الوقت - جريمة الکيان الصهيوني في الاعتداء على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى، والتي أسفرت عن استشهاد 2 وإصابة أكثر من 205 آخرين، تسببت بموجة كبيرة من الغضب والكراهية في صفوف المجتمع الإسلامي ضد الإجراء اللاإنساني الذي قامت به تل أبيب.
الصهاينة، الخائفون من تجمع عشرات الآلاف من المسلمين في ليلة القدر، هاجموا المصلين الفلسطينيين من أجل تنفيذ سياسة إزالة الهوية الإسلامية من مدينة القدس؛ لكن المقاومة الفلسطينية وردود الفعل العالمية الانتقادية مهدت الطريق لفشل سياستهم الجديدة.
إدانة عالمية واسعة النطاق وسياسة المعايير المزدوجة لدی الأنظمة العربية
أثار هجوم قوات الکيان الصهيوني على المصلين الفلسطينيين ردود فعل انتقادية في جميع أنحاء العالم ضد جريمة الصهاينة الجديدة.
وفي أحد أهم ردود الفعل، أدانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بصفتها محور المقاومة في المنطقة والداعم الرئيسي للشعب الفلسطيني، بشدة العمل العسكري الصهيوني يوم أمس.
وصرح سعيد خطيب زاده الناطق باسم جهاز السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية: إن "جريمة الحرب هذه أثبتت مرةً أخرى الطبيعة الإجرامية للکيان الصهيوني غير الشرعي للعالم كله، وضرورة التحرك الدولي العاجل لوقف انتهاك أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني."
كما وصف فولكان بوزكر، رئيس الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في رسالة على تويتر، تدخل قوات الأمن الإسرائيلية في المسجد الأقصى بأنه "مؤسف"، ودعا المجتمع الدولي إلى التعامل مع الأماكن المقدسة وخاصةً المسجد الأقصى باحترام.
وعلى صعيد المنظمات الدولية، أدان الاتحاد الأوروبي أيضاً الاشتباكات بين شرطة الکيان الصهيوني والفلسطينيين المحتجين في القدس المحتلة يوم السبت.
بدوره ندَّد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بأشد العبارات بالهجوم على المسجد الأقصى واستهداف الفلسطينيين العزل، بالقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.
وشدد في بيان على أن الهجوم قد استفزّ مشاعر المسلمين حول العالم، وعكس سياسة الکيان الإسرائيلي المتعمدة في تصعيد الموقف، محذرًا إسرائيل من عواقب هذه الأعمال.
إضافة إلى الدول والمنظمات المذكورة، أدانت العديد من الدول العربية الهجوم العسكري الصهيوني على المصلين الفلسطينيين. ونذكر في هذا الصدد صدور بيانات إدانة من قبل مسؤولي وزارات خارجية السعودية ومصر وتركيا وقطر والكويت، وحتى رئيس جامعة الدول العربية.
لكن النقطة المهمة التي يجب ملاحظتها في هذا الصدد، هي أنه على الرغم من الإدانة اللفظية للجرائم الصهيونية، فقد تبنت هذه الدول سياسة ازدواجية المعايير تجاه التطورات في فلسطين.
على مدى السنوات القليلة الماضية، اتبعت الدول العربية بقيادة السعودية نهج التسوية والمساومة مع الصهاينة، وخانت تطلعات الشعب الفلسطيني من خلال دعمها الضمني والعلني لخطة "تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني".
ولذلك، يمكن تقييم رد فعل القادة العرب بأنه يأتي للاستهلاك المحلي وتغذية الرأي العام في العالم العربي، لكن حقيقة الأمر أنهم خانوا المجتمع الإسلامي وكذلك المجتمع العربي عبر الاستسلام لتل أبيب. وبالتالي، فإن سياستهم الکاذبة في إدانة الجريمة الأخيرة للکيان الصهيوني هي أشبه بعرض سخيف.
الصهاينة وسياسة الفصل العنصري علی الهوية في القدس
إن هجوم الشرطة الصهيونية على المصلين المسلمين في يوم القدس، هو بلا شك استمرار لسياسة التمييز العنصري للکيان لتغيير التركيبة السكانية وهوية مدينة القدس.
لقد أطلق الصهاينة خلال العامين الماضيين برنامجًا شاملاً لتهويد وتغيير هوية مدينة القدس، بالتركيز على الأحياء القريبة من المسجد الأقصى. وفي هذا الصدد، نرى أنه بدعم من هذا الکيان، يقوم المستوطنون الصهاينة بمهاجمة الأحياء الإسلامية المحيطة بالمسجد الأقصى.
في هذه الأثناء، فإن منطقة باب العمود(المجاورة للمسجد الأقصى) وحي الشيخ جراح هما المركزان الرئيسيان للصهاينة لتغيير هوية مدينة القدس. ووقعت الاشتباكات الأخيرة أيضاً في وقت شهدت فيه منطقة باب العمود في قلب القدس الشريف اشتباكات بين الجنود الصهاينة وأبناء القدس خلال الأيام العشرة الماضية.
کذلك، وبالتزامن مع ليلة القدر، كان المستوطنون الصهاينة يعتزمون دخول حي الشيخ جراح بالقدس، إلا أن عددًا من شباب القدس نظموا مسيرةً عند مدخل هذا الحي للتعبير عن دعمهم لأهالي الشيخ جراح.
ويأتي مجموع هذا الاتجاه في حين أنه بسبب استمرار ضغوط المستوطنين الصهاينة وتواطؤهم مع محاكم القدس، فإن التهجير القسري بات يهدد ما يقرب من 500 فلسطيني في القدس، الذين لديهم 28 منزلاً في حي الشيخ جراح.
سياسة نتنياهو في أزمة تشكيل الحكومة
الجرائم التي ارتكبها الکيان الصهيوني بحق المسلمين في المسجد الأقصى، وفي ظل عرقلة تشكيل الحكومة الصهيونية،يمكن أن تكون مرتبطةً باستراتيجية نتنياهو الخاصة لاستغلال هذا الحدث سياسيًا.
في الواقع، مع انتهاء مهلة نتنياهو لتشکيل الحکومة، کلَّف الرئيس الصهيوني رؤوفين ريفلين في 4 مايو 2021، يائير لبيد زعيم حزب "يش عتيد" بتشكيل الحكومة.
وفي ظل الوضع الراهن، يبدو أن نتنياهو يسعى لاستعادة انتباه ومشاعر الفصائل اليمينية لنفسه، عبر اللجوء إلى العنف واستئناف الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة، ويمنع بهذه الطريقة نجاح الطيف المعتدل بقيادة لبيد في تشكيل الحکومة.
لكن على عكس خطة نتنياهو، يبدو أن المرشح الجديد لتشکيل الحکومة في الكيان الصهيوني، منع نتنياهو من تحقيق هدفه ودعم قوات شرطة الکيان.
ورداً على ما حدث في المسجد الأقصى، قال يائير لبيد إن تل أبيب لن تسمح بتصعيد ما أسماه بالعنف، مشيراً إلى أنه سيتم إصدار أمر بـ "التعزيز" وإرسال الجنود الجرحى إلى المستشفى فور وقوع أحداث الليلة الماضية.
إن مرشح تشكيل الحکومة في الأراضي المحتلة، والذي تولى هذه المهمة مؤخراً بعد هزيمة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الحالي للکيان، اعتبر الشعب الفلسطيني بأنه "منظمات إرهابية"، وادعى أنه لن يُسمح لهم بـ "تهديد إسرائيل".
کما كتب لبيد في حسابه مهدداً الشعب الفلسطيني، أن "كل من يريد أن يؤذينا يجب أن يعلم أنه سيدفع ثمناً باهظاً". ومن الواضح أن هذه التصريحات هي نوع من المواجهة مع انضمام الطيف الراديكالي لنتنياهو.
تراجع الكيان الصهيوني وفشل استخدام القوة مرةً أخری
إثر جرائم الکيان الصهيوني في يوم القدس، ردت التيارات السياسية والشعب الفلسطيني بحدة كما كان متوقعاً، ما أدى إلى تراجع الصهاينة من مواقفهم الأولية.
وعقب هجوم المحتلين الصهاينة على المسجد الأقصى، خاطب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إسماعيل هنية، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في كلمة عقب هجوم الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى، وقال محذراً: "لا تلعب بالنار! وهذه معركة لا يمكن أن تنتصر بها لا أنت ولا الجيش ولا الشرطة ولا الکيان الإسرائيلي. إن ما يحدث هو انتفاضة وثورة عارمة يجب أن تتواصل ولن تتوقف. ومهما قدمنا من تضحيات فإننا سندافع عن القدس والمسجد الأقصى، ولن يكسب العدو المعركة التي بدأها في القدس".
وعقب هذه التصريحات والضغط العام من قبل المواطنين الفلسطينيين، تراجعت قوات الاحتلال الصهيوني مرةً أخرى عن مواقعها، وأعيد فتح أبواب المسجد الأقصى أمام المصلين.
وبحسب الأدلة المنشورة في الفضاء الإلكتروني، فقد دخل المصلون المسجد لأداء صلاة الفجر في المسجد الأقصى من خلال "باب الحطة" و"باب الأسباط" وترديد شعار "الله أكبر الحمد لله".
كما أفاد موقع عرب 48 الإخباري بأنه من المتوقع أن يتوجَّه عدد غير مسبوق من المصلين إلى المسجد الأقصى ليلة القدر(السبت والأحد). ومن المنتظر أنه استجابةً لدعوة اللجنة العليا لمتابعة المواطنين العرب، سيدخل عدد كبير من وفود القرى والمدن العربية في مناطق عرب 48 إلی المسجد الأقصى.
لكن رداً على هذه الأحداث، أشارت الأنباء إلى أن شرطة الکيان الصهيوني أصدرت أمراً برفع مستوى جاهزية قواتها حول المسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة، مع اقتراب ليالي القدر في أنحاء متفرقة من فلسطين وخاصةً في القدس.