلي في داخل أروقة الكيان الصهيوني بسبب الصراعات الاجتماعية في مدن مختلفة من الأراضي المحتلة، ما يعقد بشكل متزايد من الوضع الحالي.
إن الكيان الصهيوني المغتصب يتعرض الآن للكثير من صواريخ المقاومة ويعاني أيضاً من العديد من الصراعات الاجتماعية العنصرية التي اجتاحت هذا الكيان الزائف وإضافة إلى أن "إسرائيل" تعتبر كياناً من دون شعب موحد ولا يوجد فيها شيء مثل الدولة القومية، الأمر الذي يعتبر المؤشر الرئيس للاستقرار في بلد ما، فإن هذا الكيان المزيف، بطبيعة الحال عند حدوث أدنى اضطراب في هيكله وبنيته الأساسية فإن وجوده سوف يصبح مهددا بالانهيار. في الأساس، يعتقد العديد من المحللين في قضايا غرب آسيا أن الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة داخل أروقة الكيان الصهيوني، تتمثل في قضية الأمن والوجود والتي أصبحتا قضية رئيسة لدى الرأي العام الصهيوني وبالتالي التغلب على التناقضات الداخلية لن يكون سهلا على الحكومة الصهيونية الجديدة.
ووفقًا لعدد من المصادر الاخبارية، يمكن تقسيم التناقضات في المجتمع الإسرائيلي إلى أربع فئات على الأقل: "التناقضات العرقية" (بين الأشكناز، والسفارديم، والشرقيون، والفلاش، والعرب، إلخ)، و"التناقضات الدينية" (بين اليهود، وقسم من المسيحيين والبهائيين والمسلمين)، و"الصراعات الطائفية" (بين طوائف يهودية مختلفة للغاية) و"صراعات سياسية" (بين الأحزاب والجماعات التي لم تتمكن من تشكيل حكومة بعد أربع جولات من الانتخابات). لقد أدى الجمع بين هذه التناقضات إلى خلق مجتمع غير متجانس إلى حد كبير وهش حيث قد تعمل أدنى مشكلة كمفجر للقنبلة وتتسبب في خلق صراعات دموية داخل المجتمع الصهيوني. وعلى هذا النحو أصبحت مخاوف القادة الصهاينة وداعميهم الأجانب الآن أكثر تركيزاً على الاضطرابات والعنف غير المسبوق الذي اندلع في معظم مدن الأراضي المحتلة والتي أدت إلى انعدام الأمن الشديد في هذه المدن، أكثر من تركيزهم على صواريخ المقاومة.
لذلك فإن التركيبة الطبقية في " المجتمع الإسرائيلي" تجلت في الصراع بين مكوناتها وخصوصا بين "الأشكناز والسفارديم" بشأن الأيديولوجية والطبقية بين يهود الغرب ويهود الشرق، فالأشكناز هم الطبقة العليا في "إسرائيل" التي تتمتع بالغنى والهيمنة على المؤسسات السياسية والاجتماعية، والأكثر حصولاً على الأجور المرتفعة عن اليهود السفارديم الذين يتقاضون رواتب أقل بكثير من الأشكناز ويحصلون على وظائف أقل. ورغم مكامن التفرقة وعدم التجانس إلا أنهم استطاعوا الحفاظ على " بينة الدولة الاحتلالية"؛ بسبب تصدير المشاكل الداخلية إلى الخارج، إضافة إلى " البعبع الأمني".
وتدفع هذه التناقضات وطبيعة التركيبة للمستوطنين، إلى التساؤل عن الطريقة المثلى لاستغلالها في قتل مشروعها الاستيطاني وتفككه. حيث وضعت رسالة حركة "حماس" أحد قواعد العمل في التسلل إلى قلب المجتمع الإسرائيلي واختراقه ما ينعكس إيجابا على بعض القضايا الوطنية الفلسطينية كقضية الأسرى مثلا. وإن نظريات اللعب على التناقضات الفلسطينية - الفلسطينية، واختراق العديد من المجتمعات والدول العربية التي لعبها الإسرائيليون طويلا، وخصوصا من خلال إعلامهم وصحافتهم، لا بد أن تنعكس على تركيبته، من خلال وضع استراتيجية بث وتأليب الرأي العام ضد قضايا عنصرية كما فعلت القسام مثلا؟. وحول هذا السياق، قال الكاتب "ياسين عز الدين"، إن "الكثيرين قد تنبهوا إلى إمكانية اللعب على تناقضات المجتمع الصهيوني، في ضوء تظاهرات الفلاشا، وبعضهم اقترح بأن يكون هنالك لجان إعلامية تلعب على هذه التناقضات بشكل محترف، وهو اقتراح في مكانه ويحتاج لجهد منظم وخبراء في المجتمع الصهيوني حتى لا يكون العمل عشوائيًا". وأوضح أن للعمل المقاوم دوراً مهماً في إحداث تصدعات في بنيان المجتمع الصهيوني وهز ثقة المستوطنين بدولتهم.
لقد بدأت الأزمات الأخيرة في الأراضي المحتلة عندما بدأ الكيان الصهيوني أكبر مناورة عسكرية في تاريخه وقيل إنه كان من المقرر لها الاستمرار لمدة شهر باستخدام أنظمة النظام البرية والبحرية والجوية والعسكرية وخلال تلك المناورات، كان من المقرر أيضا تقييم قدرة القوات المسلحة التابعة للكيان الصهيوني على مواجهة التهديدات من مختلف الجهات التي يمكن أن تتحدى وجود إسرائيل. ولقد أدى تصاعد الاشتباكات العسكرية مع قوات المقاومة الفلسطينية في الجزء الجنوبي من الأراضي المحتلة وتصاعد الأزمات الاجتماعية في مختلف المدن الإسرائيلية إلى تعليق فوري لأكبر مناورة عسكرية في تاريخ الكيان الصهيوني، والتي بدأت قبل أيام قليلة. وفي الوقت نفسه، وضعت هذه الأحداث قدرات الكيان العسكرية والأمنية على المحك، وكشفت مرة أخرى عبثية الدعاية الحالية حول قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها أمام العالم. وإضافة إلى ذلك، في السنوات الأخيرة، أدت سياسات "نتنياهو" الشريرة في المنطقة، والتي كانت تهدف في المقام الأول إلى خلق أزمة لتعزيز مكانته في الهيكل السياسي الإسرائيلي، إلى تنشيط إمكانية "الانضباط الشديد" لتبديد وهم السلطة في هذا الكيان الغاصب.
إن سلسلة الأزمات الأمنية في الأراضي المحتلة، مثل انفجار معمل "تامر" لمحركات الصواريخ، والهجوم الصاروخي بالقرب من منشأة ديمونة النووية، والانفجار والحريق في مصفاة النفط في حيفا، والهجمات السيبرانية واسعة النطاق، أجبرت الكيان الصهيوني إلى الادعاء بأن تلك الأزمات حدثت مصادفة، وأن أسباب حدوثها غير مرتبطة بالأحداث الجارية في الأراضي المحتلة. ووفقًا للخبراء السياسيين والإعلاميين الموالين لإسرائيل، فإن الهيئة الحاكمة الآن غير قادرة على إدارة الأزمات الأمنية المنتشرة في مدن مختلفة، كما أصبحت الحكومة الصهيونية غير قادرة أيضا على السيطرة على هذه الأزمات.
إن القوة الدفاعية الإسرائيلية، التي حاولت "تل أبيب" جعلها تبدو غير قابلة للاختراق من خلال الدعاية المبالغ فيها حول نظام القبة الحديدية، تتعرض الآن لتحدي صواريخ المقاومة الفلسطينية البدائية الرخيصة، والتي دمرت معظم المنشآت الحيوية الإسرائيلية أو أصابتها باضرار جسيمة. ورغم ضعف نظام القبة الحديدية، إلا أن تكاليفه الباهظة شكلت مشكلة جديدة تواجه الحكومة الصهيونية التي تتعرض لضغوط اقتصادية شديدة. إن كل صاروخ للقبة الحديدية الذي يتم إطلاقه لاستهداف صواريخ المقاومة يكلف ما لا يقل عن 80 ألف دولار، بينما يتم إنتاج صواريخ المقاومة بتكلفة أقل من 1000 دولار. وفي الختام يمكن القول إنه مهما كانت نتيجة الأزمة الأخيرة في الأراضي المحتلة، فإنها ستؤدي إلى ولادة أيديولوجية جديدة في المنطقة، تثبت حقيقة أنه لا يمكن فرض أيديولوجية وهيكل مزيف على أمة لها تاريخ من خلال استغلال المال والأسلحة والدعم السياسي والأمني الغربي.